بقلم: بهاء الدين يوسف
أتابع هذه الأيام حلقات مسلسل أمريكي يحمل عنوان (FBI) من إنتاج محطة CBS، وهو كما يتضح من عنوانه يدور حول عمليات مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي وتصديه الناجح والمبدع والرائع (كعادة الدراما الأمريكية) لكل الجرائم داخل أمريكا وكذلك نجاحه (كالعادة أيضا) في منع كل الهجمات الارهابية التي يخطط لها ارهابيون لاستهداف الشعب الأمريكي المسالم ونظامه الحاكم الذي لا يتدخل في مصائر الشعوب الأخرى ولم يرسل قوات لتدمير البشر والحجر في العراق وأفغانستان وغيرها.
كما ذكرت لم يدهشني الصورة النمطية التي بات يصعب وصفها بغير المنطقية ولكن الأكثر دقة أنها نصفها بالمضحكة والتي تحاول الدراما الأمريكية في معظمها تصديرها للعالم عن يقظة وقوة أجهزة المخابرات الأمريكية، كما لم يدهشني كثيرا ان المسلسل وصناعه حصروا الارهاب في المسلمين والعرب، فلم يظهر في كل مواسم المسلسل الخمسة (لا يزال مستمرا بالمناسبة) تهديدا إرهابيا إلا من مسلم أو عربي، رغم أن تلك الصورة النمطية للعربي والمسلم المقيم في أمريكا باعتباره ارهابي كامن تجاوزتها العديد من المسلسلات والافلام أبرزها (مسلسل 24) الذي فضح في أكثر من موسم تآمر مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى ومنهم رئيس الدولة نفسه في مؤامرات ارهابية على بلادهم.
نعود إلى المسلسل الذي يشارك في بطولته نجم مصري يدعى (زكريا شريف زكي)، أو كما يلقبونه في أمريكا زيكو زكي في دور العميل عمر آدم، حيث يكلف في الحلقة العشرين من الموسم الأول بحماية جنرال مصري ذاهب إلى نيويورك لإجراء جراحة لنقل قلب، الجنرال يدعى (أحمد المصري) بحسب المسلسل وهو يقود جهاز سيادي مصري ويخطط أو يتمنى الترشح لرئاسة مصر.
يصل الجنرال ويقع (عمر آدم) في صراع داخلي بين واجبه كعميل لـ FBI في حماية الضيف المكلف بحمايته، وبين مشاعره السلبية تجاه الجنرال المصري الذي (بحسب المسلسل أيضا) سجن عشرات الشباب المتظاهرين ومنهم أبنة عم عمر آدم نفسه التي سجنت في مكان لا يعرفه أحد من أهلها، ويصور المسلسل حوارات مطولة بين الجنرال
وبين العميل يحاول فيها الأول توضيح مبرراته للقبض على الشباب لكنها كلها تكون مرفوضة من العميل الأمريكي المصري (هكذا يظهر زيكو زكي في المسلسل مصري مسلم غارق في الثقافة الأمريكية وجندي مارينز سابق).
وبينما ينجح (عمر آدم) في مهمته ويحبط محاولة شباب مصريين مقيمين في أمريكا لاغتيال الجنرال أحمد المصري تفشل عملية نقل القلب ويموت الجنرال فيما بدا إنه حل يريح ديك وولف مؤلف العمل وصاحب العديد من الأعمال الدرامية البوليسية أشهرها Law & Order وكذلك Miami Vice يلفت الانتباه في بعض المشاهد والحوارات أن الجنرال أوصى مساعده قبل دخول غرفة العمليات أن يبحث عن قريبة العميل الأمريكي وتبين إنها ماتت في السجن، ما يوحي أن المؤلف يغمز ألى أمرين أولهما الاختفاء القسري لبعض المصريين المتظاهرين، والثاني أن الواسطة يمكن أن تنقذ أي شخص من العقاب والسجن بصرف النظر عما إذا كان مذنبا أم لا.
الحقيقة أنني شعرت ببعض الاستفزاز عقب مشاهدة الحلقة وتعجبت الصمت الرسمي والإعلامي المصري تجاه تلك الحلقة التي يمكنها وحدها إفشال عشرات الحملات المدفوعة لتحسين صورة مصر وإظهار حقيقة ما يجري بالفعل على أرضها، فإذا لم نكن سنتصدى لمثل هكذا إساءة فما فائدة الآلة الإعلامية المصرية بهيئاتها وقنواتها التي تكلف الدولة المليارات؟