كتب: محمد حبوشة
لاشك أن أداء (ريهام عبد الغفور ورشدي الشامي) لايمكن أن نزايد عليهما في مسلسل (أزمة منتصف العمر)، فكلاهما تماهى تماما مع الشخصية التي يؤديها بكل جوارحهما في إطار أدائهما الجاد والمعهود، لكنهما للأسقف وقعا في براثن قصة تحكى واقعا بغيضا ومبالغة درامية عبر أحداث مضطربة تخاصم القيم التي تربينا عليها، وهو ما شغل رواد منصات التواصل الاجتماعي المتابعين للمسلسل بسبب هذه القصة المثيرة للجدل والتي اعتبرها الكثيرون لا تناسب مجتمعاتنا العربية.
ولهذا احتل الجدل حول الأحداث المتشابكة في مسلسل (أزمة منتصف العمر) منشورات الفيسبوك خلال الأيام القليلة الماضية، نظرا لاحتوائه على علاقات من النادر تناولها في المسلسلات المصرية، رغم ما يبدو على المسلسل في البداية من كونه عن مشاعر حب وخلافات زوجية تقليدية من التي شاهدناها مرارا، لكن الحلقات سريعا ما كشفت عن دراما غير متوقعة.
أكثر ما أثار النقاش حول العمل هو ما يتعلق بالحب ثم العلاقة العابرة التي وقعت بين بطله (عمر/ كريم فهمي) و(فيروز/ ريهام عبد الغفور) والدة زوجته (أو طليقته وقت وقوع العلاقة)، وعلى الرغم من أن المسلسل ينتمي إلى النوع الرومانسي، إلا أنه يبدو لدينا العديد من قصص الحب ونشاهد خلاله عدة أنواع من الشخصيات: نجد أطرافا مستغلة وأخرى تحب في صمت والعكس أيضا، إذ سنجد الزوجة المضحية، والشخصية التي لا تتورع عن فعل أي شيء لتخبر حبيبها بحقيقة مشاعرها.
في وسط هذه الشخصيات المختلفة، في القلب منها نجد (عمر)، الشخصية الرئيسية والذي يعتبر محورا لأغلب الأحداث، يظهر في صورة شبه مثالية، ونقول شبه لأنه في بعض المشاهد يعترف بأخطائه، ولكننا عندما نعيد النظر في هذه الأخطاء سنجد أن المسلسل يحاول تبرئة (عمر) منها ليقدم من خلاله صورة مثالية للرجل، كما يحب الكثيرون والكثيرات في المجتمع الشرقي أن يرونه، وذلك رغم أن أداءه يبدو باهتا ويخلو من انفعالات حقيقية تعكس هذه الشخصية المحورية، فقد تمتع (كريم فهمي) ببرود في أدائه قابلة نفس البرود والتكرار والعصبية المفرطة في الأداء لدى كل (رنا رئيس، ركين سعد، عمر السعيد) الذين راحوا في وصلات من الانفعال الزائد عن الحد في غالب الأحيان، والأخير مخارج ألفاظه سيئة للغاية تميل إلى أداء تطجيني.
تبدو لي الأزمة الأساسية في التركيز على كون شخصية (عمر) مثالية في إبراز مشكلتان، الأولى: أن الشخصيات المثالية لا تصنع عادة دراما جيدة، إذ أن الأخطاء والسقطات هى ما تصنع الصراع والدراما، لكن هذه المشكلة حاول أن يتجاوزها صناع المسلسل من خلال ظهور بعض الأخطاء التي يقع فيها عمر، أما المشكلة الثانية: فهي كيف يقدم المسلسل هذه الشخصية بمثاليتها وأخطائها، إذ أن (عمر) هو النموذج الذي يدغدغ خيالات الكثير من الرجال والنساء في المجتمعات الشرقية.
البداية مع كيفية تعامل عمر مع زوجته (مريم/ رنا رئيس)، إذ يعاملها كطفلة طوال الوقت، بداية من شهر العسل وفي أغلب المشاهد التي جمعتهما، سواء بمفردها أو أمام الناس، يتضمن هذا أن يصفها بأنها غير ناضجة متمنيا لها في عيد ميلادها القادم أن (تكوني كبرتي وعقلتي)، أو أن يصفها أمام أسرتها وأصدقائها في عيد ميلادها بـ (أعقل بنت في الدنيا.. مريم يعني المسؤولية.. الهانم ضيعت الشبكة في الـ Honeymoon، ويقول عباراته هذه بشكل ساخر وكأنه يجاملها وسط ضحكات الجميع)، وفي حقيقة الأمر يصعب تخيل أن إخبار جمع بأن شخصا ما مهمل في عيد ميلاده، هو أمر رومانسي أو مضحك، لكن المسلسل يبرر لنا هذه الأوصاف بأنها مقدمة ليفاجئها بهدية عيد ميلادها وهي شبكة جديدة!
