بقلم: محمود حسونة
الوصول إلى قلب الجمهور أمر سهل ويسير على صناع الدراما، ولا يستلزم سوى الصدق، الصدق في النص وفي الأداء، والصدق لا يتحقق لمن يستغفلون الناس ويخدعونهم بادعاء الشمولية والقدرة على أداء مختلف الألوان الفنية، ولا يتحقق بالفذلكة والفهلوة، ولا يتحقق بالتفاهة والسطحية، ولا يستلزم إبهاراً شكلياً على حساب المضمون، ولا ميزانيات ضخمة وديكورات فخمة، فقط يستلزم أمانة فنية تفرض ما يتناسب مع النص المكتوب وتحوله من ورق إلى حياة تنبض على الشاشة وتجذب الانتباه وتستحوذ على المشاهد وتجره إليها ليتجاوز كونه مجرد شخص يقتل فراغاً إلى إنسان يشارك أبطال العمل الذي يشاهده همومهم وأوجاعهم، يضحك معهم ويبكي لبكائهم، ويتحول إلى طرف فاعل في العملية الفنية، برفعه العمل وأبطاله إلى القمة بدلاً من الانصراف عنه والندم على الوقت الذي أضاعه مشاهداً لنص أجوف وأبطال ضالين ومضللين.
مسلسل (موضوع عائلي) تحول من كونه موضوع عائلي يخص (الشيف إبراهيم) وابنته (سارة) وأمها (ليلى) الحاضرة في الأحداث والغائبة عن الشاشة وطبيبته (مريم( وشقيقته (زينب) وزوجها (رمضان حريقة) وابنهما (حسن) إلى موضوع عائلي يخص كل أسرة تجمعت أمام الشاشة وتشاركت مشاهدته، ضحكت مع أبطاله وبكت خوفاً على حياة (إبراهيم) المهددة من جراء إصابته بورم في المخ أفقده بعض ذاكرته، ويستلزم إجراء جراحة له قد تنهي حياته.
عاش المشاهد مع (إبراهيم) لحظات حرصه على أن لا يوجع ابنته وشقيقته بأمر مرضه، وتظاهره أمامهما بغير حقيقته، وعاش معه مشاعره المدفونة في أعماقه منذ وفاة زوجته (ليلى) وهى تعود لتستيقظ مع الطبيبة (مريم)، وعاش معه مظاهر جدعنته وتلبيته نداء كل من يحتاجه بما في ذلك المستهتر السكير الفلتان (خالد) خال ابنته الوحيدة؛ وعاش معه حرصه على أن ينفرد بألمه وحيداً ولا يتأوه به أمام أياً كان من المحيطين به، وعاش معه قفشاته وخفة دمه التي تُضحِك العابس القمطرير بمهاراته الكوميدية وأدائه السلس وغير المتكلف للمواقف سواءً المبكية أو المضحكة، وعاش معه لحظات مناجاته لرب العالمين ليخرجه من حالة التيه في حياته وليمكنه من اتخاذ القرار المناسب بشأن الجراحة الخطرة التي يمكن أن تنقذ حياته كما يمكن أن تعجّل بنهايته، وعاش معه لحظات عصبيته وتوتره مع أكثر الناس حباً له، الابنة والحبيبة والشقيقة.
(ماجد الكدواني)، السهل الممتنع في الأداء، قدم شخصية الأخ والأب بابداع، وكان نموذجاً لأناس كثيرين يعيشون حولنا وليس لهم هم سوى إسعاد من حولهم، ومثلما يمتلك قدرات متميزة على إضحاك الناس يمتلك ذات القدرات على إبكائهم، أضحكنا 10 حلقات، وفي الحلقتين الآخيرتين حوّل المسلسل من كوميديا اجتماعية إلى تراجيديا مؤلمة، ونتيجة شدة تميزه فيهما سبَّب حالة من الانتفاضة على السوشيال ميديا، وتحوّل إلى تريند، الناس من مختلف الفئات تتحدث عنه وعن المسلسل، وكثيرون يعترفون بتلقائية بحالة البكاء التي انخرطوا فيها خلال مشاهدة الحلقتين.
