بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
تشغل عقل الإنسان فى العصر الحديث مجموعة من الأسئلة لا يجد له إجابات قاطعة برغم الاجتهاد والبحث والتنقيب، ولذا يلجأ إلى افتراض نظريات للإجابة على تلك الأسئلة ويحاول إثباتها بكل جدية، وكلما وصل إلى نظرية ما، تظل الحيرة تتجدد والأسئلة تزيد والشكوك تتوالى، إلى أن تظهر نظرية جديدة ليعيد الكَرّة مرة أخرى.
هكذا حال الإنسان أمام الأسئلة الكبرى مثل كيف بدأ العالم؟، وكيف تم تشكيله؟، وهل نحن وحدنا فى هذا الكون؟ وكيف بدأت الحضارة ؟، وكيف بنى الإنسان القديم معجزاته الهندسية كالأهرامات؟، ولماذا تشابهت تلك الأبنية الضخمة المنتشرة حول العالم؟، ولماذا تواجدت دائما فى أماكن اعتبرها الإنسان القديم مقدسة، وأقام حولها أماكن للعبادة؟، وبماذا نفسر تشابهها الوظيفى برغم وجودها فى مناطق عدة متباعدة عن بعضها البعض!
والحقيقة أن موضوعاً كالأهرامات ملأ مئات الكتب، منها ماهو مكتوب بشكل علمى ومنها ما يدخل فى عداد الخيال والاوهام، فالشكل الهرمى منتشر فى أبنية كثيرة حول العالم وليس فى مصر وحدها، بل سنجده أيضا فى بلاد ما بين النهرين وفى المكسيك وأمريكا الوسطى، فى حضارات (المايا والأنكا والأزتك) وكلها فى اماكن تعتبر مقدسة او تحمل اسم أرض الألهة، كما تم اكتشاف أبنية هرمية فى سيبيريا أيضا، كما أقامها الرومان لتضم مقابر بعض الشخصيات المهمة، الغريب فى الأمر أن بعض هذه الأهرامات – خاصة فى المكسيك – بنيت على خط واحد مثل أهرامات الجيزة.
ولقد انشغل كثيرون بطريقة بناء هذه الأهرامات التى لا تتناسب ضخامتها وعمارتها المعقدة مع آلات ومعدات زمن بنائها، وحاول البعض إقناع العالم بأن من بناها كائنات فضائية أكثر تقدماً زارت الأرض وعاشت فيها فترة ما، ولست هنا أتحدث عما نقله لنا الكاتب الكبير (أنيس منصور) من نظريات فى كتابه: الذين هبطوا من السماء والتى جمع فيها مقالات – و لا اقول دراسات – حول بناء الكائنات الفضائية للأهرامات المصرية، وهى نظريات انتشرت بشدة فى آواخر الخمسينات وأوائل الستينات بعد أن كانت مجرد كتابات تنتمى للخيال العلمى، وساهم فى ترسيخ تلك الفكرة كتابات الكاتب السويسرى (إريك فون دانكن) صاحب كتاب (عربات الآلهة 1968) الذى يدخل ضمن قائمة أشهر الكتب فى العالم.
ويعتقد أنصار فكرة (الفضائيون القدماء) على أن البشر هم إما أحفاد كائنات فضائية أو هم نتاج تعديلات جينية قامت بها تلك الكائنات منذ آلاف السنين، وأن الكثير من المعرفة البشرية المتوارثة منذ القدم كالدين والثقافة والفنون والعمارة قد جاءت من خارج الأرض في آخر العصور القديمة، وساعدت على بناء تلك الأبنية الضخمة مثل الأهرامات وأساسات (معبد بعلبك) وغيرها، بل إن الآلهة القدماء في معظمهم – إن لم يكن كلهم – هم في الواقع كائنات من خارج الأرض، وأنهم استعملوا تكنولوجيا متطورة إلا أن البشر فهموها بشكل خاطيء كدليل على مكانة مقدسة أو دين، بل إن كاتباً مثل (دانكن) يدعى أن تلك الكائنات أثرت في المحكيات والقصص الدينية وساهمت في وضع الأسس والشعائر الدينية خاصة في العهد القديم.
