كتب: محمد حبوشة
تدوال رواد التواصل الاجتماعي وخاصة على (الواتس آب) خلال الساعات القليلة الماضية فيديو يرجع تاريخ بثه إلى خمس سنوات سابقة، وذلك من خلال مقابلة مع الإعلامي السعودي (داوود الشريان) مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حيث سأل (الشريان) بن سلمان: كانت العلاقات مع مصر ممتازة، بعد فترة لاحظنا أن الإعلام المصري يشير إلى أن العلاقات كادت أن تنقطع ماالذي حدث؟
رد (بن سلمان) بابتسامة خفيفة وفي استهجان قال: تقصد (الإعلام الإخوانجي المصري؟)، ثم أردف قائلا: الإعلام الذي ينتقد السعودية أو العلاقة المصرية السعودية هو نفسه ينتقد فخامة الرئيس السيسي، والعلاقة المصرية السعودية علاقة صلبة، قوية، وفي أعمق جذور العلاقات بين الدول لا تتأثر بأي شكل من الأشكال، في تاريخ مصر والسعودية دائما ما تقف مع بعضها في كل الظروف وفي كل الأوقات ولن يتغير هذا الشيئ.
واستطرد بن سلمان: لم يصددر موقف من الحكومة المصرية سلبي تجاه السعودية، ولم يصدر موقف واحد سلبي من الحكومة السعودية تجاه الحكومة المصرية، ولم تتأخر مصر عن السعودية لحظة، ولم تتأخر السعودية عن مصر أي لحظة، هذه قناعة مرسخة لدى القيادة بين البلدين بل لدى شعبي البلدين، الشائعات بلا شك سوف يحاول أعداء المملكة العربية السعودية ومصر خلقها بشكل أو بآخر، سواء من جانب الدعاية الإيرانية أو الدعاية الإخوانجية لإحداث شرخ في العلاقة بين السعودية ومصر، والقيادة في البلدين لا تلتفت لهذه المهاترات وهذه التفاهات.
وكأن رواد التواصل الاجتماعي بتداولهم الفيديو في هذا الوقت تحديدا يهدفون إلى تهدئة الأجواء في ظل حالة التراشق الإعلامي بين البلدين، رغم أنه لم يصدر حتى الآن أية بيانات أو تصريحات على المستوى الرسمي، فبعد تدوينة تلو الأخرى وسجالات على تويتر ورسائل مبطنة.. هكذا تحول الفضاء الإعلامي والرقمي في مصر والسعودية إلى ساحة تراشق لفظي مستعر تبادل بموجبه إعلاميون مقربون من السلطات في البلدين اتهامات، فضلاً عن التذكير بـ (أفضال) كل بلد على الآخر.
ورغم التزام البلدين رسميا الصمت إزاء هذه الحرب الكلامية، إلا أنها أثارت العديد من التساؤلات والتكهنات بشأن وجود توتر بين القاهرة والرياض، وفي خضم التراشق المتواصل بين كتاب في البلدين، خرج البعض ليقلل من أهمية تلك التكهنات معتبرا ما يحدث بأنها مجرد (تصريحات فردية لا تعكس واقع العلاقات بين الدولتين).
ففي الرابع من فبراير الحالي، نشر الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبدالله، تغريدة أكد فيها (متانة العلاقات بين البلدين)، وتأتي تغريدة عبد الخالق ردا على مقال نشر على موقع (القاهرة 24) وصحيفة (الجمهورية) المصرية، فقد شن كاتب المقال هجوما على دول (لم يسمها) مستنكرا (الإساءة التي طالت مصر وجيشها من قبل شخصيات إعلامية في تلك الدول)، على حد وصفه.
ورغم أن موقع صحيفة (الجمهورية) قام بحذف المقال لاحقا، إلا أن بعض المعلقين أعادوا نشره، وقالوا (إنه تضمن تلميحات واضحة للسعودية والخليج)، ووصف الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله ما جاء في المقال بأنه (ردح رخيض) داعيا الإعلام الخليجي لتجاهله، في حين رأى المتفاعلون مع تغريدة (عبد الخالق) أن المقال يأتي في أعقاب (انتقادات وجهها كتّاب سعوديين للحكومة المصرية وللدور الذي يلعبه الجيش المصري في الاقتصاد).
السؤال الآن كيف بدأ التراشق والسجال الإعلامي؟
تبدأ القصة من آواخر يناير الماضي عندما نشر الأكاديمي السعودي (تركي الحمد)، سبع تغريدات تطرق فيها إلى الأوضاع الاقتصادية في مصر، وأحصى الأكاديمي السعودي مجموعة من العوامل التي تسببت بحسب رأيه في (وقوع مصر أسيرة لصندوق النقد الدولي)، ومن بين العوامل التي ذكرها الحمد (سيطرة الجيش على دوائر الدولة ومفاصلها)، إضافة إلى ما سماها بـ (البيروقراطية المصرية الهرمة المقاومة للتغيير) على حد قوله الذي أراه متجاوزا حدود العقل والمنطق في تناول الشأن المصري الداخلي.
