بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
تناول كثيرون نظرية (رواد الفضاء القدماء) سواء بالتأييد أو التفنيد، حتى ظهر جراهام هانكوك، الذى بدأ حياته العملية كمراسل صحفى و كاتب بعدة مجلات تهتم بالشئون الدولية وخاصة أفريقيا، وحقق أولى خطوات نجاحه في مطلع السبعينات عندما عمل في عدة بلدان من دول العالم الثالث، واتيحت له الفرصة لمراقبة أنشطة وكالات الإغاثة في تلك البلاد، وبرغم أنه نال جائزة لجهوده أثناء مجاعة اجتاحت أثيوبيا عام 1984/ 1985، إلا أن تلك المجاعة أزالت الغشاوة عن عينيه ليدرك حقيقة سلوك كثير من كبار العاملين في هذا المجال، ليصدر بعد ذلك كتابه (سادة الفقر – Masters of poverty) الذى يعتبر صرخة أزعجت ألوفا من البشر، فلقد قدم للمرة الأولى كتاباً موثقاً عن حقيقة ما يجرى في وكالات الإغاثة الرسمية – التى تصرف سنويا ما يقدر بستين مليار دولار تدفعها البلدان الغنية (لغوث) البلاد الفقيرة – لتذهب تلك المليارات لمشروعات عملاقة يقول عنها هانكوك أنها: دمرت البيئة وحطمت الحياة، وتم الصرف عليها ببذخ شديد لتساعد أنظمة ديكتاتورية بشعة في الاستمرار في السلطة، عن طريق جيش من الموظفين البيروقراطيين المنافقين، يلهثون خلف مصالحهم الخاصة ونزواتهم مما امتص حيوية ومبادرة الناس العاديين، واستبدلها بلمعان زائف لنصائح سطحية مستوردة لا صلة لها بالواقع.
وبما أن ميزانيات الإعانة الخارجية هى أقل أشكال الإنفاق الحكومى في الدول الغربية عرضة للمساءلة، لذا انتشر الفساد فيها، وفي النهاية يطلق هانكوك صيحته بالتخلص من سادة الفقر الذين يعملون كخبراء تنمية ومستشارون وموظفي خدمة مدنية، واستفادوا حقا من تلك الإعانات في صورة مرتبات ضخمة كفلت لهم حياة مليئة بالرفاهية و صنعت لهم امبراطورية ضخمة على حساب الفقراء.
بعد هذا الكتاب الصادم الذى أغضب كثيرين، اتجه هانكوك اتجاها آخر وبعيد كل البعد عن كتابه (سادة الفقر) ليغضب فئة أخرى هى علماء الآثار عندما أصدر كتابه (بصمات الآلهة – Imprints of the Gods) الذى ينطلق من ملاحظة وجود أبنية متعددة وضخمة – ليست بالضرورة بشكل هرمى – تنتشر في أماكن مختلفة على سطح الكرة الأرضية، تم بناؤها في عصور قديمة لا تملك المعدات أو الآلات اللازمة لإقامة مثل هذه الصروح، فكلها تحتاج في بنائها إلى تكنولوجيا متقدمة لم تكن متاحة في العصور القديمة. فهناك الأهرامات وأبو الهول، وأنقاض الأنديز الغريبة في تيهواناكو، ومعابد الشمس والقمر المذهلة في المكسيك وغيرها، تكشف عن بصمات واضحة لحضارة متقدمة لا نعرف عنها شيئا حتى الآن، كانت تملك تقدما تكنولوجيا ومعارف علمية متطورة صنعها الإنسان ولم تصنعها كائنات فضائية كما يقول دانكن.
حقق الكتاب مبيعات كبيرة، وظل لفترة طويلة فى قائمة الكتب الأكثر مبيعا – بيعت منه أكثر من 9 ملايين نسخة حول العالم حتى الآن – و بعد صدور الكتاب قدم هانكوك سلسلتين وثائقيتين للقناة الرابعة البريطانية، ثم أصبح محاضراً شهيراً في (التاريخ البديل – Alternative history)، وأصبحت له قاعدة قوية من المعجبين على الانترنت، ليظهر مؤخرا على منصة نتفيلكس ليطرح سؤالا: هل يمكن أن تكون قصة البشرية أكبر بكثير مما كنا نعتقد في السابق؟، وللإجابة على هذا السؤال يستعين هانكوك بأدوات متنوعة مثل علم الفلك الأثري والجيولوجيا وتحليل الكمبيوتر للأساطير القديمة، ولقاءات مع علماء آثار وفلك وجيولوجيا ليطرح علينا نظريته التي يدعى أنه انفق من عمره 30 سنة كى يثبتها و يروج لها.
