بقلم الفنان التشكيلي الكبير: حسين نوح
كعادتي أتابع كل ما يحدث من أحداث سواء في العالم أو في مصر المحروسة من خلال متابعة يومية لما يكتب أو يعرض على معظم المحطات الإخبارية والإعلامية، ثم أيضاً علي شبكات التباعد الاجتماعي كما أطلق عليها.
والسؤال: هل تتابعون مثلي ما يحدث حولنا وما يفعله القوي بالضعيف وما مصير المنغلق على نفسه ولا يفكر إلا بارتفاع سعر البنزين أو ارتفاع سعر الخبز لا أحد يستطيع أن يتغافل عن أن تلك مشكلة معظم المصريين، وخصوصاً الغالبية من محدودي الدخل، وهنا أطالب نفسي وأطالبكم بتوسيع المشهد إلى (توتالة) باللغة السينمائية وننظر إلى العالم من حولنا، فمثلاً أزمة الغاز الناتجة عن (حرب أوكرانيا) وما حدث أيضاً من توابع تلك الحرب علي إنتاج القمح، والذي ظهرت بوادر أزمته تؤثر على معظم دول العالم والشرق الأوسط، فالنتيجة الحتمية لحرب أوكرانيا وروسيا أصبحت تشكل خطراً كبيراً، فالمعاناة لمعظم دول أوروبا وحلف الناتو وارتفاع كل الأسعار لمعظم المنتجات وظهرت شكاوى المواطنين علي الشاشات وفي البرامج الحوارية يتابعها العالم.
وهنا لي سؤال للشباب من مواليد السبعينيات والثمانينيات: هل تدرك لماذا تصالح الغرب أو البعض منهم كما أتصالح أنا والبعض من مواليد الخمسينيات والستينيات مع تلك الأحداث، لأننا وهم في الغرب شاهدنا الحروب وما يأتي من ويلاتها من معاناة وتدمير ووحشية وخراب، وأدعو الأجيال الجديدة المتذمرة من غلاء بعض السلع رغم محاولات الدولة والحكومة أن يطالعوا الأفلام التسجيلية للحرب العالمية الأولي والثانية علي (النتفليكس)، ومنها فيلم تسجيلي يذاع في حلقات باسم (الحرب العالمية الثانية.. الطريق إلى النصر) ليتذكروا ويدركوا كم المعاناة وتكلفة الحروب من أرواح ودماء وأموال، ونعرف كيف كان المواطن الغربي لا يعاني من ارتفاع الأسعار إنما كان يعاني من عدم وجود الطعام اصلاً تحت نيران المدافع وصراخ المواطنين في الخنادق أو الملاجئ إن وجدت.
فعلي سبيل المثال ألمانيا أكبر بلد صناعي في العالم اليوم كانت طوابير البشر تمتد بآلاف الأمتار حين تتوقف صفارات الإنذار ليستطيع الفرد الحصول علي قطعة خبز أو بيضة أو كوب لبن بعد أن يقف الجميع رجال ونساء وشيوخ وأطفال طوابير بالكيلو مترات، ولك أن تتخيل معاناة النساء والأطفال وأحياناً في الجبال والغابات وسط طلقات المدافع وأنين الأطفال الشعوب.
يا سيدي وياولدي تبني بالجلد والعمل كما تبني الأسرة نواة المجتمع بالإحساس والانتماء وليس بالإجازات والبحث عما لك وليس عما عليك أن تقدمه، إن حبك لوطنك وأرضك هو كحبك لوالديك، فمثلاً أنت تحب أمك ليس لأنها أجمل النساء ولا أكثرهم عطاءاً، إنما لأنها أمك وحضنك الدافي وتعرف قدرها بعقلك ومدى ولائها إليك، حين تشاهد تاريخ أوروبا والاتحاد السوفيتي وتعرف معاناة تلك الشعوب والشباب يجري في الثلج أحياناً وفي الرمل والوحل مرات ويحمل سلاحه مدافعاً عن بلده وعرضه، من هنا تعرف لماذا تفوق الغرب في الصناعة والحداثة ويستحق ما يعيشه من رخاء.