من زاوية أخرى، نشاهد (عمر) يبدأ في الاعتراف بأخطائه أخيرا، الأسرار التي يخفيها عن زوجته، سواء علاقته المضطربة تماما بأمه، أو زواجه وطلاقه السابق، لكننا لا ننتظر طويلا حتى نجده يقف في موقع الضحية أمام هذه الأسرار، إذ أنه يبرر قطيعته مع أمه لأنها تزوجت عدة مرات بعد وفاة والده، ليس هذا فقط، بل أن من تزوجتهم ليسوا في مثل سنها، بل أصغر منها كما يفهم من السياق، وهو ما لا يرضيه.
لا نريد أن نقع في فخ أن نحكم على المسلسل طبقا لرؤيتنا الشخصية أو رغبتنا في أن تتصرف الشخصيات بشكل معين، وتطرح أفكار بعينها، لكننا أمام شخص يبدو مثقفا ومنفتحا وحاصل على تعليم جيد، لن نقف مثلا عند شخصية زوج (فيروز/ ريهام عبد الغفور) الذي يدعى (عزت/ رشدي الشامي) الذي يصنف النساء طبقا لرؤيته بشكل سطحي تماما ويؤكد أنه يجب على الرجل أن يتزوج واحدة مثل (فيروز) لتصون بيته، وهى الرواية الذكورية أيضا في تصنيف الفتيات إلى رفيقة للمتعة، وزوجة لرعاية البيت، لن نقف عند هذا الوصف من (عزت) لأنه يتفق تماما مع شخصيته داخل الأحداث، لكن (عمر) منذ البداية يقدم للمشاهد بصفته مختلف.
وإن كان يمكن أن نتجاوز تفاصيل شخصية عمر، فإن ما يصعب تجاوزه أكثر هو ردة فعل النساء في حياته على الكيفية التي يتعامل بها معهن، زوجته مريم دائما ما تبدو سعيدة بتعامله معها كطفلة، رغم أنها تجاوزت مرحلتي الطفولة والمراهقة، ولديها حياتها وعلاقاتها مع أصدقائها، بينما الأغرب هو رد فعل (فيروز) على تبريرات عمر للقطيعة مع أمه، إذ تخبره بأن (الناس بتتغير) وتطالبه بأن يسامح، ولا تناقشه على الإطلاق في نظرته لأمه أو أن لها حق الزواج، وهى المرأة المقهورة من زوجها.
وهناك نقطة أخرى وهى بلاشك عيب واضح في السيناريو إذ كيف يتعامل المسلسل نفسه بازدواجية مع شخصية (عمر) دون أن يحاول نزع بريقها عنها، عندما يتحدث عن طليقته سلمى (هند عبد الحليم) يذكر عمر أنها كانت السبب في موت طفلهما وهو جنين نتيجة تعاطيها للمخدرات، ولهذا طلقها، يعترف عمر بأنه تركها دون حتى أن يراها مرة أخيرة أو يواجهها، ولكن السياق العام للمشهد يدفعنا للتعاطف معه أكثر من التعاطف معها، يؤكد عمر في كلامه أكثر من مرة أنها كانت السبب في موت الطفل، وأن مشاعره ماتت هو الآخر بعد ذلك.
أيضا من خطايا السيناريو عندما نكتشف حمل فيروز من عمر، فإن المتوقع هو أن عمر الذي لا يحب التخلي عن أطفاله سيحاول البحث عن حل دون التخلي عن الطفل، لكننا نجده يسأل الطبيب المعالج عن إمكانية أن تأخذ حبوبا لإنزال الجنين!، لا يتوقف للحظة واحدة للحديث عن الطفل ومشاعره تجاهه، فكأنه ليس طفله مثل السابق، ندرك تماما طبيعة العلاقة الملتبسة والموقف الصعب الذي وضع فيه عمر، لكنه في النهاية نفس الرجل الذي كان لديه موقف واضح منذ أيام قليلة، لكن حتى مع الموقف المتناقض، نجد أن المسلسل يجمل صورة عمر حتى النهاية، كيف يفعل ذلك؟ بأن نجده يؤجل موعد سفره حتى يكون بجوارها في عملية الإجهاض، فهذه صورة أيضًا تعبر عن رجل شرقي يتحمل مسؤولية أفعاله.
يتحجج صناع (أزمة منتصف العمر) بأنه ليس من أول عمل تناول أفكارا جريئة تغري الجمهور بالمشاهدة وتثير فضول حتى هؤلاء الذين يرفضونها، خاصة مع تذكر جمهور الدراما السورية بتناول هذه القضية الصادمة وسبق وأن تم تناولها في ثلاثية (حب محرم) ضمن احدث المسلسل السوري المثير للجدل (صرخة روح)، لكنهم نسوا أن مسلسل (صرخة روح) من الأعمال التي أثارت الكثير من الجدل بسبب المواضيع الجريئة والصادمة التي تم طرحها فيه، حيث صدمت قصة (حب محرم) ضمن أحداث (صرخة روح) الجمهور العربي بعد قصة غرام تجمع سيدة (سوزان نجم الدين) مع زوج ابنتها (ميلاد يوسف)، وتعاني هذه السيدة من صراع بسبب مشاعرها وخوفها على ابنتها.