قوبلت تلك التغريدات بردود فعل متباينة، فمن المعلقين من رأى أن الكاتب نجح في تشخيص الوضع في مصر ومنهم من انتقد تغريداته واعتبرها مليئة بالمغالطات وتدخلا غير مقبولا في الشأن المصري، ويبدو أن الكاتب السعودي اضطر لاحقا لحذف تلك التغريدات مكتفيا بتغريدة واحدة يستنكر فيه (حساسية البعض من أي رأي ناقد يأتي من خارج بلدهم)، كما دفعت تغريدة الحمد الأخيرة رجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس، للرد عليه والتأكيد على تقبله للنقد.
وعلى غرار الحمد، نشر الكاتب السعودي المختص في علم الاجتماع السياسي، خالد الدخيل تغريدة، حول أبعاد المشهد السياسي والاقتصادي في مصر، فقال الدخيل إن (ما يحصل لمصر في السنوات الأخيرة يعود في جذره الأول إلى أنها لم تغادر عباءة العسكر منذ 1952)، ومن ثم جرت تلك التغريدة انتقادات لاذعة على الدخيل فأعقبها بأخرى يؤكد فيها على أهمية مصر مضيفا بأن (نقد سياسات أي حكومة ليس نقدا للدولة).
وقبل شهر تقريبا شن مستشار رئاسة أمن الدولة السعودي، والمقرب من ابن سلمان، اللواء بسام عطية، خلال مشاركته في ندوة في القصيم هجوما ساخرا على الدولة المصرية، قائلا بشكل مباشر: (احمدوا ربنا أننا مش زي مصر)، وتابع: (من يستجدي قوت يومه على أبواب وأروقة دول العالم)، وعقد مقارنة بين الوضع المصري الحالي والوضع السعودي.
يشير بعض الخبثاء إلى أن تصريحات بتلك النبرة وهذا المستوى غير المسبوق من الهجوم على النظام السيسي والجيش المصري لا يمكن أن تكون مبادرة من تركي الحمد وبسام عطية دون الحصول على ضوء أخضر بذلك، وهما المقربان من ابن سلمان، لاسيما أنه لم يعقبها أي تراجع أو اعتذارات أو اتخاذ أي رد فعل بشأنهما.
ولا تزال تلك التعليقات وما تبعها من ردود فعل واسعة تحظى باهتمام قطاع من رواد مواقع التواصل، لا سيما أنها تأتي بعد أسابيع من انتقادات وجهها إعلاميون مصريون لزميلهم (عمرو أديب) مقدم برنامج (الحكاية) في قناة (mbc – مصر) المملوكة للسعودية، وفي مطلع يناير الماضي هاجم الإعلامي المصري (محمد الباز) أديب على خلفية انتقاد الأخير للأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مصر خلال الفترة الماضية، واعتبر (الباز) زميله بأنه يروج للمشروع السعودي سواء كان (حلو أو وحش) بحسب تعبيره.
وفي الوقت الذي ينظر فيه البعض لذلك المشهد على (أنه أحد تداعيات الأزمة التي تشهدها العلاقات المصرية السعودية) حاليا – ربما بشكل مكتوم على المستوى الرسمي – يصفها آخرون بأنها (تصريحات إعلامية عابرة)، ورغم نفي البعض للتكهنات التي يتم تداولها حول العلاقات بين البلدين، يرى مدونون في استمرار حرب التعليقات مؤشرات على وجود خلاف على المستوى الرسمي.
وبعد ما حدث من تراشق وملاسنات إعلامية تؤدي بالضرورة إلى تصدع العلاقات بين مصر والسعودية في اللحظة الآنية يروق لي ولكل عاقل العودة إلى بيان ختامي مشترك في 21 يونيو 2022، يؤكد على عمق العلاقات بين مصر والسعودية، والذي صدر في أعقاب زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز لجمهورية مصر العربية، الذي أكد على عمق العلاقات بين البلدين.
وقد ذكر البيان: في جو سادته روح المودة والإخاء، عقدت جلسة مباحثات رسمية بين فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي وأخيه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وتطرقت المباحثات إلى الشأن الاقتصادي والتجاري، اتفق الجانبان على تعزيز الشراكة الاقتصادية استثمارياً وتجارياً بين البلدين الشقيقين، ونقلها إلى آفاق أوسع لترقى إلى متانة العلاقة التاريخية والاستراتيجية بينهما، وأكد الجانبان عزمهما على زيادة وتيرة التعاون الاستثماري والتبادل التجاري وتحفيز الشراكات بين القطاع الخاص في البلدين، وتضافر الجهود لخلق بيئة استثمارية خصبة ومحفزة تدعم عددا من القطاعات المستهدفة، بما في ذلك السياحة، والطاقة، والرعاية الصحية، والنقل، والخدمات اللوجستية، والاتصالات وتقنية المعلومات، والتطوير العقاري، والزراعة.