يعتقد علماء الآثار أن أقدم الأبنية الأثرية يعود إلى 7 آلاف سنة قبل الميلاد، ولكن هانكوك يثبت أن هناك أبنية ضخمة (في أندونيسيا وتركيا ومصر وجزيرة مالطة) تم بناؤها قبل 12 ألف سنة قبل الميلاد، في فترة لم يكن العالم يعرف فيها شيئا عن البناء، بل هى فترة سكنى الإنسان للكهوف وكان طعامه قائما على الصيد مستخدما أدوات بدائية !!، فمن بنى تلك الأبنية، ومنها أبو الهول الذى يزعم أن بناءه قد تم قبل ظهور المصريين القدماء؟
و الإجابة التي يطرحها هانكوك أن العالم عاش فترة حضارة مزدهرة و متقدمة انتهت منذ 12800 أو 11600عاما مضت بسبب مذنب هائل ضرب الأرض في نهاية العصر الجليدى، فتسبب في موجات تسونامى صنعت طوفانا عظيما غطى الكرة الأرضية كلها تقريبا، ومحى تلك الحضارة بمعظم منجزاتها – فيما يشبه يوم القيامة أو الآخرة القديمة للبشرية كما يسميها – و لم يبق من صناع تلك الحضارة سوى أفراد قلائل ذهبوا للاستقرار في مصر قادمين من المكسيك، وبنوا الأهرامات من أجل تخزين كتب المعرفة التي كتبت في عصر الحضارة القديمة، وانطلقوا بعدها لينقلوا معارفهم إلى بقية البشر، وهؤلاء الناجين يمكن أن نجدهم في ثقافات متنوعة، تصفهم بأنهم الحكماء أوالسحرة أو(معلمي الغموض السماويين – Heavenly Mystery Teachers)، فكل ثقافة ستجد فيها أوزوريس الذى علم المصريين الزراعة أو تحوت الذى علمهم الكتابة، وكأنهم رسل تلك الحضارة.
استنكر كبار علماء الآثار نظرية هانكوك لعقود، ووصف بأنه عالم آثار زائف، وتم مقارنة كتابه بكتاب شفرة دافنشي – The Da Vinci Code لـ (دان براون)، الذى يعتبر قصة خيالية استعانت ببعض شذرات تاريخية حقيقية، و قيل أنه لا يمتلك أي مؤهل رسمي في علم الآثار، أو التاريخ أو الفضاء، بل تم طعنه بأنه كان مهتما في فترة بعقاقير الهلوسة، لكنه في الحقيقة لم يزعم مطلقاً أنه أكاديمي ويقدم نفسه على أنه صحفي يقوم بتغطية نظريات علماء قادرون على ملئ بعض فجوات التاريخ البشري، وهى فجوات معترف بها من جانب كل الأكاديميين.
وبعد سنوات طوال اصدر فيها عدة كتب ناجحة، يعود ليكتب جزءا ثانيا من كتابه تحت عنوان (البصمات: سحر الآلهة – Imprints: Godspell) ليقول: لقد ابتعدنا عن التناسق مع الكون بطريقة أسطورية، نحن نسير على نفس خط الحضارة المفقودة.. إننا أصبحنا نشبه كثيرا سكان قارة أطلانتس المفقودة عندما أحبوا حياتهم النقية والجيدة لكنهم أصبحوا مغرورين وقساة وابتعدوا عن اعتدالهم وازدهارهم، ولذا فهو يتوقع أن فصلا آخر في التاريخ البشري على وشك النهاية، عن طريق مذنب آخر كبير في نفس مسار النيازك قد نصطدم به مرة أخرى في عام 2030، فهل يعتقد هانكوك أن الكون سيعاقبنا بسبب مجتمعنا غير الأخلاقي؟
يجيب هانكوك في صراحة: الأمر ممكن، بل محتمل جدا، فبينما نستعيد الحقيقة حول عصور ما قبل التاريخ ونكتشف المعنى الحقيقي للأساطير والآثار القديمة يصبح من الواضح أنه تم توجيه تحذير إلينا، تحذير من كارثة رهيبة تصيب الأرض في دورات كبيرة على فترات غير منتظمة من الزمن، كارثة قد تكون على وشك التكرار!
الغريب أنه أثناء بحثى خلف هانكوك اكتشفت وجود شخص يروج لنظرية عربية تشبه نظرية هانكوك تقوم على أساس دينى و لا نعرف عنه شيئا!