اندهشت كثيرا لتصريحات فريق العمل حول رد فعل الجمهور واستنكاره لموضوع المسلسل، وخاصة أن مؤلف (أزمة منتصف العمر) أحمد عادل، خرج عن صمته وكشف السبب في اختيار هذا الاسم بالتحديد، والفكرة التي يسعى لتقديمها من خلال المسلسل بعيدا عن أصوات الانتقادات اللاذع، وقال: اسم المسلسل كان من البداية (أزمة منتصف العمر)، وقمت ببناء الأحداث على أساسه، وهذه طريقة تختلف عما يحدث في سوق الدراما، حيث يختار المؤلف اسما مؤقتا عند تقديم المعالجة الدرامية لحين الاستقرار على الاسم النهائي، ولكن في هذا المسلسل تحديدا كان (أزمة منتصف العمر) هو الاسم الأول والأخير، ولست أدري ما الحكمة من تصريح مثل هذا؟، هل هو مبرر لإقناع الجمهور الغاضب من القضية من الأساس.
والغريب أن عاد وتحدث بقوله: أنا لم أتطرق في المسلسل لفكرة أزمة منتصف العمر بالمفهوم الكليشيه لها، ولم أتعامل على أنها المرحلة العمرية التي يصبح فيها الرجل متصابي، فالفكرة والقضية الأساسية أن الشخص الذي يبحث عن علاقة وحياة عاطفية سليمة وسوية، لا بد أن يكون البناء الأساسي لها سليما في الأساس، وإذا اختل البناء الأساسي في العلاقات العاطفية سيظل الأشخاص الموجودين في العلاقة يعانون من أزمات ومشاكل على مدار عمرهم، كما أنه ساق مبررا آخر حيث أشار إلى أن: (الفتاة التي تتزوج قهرا وهى في سن صغيرة من رجل أكبر منها بفارق عمري يحدث بينهما أزمة منتصف العمر، ففي فترة معينة من العلاقة يقوم الرجل بدخول علاقة حب أخرى مع فتاة في سن ابنته، فيما تعاني زوجته من مشاكل نسائية وكبت وقهر، والأمر يتكرر مع ابنتها)، وهذا ما لايبدو واضحا من وجهة نظري في سياق الأحداث، بل يبدو أن ما بخيال المؤلف يختلف تماما مع أحداث تبدو ملفقة.
وقال المؤلف المصري إنني: أستوعب النقد السلبي وردود الفعل السلبية، لأن فكرة المسلسل جريئة رغم أنها تحدث بالفعل في مجتمعاتنا، لكن لم يتطرق أحد للحديث عنها من قبل، وأعتقد أن ذلك سر ردود الفعل المختلفة، ولكن جميع حلقات المسلسل ليس بها أي مشهد أو لفظ خارج أو لقطة تخدش الحياء العام، والمسلسل تم تقديمه ومناقشته بطريقة درامية سليمة، وفي تناقض عجيب شدد على أن: (فكرة المسلسل لا يمكن تعميمها على جميع أفراد المجتمع، لأن مجتمعاتنا أرقى من ذلك بكثير، ولكن ما نقدمه من خلال المسلسل هي حالة معينة موجودة بيننا في ولها أبعاد نفسية خاصة تدفعها للوقوع في أخطاء، ومع تطور أحداث المسلسل ستكتشف أن ما حدث في المسلسل ليس عاديا، ومعالجة المسلسل الدرامية تؤكد أن هذه الحالة موجودة بيننا ولكن لا يمكن تعميمها.
على أية حال يبدو أن صناع المسلسل مصرون على أنه فقط ينتمي إلى نوع الجرأة الاجتماعية التي لم يتطرق إليها قبلهم على حد تعبير المخرج (كريم العدل) وهو ما أدى إلى إثارة الجدل حوله، وهذا في حد ذاته نجاحا كبيرا بغض النظر عن إجماع كثير من الجمهور والنقاد على فساد الفكرة والمعاجة الدرامية، وفي النهاية يرى كثيرون أنه يشبه في تناوله الدرامي المسلسل التركي (العشق الممنوع) الذي يخالف تقاليدنا العربية، رغم نفي المؤلف والمخرج وبعض الأبطال، وظني أن هذا السبب هو ما أدى بالضرورة إلى استفزاز الجمهور الباحث عن مسلسل له رسالة حقيقية تعالج مشاكلنا، لكن ما هذا تورد الإبل ياسادة!!!