ليس (ماجد الكدواني) وحده علامة الجودة في هذا المسلسل، ولكن كان معه فريق ممن أنصفهم هذا العمل وكشف من خلاله مخرجه وصاحب فكرته المبدع وصانع الضحك (أحمد الجندي) أن الموهوب الحقيقي لابد سينال فرصته ولو بعد زمن، وفي (موضوع عائلي) كان الفنان (محمد رضوان) هو أكثر الرابحين، فقد منحه الجندي ما لم يمنحه له مخرج آخر على مدار 30 عاماً، وقدم له المسلسل ما لم يقدمه له مسلسل آخر عبر هذه السنوات الطوال، شاهدناه كوميدياناً وصانع ضحك لا يشق له غبار، يجيد الأداء الدرامي نفس جودته لصناعة الإفيه الذي يثير ضحك الجمهور بصرف النظر عن انتمائه العمري أو الاجتماعي، ومن خلال شخصية (رمضان حريقة) تمت إضافة اسم جديد إلى قائمة كوميديانات مصر الذين أضحكوا آباءنا وأجدادنا واليوم يضحكوننا ويضحكون معنا أبنائنا، وغداً ستنبت الأرض المعطاءة أسماء جديدة تضحك أحفادنا وأحفاد أحفادنا.
من الرابحين أيضاً في هذا المسلسل، الممثل الشاب (طه دسوقي)، والذي كشف عن موهبة حقيقية في التمثيل وفي الكوميديا، وسيكون من نجوم المستقبل القريب الذين ستتصدر أسماؤهم التيترات والأفيشات.
الفنان السوري الأصل السعودي الجنسية (محمد القس)، حقق من الشهرة خلال هذا المسلسل، ما لم يحققه خلال عمره الفني الممتد عقوداً، وهو ما يؤكد أن الدراما المصرية لازالت هي أقصر الطرق لتحقيق الشهرة.
شاركت أيضاً في صناعة البسمة في المسلسل الفنانة (سما إبراهيم)، وإن كانت لم تضف جديداً وخصوصاً أننا عهدناها تؤدي جميع أدوارها بنفس النمط ونفس الأسلوب، ولو حاولت تطوير أدائها فيمكنها أن توسع مساحتها الكوميدية والأدائية.
الفنانة اللبنانية (نور)، ستظل وردة جميلة في أي عمل تشارك فيه، وكانت هى الزهرة الفواحة جمالاً ورقة رغم ألفاظها التي يمكن أن تثير تشاؤم من حولها، قدمت دورها كما ينبغي، وتألقت فيه من دون زيادة ولا نقصان، وتحس أنها من أكثر الفنانين التزاماً بتعليمات المخرج في مواقع التصوير.
(رنا رئيس) في شخصية (سارة) لم تضف جديداً إلى رصيدها
بل كانت في بعض المشاهد مثيرة للازعاج بصراخها وغيرتها غير المبررة وهو ما لا تتحمل مسؤوليته وحدها ولكن معها المخرج والسيناريو.
من الخاسرين في (موضوع عائلي)، الفنان (محمد شاهين) بالشخصية المشوهة التي قدمها وبالأداء المشوه لها، وهى شخصية تأثيرها الدرامي هامشي وأخذت مساحة لا تستحقها في الأحداث.
(موضوع عائلي 2) مسلسل عائلي يمكن أن تجتمع حوله الأسرة، تشاهد وتضحك وتستمتع، من دون لفظ خادش، لا يخلو من القيم ولا يكرس ابتذالاً، ومن يشاهده لن يندم لأنه ليس من فئة أعمال تضييع الوقت.
mahmoudhassouna2020@gmail.com