اقرأ ياولدي عن الأبطال في حرب 1973، اجلس مع أحد أبطال تلك الحرب واستمع للبطولات سوف تدرك أن أزمة ارتفاع سعر سلعة ليس بالأمر الجلل، ولكننا نعيش في آمان والقادم لصالح أولادنا وأحفادنا، وتذكر معي كيف كان الحال بعد 2011 وكيف أصبحنا، فنحن وبكل المعايير وبشهادة العالم مصر تعيش حتي الآن أمان اقتصادي ولا معاناة للحصول علي أي سلعة.. نعم يعاني البعض ارتفاع أسعار بعض السلع، ولكن ذلك أقل سعر تستطيع تقديمه أخي المواطن، حين تنظر حولك في العالم ستدرك أننا لم نصل بعد إلى أزمة ومعاناة حقيقية.. نعم البعض يعاني وأنا معكم لكن لم نصل إلى حالة تعميم الشكوي للجميع ويستغلها الكارهون والحاقدون وبقايا الهاربين وأبناء الخرفان الذين ينعقون في محطات الكارهين والخونة المنافقين.
يا ولدي يا ابن مصر أطالبك أن تتابع مايحدث، وفقط رجاء إعمال عقلك واقرأ تاريخ بلدك وتابع ما يحدث حولك، وأذكرك بالعراق بلد الرافدين وبلد العلماء والمثقفين والحضارة ماذا حدث وما القادم لبلد عربي ثري مليئ بالخيرات وله تاريخ عريق وعمالقه في كثير من مناحي الحياة، لكنه حتي الان يحاول ان يخرج من دسائس وخلافات أصحاب السبوبة والنظرة الضيقة للمصالح وتستغلها بعض العشائر والقبائل والمذاهب والمصالح والعالم فقط ينظر، وقد ينفعل ويشجب، ثم هل تعرف أن سوريا كانت البلد الوحيد الذي يعتمد على إنتاجه في كل احتياجاته وليبيا بلد النفط والثراء والأرض الواسعة والثرية ماذا يحدث؟
الأطماع طفت على السطح والجذب من كل جانب لحساب مصالح ضيقة والثمن يدفعه الشعب الليبي الشقيق وماذا يحدث في اليمن السعيد؟، كيف تراه بالله عليك وهل تعرف كم طفل يموت جوعاً يوميا، والدخلاء فقط كل مرادهم بقاء الحال كما هو عليه وتتفسخ الأمة وتقسم وأنت تشكو من غلاء أراه مؤقتا لبلد باقية بجيشها ورجالها المخلصين.
استيقظ يا ولدي فأنا عشت عمري أتابع وأحاول أن أفهم من خلال تواجدي الدائم مع الكبار عقلاً.. استمع ثم استعمل عقلي وهو مطلب كل من عمل بالتنوير من (كانط ونيتشه وديكارت وجان بول سارتر وابن رشد والحلاج ومحي الدين ابن عربي ومحمد عبده ورفاعة رافع التهطاوي وطه حسين وعلي عبد الرازق وزكي نجيب محمود ومحمد شحرور في سوريا ومالك بن نبي في الجزائر).
الأمم يا سيدي تقاس بالأفكار والإنجاز وليس بمساحة الأرض، وأذكرك يا ابن مصر أن ما تكتبه وأنت مأنتخ علي شبكات الهري والترند وأنت غاضب أو ترى من وجهة نظرك أن الأسعار ارتفعت: عليك أن تتابع كم وصل سعر البترول ومنتجاته في بلاد تصدره وتعيش من إيراده وكم تدفع الدولة المصرية للدعم واستغلال البعض من التجار الجشعين حالة المجتمع، وكما يحدث من تحديات في أيام الحروب ويظهر أثرياء الحرب هم أيضآ بالطبيعة البشرية المريضة عند البعض يستغل أيام الأزمات ويقوم بتخزين المواد التموينية ومستلزمات الإعاشة ويمارس الجشع، وإن تابعت فالشرطة يومياً تطاردهم ومصيرهم في السجون.
عليك ياولدي أن تعرف أن ما تردده يأخذه بقايا الكارهين لمصر والاستقرار ويقدمونه مضافاً إليه كثيرآً من أكاذيب ومبالغات حاقدة وغير صادقة الغرض منها فقط ضرب استقرار بلد استيقظ شعبه وأوقف أكبر مخطط لتقسيم الشرق الأوسط بدعوى شرق أوسط جديد، وقد أكل الطُعم بعد مراهقي الفكر والوعي ومع ذلك انتفضت مصر وانتصرت على الردة العقلية والنوايا الخبيثة.. مصر محفوظة وكم من محاولات طوال تاريخها ولكن مصر مقبرة الغزاة والأغبياء والطامعين.. مصر تنطلق وتستحق.