برجمان.. سيد الأسئله الصعبة فى السينما العالمية
بقلم: ماجد كامل
رغم رحيله عن عالمنا والذي مر عليه 16 عاما.. يظل المخرج السويدي العالمى (إنجمار برجمان) أحد الأرقام الصعبة والمهمة والملهمة فى السينما العالمية، حيث يقف برجمان بثبات إلى جوار (فيدريكو فيلليني، وأكيرو كيروساوا) كأهم المخرجين فى تاريخ السينما العالمية الذين فجروا فى خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضى سينما مليئة بالرموز، حافلة بأسئله جوهريه حول قضايا وفلسفة الوجود الإنساني.. لتمتد آثار المخرجين الثلاثة الأعظم لتولد تيار السينما الجديدة الذي ولد على يد المخرجين الفرنسيين العالمين (جان لوك جودار وكلود شابرو).
وتعد سينما برجمان هى الرمز الأهم للسينما الجادة المغلفة بأجواء فلسفية عميقة حيث تطرح موضوعات أفلامه كأفلام الصمت وبيرسونا والختم السابع.. أسئلة صعبه حول الحياة والموت والتحليل النفسي الذي يسبر أغوار النفس البشرية ويشرح أعماقها، بل وتتطرق إلى الوجود الإنساني برمته عبر تقنيات سينمائية جديدة ومبهرة حطمت الجدار الرابع فى السينما ليتحرك الممثل وكأنه ليست هناك كاميرا تحد حركته كما كان شائعا فى عالم السينما من كون الكاميرا هى الجدار الرابع التى تحد حركه الفنان، حيث يجب أن يراعى زواياها أثناء التصوير إلا أن برجمان حررالممثل تماما فى حركته عبر تحرك الكاميرا باستخدام تقنيات (الزووم، والكلوز آب) مستخدما سيناريوهات لاتزال تذهل العالم حتى يومنا هذا فى طريقة كتابتها.
وقد فجرت موضوعات أفلامه دوائر واسعة من الجدل الشديد ولاتزال جرأتها مذهلة رغم تقديمها منذ عشرات السنوات، حيث تطرح موضوعات أفلامه أسئلة إنسانية صعبه حول الوحدة والفشل في الحب والخوف من الموت، كما تتطرق الى آفاق الوجود الإنسانى، كماتحتشد أفلامه بمؤثرات مستقاه من ذكرياته المؤلمه عن الحرب العالمية الثانية التى عاصرها فى مقتبل حياته، وكذلك مؤثرات من طفولته وعمله فى بدايات حياته بالمسرح حيث يغزلها بشكل فائق الروعه فى ثنايا أعماله.
الختم السابع
فى عام 1957 ابدع برجمان رائعته (الختم السابع – The Seventh seal) الذي يظل إلى اليوم مثيرا للجدل الشديد حول جرأة موضوعه، حيث يتناول فى جو (رمزي) فارسا عائدا من الحروب الصليبية فى القرن الرابع عشر الميلادي ليجد بلده وقد ضربها الطاعون، وفى هذه الأثناء يلتقى شخصا يعرف بعد ذلك أنه رمز للموت حيث يلعب معه لعبة الشطرنج ويدور بينهما حوار عميق حول فلسفة الحياة والموت، وسط أجواء خاصة من الإضاءة التى تعبر عن الأحداث.
الصمت
ويعد عمله السينمائى الكبير (الصمت – The silence) والذي أطلقه فى العام 1963 من أروع أعماله حيث يلحظ المشاهد منذ الثانية الأولى للعرض أنه أمام سينما مختلفه تماما عما يعرفه، حيث يفتتح الفيلم مع دقات متتالية ومتسارعة للساعة أشبه بدقات قلب الإنسان تستمر طيلة فترة عرض الأسماء فى مقدمة الفيلم، وكذلك يعتمد على هذه الدقات الحاده كمؤثر تقنى خلال الفيلم كرمز قوي لاستنفاذ الوقت الذي نملكه فى الحياة وظلال الموت التى تلاحق الإنسان طيلة حياته.
فيما نشاهد أختين جالستين وبصحبتهما طفل فى قطار وسط صمت تام يغلف الأجواء تبدو خلاله إحداهما مريضه للغاية ويضطرون مع تفاقم وضعها الصحى أثناء الرحله إلى النزول فى أقرب محطه لنجدتها، وطوال عرض الفيلم نحن لانعرف لما هم راحلون.. ولا أية بلده نزلوا.. ولا أي فندق سكنوا؟، حيث يتعمد برجمان إخفاء ذلك.. فالمكان ليس موضوعه بل يهتم بالاساس بسيناريو يعبر عن فلسفته حول الحياة والموت وتشريح النفس البشريه برغباتها وتنقضاتها الجامحتين .
بيرسونا
ورغم مرور 56 عاما على إطلاق فيلمه (بيرسونا – Persona)، إلا أنه لازال يفجر الكثير من المقالات النقدية والتحليل السينمائي من النقاد والكتاب إضافه إلى الدراسات السيكولوجية من مختلف أنحاء العالم، وذلك منذ بدء عرض الفيلم عام 1966 وحتى يومنا هذا، وذلك في محاوله لفهمه وتفسيره.. ويعد الفيلم بمثابة نقطه الانطلاق القويه لبرجمان على مستوى العالم والانتقال من سينما الرمز إلى سينما التعبير الشاعري عن علاقه الإنسان بذاته، ويفاجأ برجمان العالم فى هذا الفيلم باستخدامه الساحر للغه السينما، حيث يستخدمها فى التعبير عن المواقف موظفا الظلال والأضواء بأروع مايكون.
وفى فيلم (بيرسونا) يكشف إنجمار برجمان عن القناع الذي نرتديه فى مواجهة العالم ونتظاهر بأنه نحن حتى نتوه ونفقد الخط الفاصل بينه وبين ذواتنا، فاختيار المخرج لعنوان الفيلم (بيرسونا) يستند إلى معنى الكلمة في اللغة اللاتينية والتى تعنى القناع، وهو معنى استخدمه العالم النفسي الأشهر (كارل يونج) لوصف الشخصية المصطنعة التى يستخدمها الفرد لأخفاء ذاته، وقد استخدم برجمان فى سيناريو الفيلم (تكنيكا) مبهرا حيث قسم الفيلم ألى قطع سردية فتح من خلالها للمشاهد آفاق التفسير الحر لفهم الفيلم وإطلاق العنان لفكر المشاهد ليكون جزءا من دراما العمل، ويفسره كما يرى لتجاوز الشكل السينمائى التقليدي فى السرد السينمائي الذي يكون فيه المشاهد مجرد مستقبل لعمل سهل التفسير لايثير تفكيره إلى ماوراء أحداث الفيلم التقليدية.
برجمان الذي توفى عن 89 عاما وتجاوزت مسيرته السينمائية الستة عقود حصد خلالها عشرات الجوائز العالمية، حيث حصل على جائزة الاوسكار لثلاث مرات وحصوله على سعفة مهرجان (كان) الذهبية والدب الذهبى لمهرجان (برلين) السينمائي – لمرات عده – إضافه إلى جوائز من كبرى المهرجانات السينمائية العالمية.