ورحب الجانبان بما أعلن عنه من صفقات واتفاقيات استثمارية وتجارية ضخمة بين القطاعين الخاصين في البلدين بلغت 8 مليارات دولار أميركي وتساوي حوالي (30 مليار ريال سعودي وبما يقارب 145 مليار جنيه مصري)، وذلك خلال زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، كما تم الإعلان عن عزم المملكة العربية السعودية قيادة استثمارات في مصر تبلغ قيمتها 30 مليار دولار أميركي، وأكد الجانبان حرصهما على تعزيز زيادة الاستثمارات بين البلدين وتكثيف التواصل بين القطاع الخاص في البلدين لبحث الفرص الاستثمارية والتجارية وتسهيل أي صعوبات قد تواجهها.
وتطرق البيان إلى التعاون بين البلدين في مجال توليد الطاقة المتجددة تنفيذ مشروع للطاقة الكهربائية وحجم التجارة البينية الذي يعكس عمق واستدامة العلاقات الاقتصادية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، والتعاون في مجال حماية البيئة البحرية، وتعزيز التبادل التجاري بين البلدين خاصة في مجال المنتجات الزراعية، وفي مجال البيئة والتغير المناخي، وفي الجانبين الصحي والتعليمي، وفي الشأن السياحي والثقافي،
وتعزيز التعاون تجاه جميع القضايا السياسية والسعي إلى بلورة مواقف مشتركة تحفظ للبلدين الشقيقين أمنهما واستقرارهما.
كذلك استعرض البيان القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، حيث شدد الجانبان على ضرورة تكثيف الجهود للتوصل إلى تسوية شاملة وعادلة للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وفي الشأن اليمني، جدد الجانبان دعمهما الكامل للجهود الأممية والإقليمية الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة في اليمن، وفي الشأن العراقي، أعرب الجانبان عن تطلعهما إلى توصل الأطراف العراقية إلى صيغة لتشكيل حكومة جامعة تعمل على تحقيق تطلعات الشعب العراقي الشقيق في الأمن والاستقرار والتنمية ومواجهة التنظيمات الإرهابية، وفي الشأن السوداني، أكد الجانبان استمرار دعمهما لإنجاح المرحلة الانتقالية، كما أكدا أهمية الحوار بين الأطراف السودانية كافة، بما يسهم في الحفاظ على المكتسبات السياسية والاقتصادية، ويحقق وحدة الصف بين جميع مكونات الشعب السوداني الشقيق.
وفي الشأن اللبناني، أكد الجانبان حرصهما على أمن واستقرار ووحدة الأراضي اللبنانية، وعلى أهمية مواصلة الجهود الرامية إلى الحفاظ على عروبة لبنان وأمنه واستقراره، ودعم دور مؤسسات الدولة اللبنانية، وإجراء الإصلاحات اللازمة بما يضمن تجاوز لبنان لأزمته، وفي الشأن السوري، أكد الجانبان على أهمية الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية وبما يحقق تطلعات الشعب السوري الشقيق ويحفظ وحدة سوريا وسلامة أراضيها، وفي الشأن الليبي، وشدد الجانبان على ضرورة الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي الليبية، وأهمية توصل الأشقاء الليبيين إلى حل ليبي/ ليبي انطلاقاً من الملكية الليبية للتسوية دون أي إملاءات أو تدخلات خارجية وصولاً إلى عقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن، واتفق الجانبان على ضرورة دعم الجهود الدولية لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، وضمان سلمية برنامج إيران النووي، وتعزيز دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والحفاظ على منظومة عدم الانتشار، وأهمية دعم الجهود الرامية لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط بما يسهم في تحقيق السلم والاستقرار الإقليمي والدولي.
وفيما يتعلق بأزمة سد النهضة، أكد الجانب السعودي دعمه الكامل للأمن المائي المصري باعتباره جزءا لا يتجزأ من الأمن المائي العربي، وحث إثيوبيا على عدم اتخاذ أية إجراءات أحادية بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي وأهمية التفاوض بحسن نية مع مصر والسودان للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم في هذا الشأن، تنفيذاً للبيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن في سبتمبر 2021م، بما يدرأ الأضرار الناجمة عن هذا المشروع على دولتي المصب، ويعزز التعاون بين شعوب مصر والسودان وإثيوبيا، وعبر الجانب السعودي عن تضامنه الكامل مع جمهورية مصر العربية في كل ما تتخذه من إجراءات لحماية أمنها القومي.
وفي ختام الزيارة، عبّر صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله – عن شكره وتقديره لفخامة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية على ما لقيه والوفد المرافق من حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة خلال إقامتهم ببلدهم الثاني جمهورية مصر العربية.
هكذا ينبغي دائما أن يكون سير العلاقات بين مصر والسعودية في إطار من الوعى والمسئولية وبث روح الأخوة بين كل من القيادة السياسية والشعبين، وألا يعكر صفو العلاقات مثل هذا التراشق الحادث حاليا.