في ذكرى رحيل نادية لطفي .. ننشر مقالها عن أمريكا والقضية الفلسطينية والعدوان الغادر
كتب: أحمد السماحي
في بداية عام 1967 قضت النجمة (نادية لطفي) عدة شهور في الولايات المتحدة الأمريكية، وعندما حدثت نكسة 5 يونيو كتبت مقالا بديعا في مجلة (الكواكب) يوم 20 يونيو تحدثت فيه عن انطباعاتها عن الشعب الأمريكي ومنطقه تجاه القضية الفلسطينية (الأمريكي الإنجليزي الإسرائيلي) الغادر على مصر، وتوقعت في نهاية المقال انتصار العرب على إسرائيل، وهذا ما حدث بعد ذلك في حرب أكتوبر المجيدة، فتعالى بنا عزيزي القارئ بمناسبة الذكرى الرابعة لرحيل النجمة الكبيرة والصديقة الغالية (نادية لطفي)، نعيد نشر هذا المقال مجددا.
في بداية المقال تقول نادية لطفي: (الشعب الأمريكي لايعرف، لايرى، لايسمع، والذين يسيطرون على مصيره ويرسمون سياسته هم قلة من الهمج وتجار الحروب الذين يخضعون خضوعا تاما ذليلا لتكتلات واحتكارات الرأسمالية التى يسيطر عليها الصهاينة من أعداء بلادنا، وجهل الشعب الأمريكي أفرادا وجماعات بكل ما يدور في العالم من أحداث جهل مشين لا يجب أن يوجد في شعب ينادي بأنه حر ومثقف وذو تراث.
وخلال الفترة القليلة التى قضيتها في الولايات المتحدة الأمريكية – USA صُدمت في كل مرة ناقشت فيها فردا أوجماعة من الشعب الأمريكي، إنهم يجهلون تماما ماذا يصنع الصهاينة بهم؟، ويجهلون كل هذه السيطرة الأثمة للصهيونية الغادرة وهى تركب ظهورهم وتسوقهم كالأغنام لتنفذ أهدافها، وهم لا يعرفون عن فلسطين التى نكبت بجرائم الصهاينة إلا ما يردده الصهاينة أنفسهم من خلال أعمدة الصحف المأجورة التى يسيطرون عليها، وشركات التليفزيون التى يشترونها بالمال ويسخرونها لأهدافهم، ويتصورون أن فلسطين الجريحة كانت وطنا لليهود منذ ألفي سنة إلى أن ألقى العرب باليهود إلى البحر، وأن أمريكا لا تفعل أكثر من أنها تساعدهم في العودة إلى وطنهم !.
وأذكر ليلة كاملة قضيتها في بيت أسرة أمريكية فوجئت برب الأسرة يسألني: ولماذا ألقيتم باليهود إلى البحر؟!، وكادت دموعي تخونني من الغيظ، نحن الذين ألقينا بهم إلى البحر!!.. لقد سرقوا الأرض واغتالوا العرب العزل المسالمين وحولوهم إلى لاجئين واعتدوا في فجر وتبجح، ولم يحترموا ميثاقا ولا اتفاقا ولا تعهدا، وكانت شريعتهم دائما الغدر والخيانة والتآمر والخسة حتى داخل أمريكا نفسها حتى دانت لهم السيطرة على ساستها من تجار الحروب وصناع المآسي للشعوب، إن الجريمة الأمريكية – American crime التى ترتكب الآن على أرض وطننا العربي، التآمر والتواطؤ مع إسرائيل على العدوان لا يمكن أن يرتضيها شعب الولايات الأمريكية، فالفرد العادي هناك يجهل تماما أبعاد السياسة الأمريكية المتأمرة!، ولكن هذا الجهل في حد ذاته جريمة يرتكبها الفرد الأمريكي في حق نفسه وفي حق الإنسانية جميعا.
وتلح على ذهني الآن صورة قاسية تعرضت لها منذ أعوام عندما ذهبت للمشاركة في (مهرجان برلين السينمائي الدولي – Berlin International Film Festival)، كنا نركب تاكسيا لنصل به إلى إدارة المهرجان، وكان معي زميلي النجم (كمال الشناوي)، وبمجرد أن سمعنا سائق التاكسي الألماني نتبادل الحديث باللغة العربية، حتى أوقف محرك سيارته وطلب منا أن ننزل فورا لأنه لا يريد أن يركب أي عربي سيارته، وعلى الرغم من أن مرافقنا الألماني حاول أن يفهمه أنه يتصرف تصرفا غير لائق ومشين في حق بلاده، لكن السائق ظل على تعصبه البغيض، ولم نجد بدا من أن نغادر سيارته فعلا.
وفي الطرف الآخر من هذا التعصب نجد تصرفا آخر نبيلا من ضابط الأمن في قصر المهرجان، وهو أيضا ألماني، حيث عاملنا برقة زائدة، وعندما اكتشفنا ضياع حقيبتي ردها إلي وهو يقبل يدي في احترام، ويبدي لي إعجابه ببلادنا وشجاعتها وقوتها، ولم أكن أفهم معنى تصرف مثل هذا السائق الألماني حتى زرت أخيرا الولايات المتحدة الأمريكية، واكتشفت أن اليهود الصهاينة قد نجحوا تماما في تعميق الشعوب بالإثم والجريمة في نفوس الشعوب التى اشتركت في الحرب العالمية الثانية وتباكوا على ضحايا هتلر، وبالغوا في هذا التباكي، حتى خلقوا في بعض النفوس – لا في ألمانيا وحدها بل في أمريكا وغيرها – شعورا قويا بالعطف والمساندة، وكثيرون من أبناء هذه الشعوب استجابوا لهذه الدعاية البارعة، وقدموا تبرعاتهم لمساعدة إسرائيل، وتساءلوا لماذا يلقي بهم العرب إلى البحر؟!.
واستفادت إسرائيل من هذا الوضع بكل طريقة ممكنة، سواء بالكتاب أو المسرحية أو الفيلم، ونشرت كل هذا بكل وسيلة عن طريق تكتلات اليهود المسيطرة على دور النشر والمسرح والسينما والتليفزيون، ولبست مسوح الضحية المغلوبة على أمرها وهى باغية معتدية آثمة، وساعدها ساسة أمريكا لأنهم في حاجة إلى تأييد السيطرة الصهيونية على الأصوات التى تضمن لهم البقاء في الحكم، هذا هو الوضع، وهذه هي الحقيقة، ولكن الشعب الأمريكي يجهلها لأنه لا يري، لا يسمع، لا يعرف.
وإذا كان هناك ما أضيفه فإنني أقول إذا كنا قد خسرنا الجولة الأولى في المعركة، فهي خسارة شريفة، فقد لعبت أمريكا ومعها بريطانيا دور (البلطجي)، دور (الفتوة) الذي خرج علينا من الظلام لكي يشترك في مؤامرة دنيئة تضربنا، ولكننا كسبنا الكثير، كسبنا مناصرة كل الشعوب الحرة المحبة للسلام – Peace loving free people
وكسبنا الوحدة العربية الشاملة، بل كسبنا الاهتمام العالمي الشريف بقضية فلسطين – Palestine issue، مما يفرض علينا الآن واجبا هاما وسريعا وهو أن نبدأ بشرح قضيتنا للرأي العام العالمي بكل وسيلة ليكتمل لنا النصر والنصر آت لا ريب فيه على تجار الحروب من الأمريكان والإنجليز وصنيعتهم إسرائيل).
المواطنة المصرية نادية لطفي.