رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب: الراقصون فوق أشلاء ضحايا الزلزال

بقلم: محمود حسونة

لم يكن زلزال تركيا امتحاناً لأهالي المناطق المنكوبة فقط ولكنه كان اختباراً للإنسان أينما كان، نجح فيه البعض وفشل فيه الكثيرون، رؤساء دول لم تهتز قلوبهم باهتزاز الكوكب تحت أقدامنا جميعاً وتعاملوا مع الشعب السوري بعنصرية متجاهلين أوجاع أهله من جراء مصابهم المؤلم، أداروا ظهرهم للسوريين وبادروا لإغاثة الأتراك، وكأن هؤلاء ليسوا بشراً مثل جيرانهم، وأجهزة إعلام انحازت إلى الأتراك وجندت مراسليها بنقل ما يحدث في مدنها المنكوبة لحظة بلحظة لتستثير عطف الرأي العالمي مع تركيا، واكتفت بأخبار عن أعداد الموتى والمصابين من الجانب السوري، ووسائل إعلام ثالثة تعاملت مع الحدث بكامله وكأنه حادث تصادم سيارتين على طريق عام، ووسائل إعلام رابعة اتخذت من الكاريكاتير وسيلة للسخرية من ضحايا الحدث والدولتين المنكوبتين ومنها الصحيفة الفرنسية المقيتة (شارلي إبدو) صاحبة المواقف المعادية للإسلام ورسول الله الكريم وكل من ينتمون إليه، والتي ترتكب الجرائم باسم حرية التعبير وتتشدق بالدفاع عن حقوق الإنسان وهي الأكثر اعتداءً عليها والأكثر تجاوزاً في الحق في الاختلاف، والأكثر سخرية من معتقدات الغير، ولكن أن يصل الأمر إلى الشماتة في الكوارث والموت والخراب فهو التعبير عن السقوط الأخلاقي والقيمي إلى قاع القاع؛ وعندما تسخر صحيفة غربية من كارثة سيصل عدد المتضررين من آثارها إلى 23 مليون نسمة، فإن فعلها ليس سقوطاً لها وحدها ولكنه سقوط للدولة التي تصدر فيها ولحضارة الغرب التي تؤكد كل يوم أنها حضارة مادية نفعية لا تعرف القيم وتقود الإنسانية إلى الهاوية.

بعض وسائل الإعلام الغربية ساندت ضحايا تركيا وتجردو من إنسانيتهم تحاه سوريا

بعض وسائل الإعلام تعاملت مع الكارثة الكبرى بجهالة تنم عن عدم إدراك القائمين عليها لحجم الكارثة وارتداداتها الإنسانية، ومنها وسائل إعلام مصرية اختارت أن تواصل لهوها ببرامج تافهة ومحتوى سطحي في وقت تتنافس فيه وسائل إعلام أخرى على ما يحدث في موقع الحدث لحظة بلحظة، وتتنافس على متابعة ردود الأفعال العالمية تجاهه، بالصورة والكلمة، بالأخبار والأرقام واللقاءات والتحليلات، بما يكشف عورات العالم السياسية التي تهدد الاستقرار والسلام العالمي، كما تعاملت بعض صحفنا مع الخبر بنفس أسلوب تعاملها مع أي حادث عابر، لتفقد هذه وتلك ما تبقى لها من رصيد محدود عند الجمهور، وكأنهم لا يدركون أن الناس في هذه اللحظة الفارقة لا يقبلون على برامج (اللت والعجن والكلام الفارغ)، ولا ينشغلون سوى بما يحدث هناك، في سوريا وتركيا، طفلة خارجة من تحت الأنقاض تاركة والديها وإخوتها جثثاً، وأب يحمل ابنه المتوفي ولا يقبل أن يتركه، وطفل نصف جسمه عالق تحت الأنقاض ونصفه ظاهر أمام المنقذين وهم يحاولون مساعدته قدر استطاعتهم، ورجل فقد 25 فرداً من عائلته وبقي في الحياة وحيداً، ونماذج إنسانية كثيرة تدمي القلوب وتؤكد أن الدنيا لا تساوي جناح بعوضة.