وبرغم أن كثير من العلماء انتقدوا تلك النظرية ورفضوها ويضعونها في قائمة العلوم المزيفة والاستنتاجات غير المنطقية، وبرغم اختفاء تلك الأفكار فى نهاية الثمانينات، عادت للظهور فى قرننا الجديد، فقدمت قناة (History) الوثائقية سلسلة برامج تليفزيونية مطولة عن (الفضائيون القدماء) حاولت أن تثبت فيه أن كل الأشكال الهرمية الضخمة الموجودة والمنتشرة على سطح الكرة الأرضية أقيمت بواسطة كائنات فضائية وأنها بنتها في أرجاء العالم لتكون بمثابة فنارات لسفنها الفضائية، وفي تفسير آخر إنها محطات توليد طاقة، والدليل الذى استندوا إليه أن هذه الأهرامات منتشرة بشكل هندسى دقيق ومنظم يقسّم الكرة الأرضية إلى 15 مثلث كانت تتواصل فيما بينها لتمد هؤلاء الفضائيون بالطاقة اللازمة.
وحاول أصحاب البرامج – ومعظمهم صحفيون و كتاب يستعينون ببعض علماء الآثار – أن يثبتوا نظرياتهم ببعض الحفريات أو بعض التماثيل التي تصور كائنات مجنحة أو ترتدى ما يشبه الخوذة الفضائية، مثل خطوط (نازكا) التي ترسم في (صحراء بيرو) صورة ضخمة لما يشبه الكائن الفضائى مرتدياً خوذة، أو كتابات قديمة تتحدث عن آلهة تطير وتنتقل في سرعة مثل ما جاء في الملحمة الهندية القديمة (رامايانا) التى تتحدث عن آلهة يستخدمون آلات طائرة في تنقلاتهم، أو مثل ماجاء في العهد القديم في الإصحاح الأول عدد 4 من (سفر حزقيال) الذى يصف ما يشبه هبوط مركبة فضائية، ومثل (أساطير بابل) التي تروى معارك فضائية دارت بين الآلهة، حتى أن بعض مقدمى هذا البرنامج تطرق إلى الأديان – سواء السماوية أو الأرضية – والتي تتحدث عن الملائكة ذات الأجنحة والتي تنتقل بين السماء والأرض على أنها أساطير باقية من عصر وجود هؤلاء الفضائيين!، وكرروا أفكار (دانكن)، بل واستضافوه في بعض الحلقات.
ويزعم مؤيدو هذه النظرية – حسب موسوعة ويكيبيديا – أن الفجوات الوثائقية في السجلات التاريخية والأثرية دليل على وجود الفضائيون القدماء، ويرون أن وجود التفسيرات المنقوصة أو انعدامها دليل آخر على وجودهم.. يُقال إن هذه الأدلة منطوية على القطع الأثرية التي يحسبونها بمثابة مفارقة تاريخية، أو خارج نطاق القدرات التقنية المقبولة للثقافات التاريخية المرتبطة بها.. يُشار إلى هذه القطع أحيانًا باسم (قطع أثرية سابقة لأوانها)، إذ تشمل كل من الأعمال الفنية والأساطير التي تُفسر بالمعنى الحديث تواصلًا أو تقنيات من الفضاء الخارجي.
أما العلماء الذين رفضوا تلك النظرية فقالوا أنه لا يمكن اعتبار الثغرات في المعرفة المعاصرة دليلًا على وجود رواد الفضاء القدماء، وأضافوا أن المدافعين عن هذه الفرضية لم يقدموا أي دليل وثائقي أو مادي مقنع بشأن أي قطعة أثرية يمكن اعتبارها نتاجًا لاتصال من مخلوقات ذكية غير أرضيّة، و يرى بعض العلماء أن هذه النظرية ليست علمية بل تنتمى لما يمكن أن نسميه (علم آثار شعبوى) يقوم على تفسيرات مضللة ومجرد مراوغات وخدع وتشويهات ساذجة.
واليوم يخرج علينا على منصة (نتفيلكس) مغامر جديد بتفسير مختلف من خلال برنامج في ثمان حلقات يسمى (يوم القيامة القديم)، وهو أيضا ليس عالماً للآثار ولكنه صحفى و كاتب اتهمه العلماء بأنه جاهل ومدعى وصاحب نظرية ملفقة عن (يوم قيامة) حدث للعالم القديم، إنه الصحفى البريطاني (اسكتلندى) المولد (جراهام هانكوك) البالغ من العمر 73 عاما، والذى أصدر عدة كتب منها: (بصمات الآلهة، رسالة أبو الهول، ولغز المريخ، وخارق للطبيعة: لقاء مع المعلمين القدامى للبشرية وسحرة الآلهة).
فما هى نظرية (هانكوك)؟، وماهو يوم القيامة القديم؟، وما علاقته بالأهرامات في معظم دول العالم ؟
للإجابة حديث آخر…