ومثل كل الفئات، تألم الكثير من الفنانين من مخلفات الكارثة، وعبروا بلغات وبأساليب مختلفة عن تضامنهم مع الشعبين المنكوبين، وتبارى العديد من الفنانين العرب للتعبير عن ألمهم لما أصاب الشعب السوري، وللمواقف الدولية العنصرية تجاهه في ظل مأساة فشلت في أن توحد الإنسانية كما فشلت قبلها كوارث أخرى في ذلك، وارتفعت صيحات الفنانين والمبدعين عبر تويتر وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي مطالبة برفع الحصار الظالم على الشعب السوري، ومنددة بإصرار دول وحكومات ليس على تركيع نظام ولكن على تركيع شعب يشهد له التاريخ بانحيازه على مر العصور للقيم الإنسانية.

طفولة تدمي القلب والوجدان الإنساني لم تلفت نظر الأوربيون الحمقى

فنانون كثر تحدثوا وصرخوا وتبرعوا، وفنانون ظلوا نياماً في العسل متعاملين مع الكارثة على أنها أمر لا يعنيهم، ومثلما سقطت الدول والشعوب ووسائل الإعلام التي انحازت لتركيا ولم تبصر ما يحدث في سوريا، وكذلك تلك التي أصابها العمى عن ما يحدث في البلدين، فإن النجوم السابحين في عسل النوم سوف يتحول عسلهم إلى بصل في المستقبل.

بعض الفنانين لم يتوقف صراخهم واستغاثاتهم ومطالباتهم برفع الحصار عن سوريا، منذ صبيحة يوم الزلزال، وبعضهم اكتفى بالاطلال مرة واحدة للتعبير عن التضامن والمساندة من باب المسايرة أو رفع العتب، والفرق كبير بين هذا وذاك، ففي هذا الوقت ينبغي أن تكون الصرخات دفاعاً عن حق سوريا في الوجود، ودفاعاً عن وحدة سوريا المقسمة رغم ارادتها نابعة من القلب، وإلا فلا لزوم لها.

ضحايا سوريا لم تحرك الضمير الإنساني في أوروبا للأسف

لا يكفي من فنان أن يلغي أو يؤجل حفلاً تعاقد على إحيائه بمناسبة عيد الحب في هذا البلد أو ذاك، ولا يكفي أن يكتب بضع كلمات على تويتر للعزاء في الضحايا والتضامن مع الشعب المنكوب، ولا يكفي أن يتبرع بعدة آلاف من الليرات أو بضعة دولارات، وإنما ينبغي على الفنانين أن يخططوا وينفذوا. يخططوا لحملة دولية مستدامة للمطالبة برفع الحصار عن سوريا، ويخططوا لقيادة حملات لجمع التبرعات لصالح الضحايا والمنكوبين، وينفذوا رحلات إلى المناطق والأسر المنكوبة بالتنسيق مع كاميرات الفضائيات حتى يراهم العالم فاعلين لا مجرد متحدثين، ومن يقدم منهم برنامجاً على أي شاشة أو يحل ضيفاً على أي برنامج عليه أن يخصص كل وقته للمطالبة برفع الأيادي المعتدية على مقدرات الشعب السوري، والمطالبة في كل مناسبة بسوريا واحدة موحدة تختار من يحكمها ولا تظل مطية للمنتفعين والحاقدين سواءً من أهل الداخل أو من حكومات الخارج.

سوريا ليست قضية السوريين فقط ولكنها قضية ولا قضية العرب، ولكنها قضية الإنسان أينما وجد، الإنسان الذي يؤمن بحق أخيه الإنسان في الحياة.

من المشاهد التي تزيد الألم ولا تضمد جراح الإنسانية، مشاهد من استطاعوا تنظيم حفلات غنائية في هذا الوقت العصيب، فهم لا يغنون أمام جمهور، ولكنهم وجمهورهم يغنون فوق أشلاء ضحايا الزلزال ويطربون لسماع أنين المصابين ويتمايلون رقصاً على أنقاض المنازل المهدمة، بعد أن فقدوا إنسانيتهم، وأصروا على استمرار السباحة في نهر العسل المر.

وباعتبار الفنانين والإعلاميين هم الذين يقودون الرأي العام، وهم الأكثر تأثيراً فإن دورهم كبير في إعادة الاعتبار للشعب السوري، ودورهم لا يقتصر على بوست هنا أو تغريدة هناك، ولكن يتجاوز ذلك بكثير، وهو ما لن يتحقق إلا إذا تجاوز كل منهم أنانيته ومصالحه الضيقة وتعامل مع نفسه على أن النجومية ليست حفلات وأزياء وإكسسوارات بقدر ما هى مسؤولية ينبغي تحملها بتضحية وإباء حتى تتصدى أمتنا للمؤامرات المحاكة لها وتتجاوز الكوارث والأزمات وتستعيد حضارتها المفقودة.

mahmoudhassouna2020@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.