بقلم: محمد شمروخ
لكن (سعاد حسنى) لا تحتاج إلى مناسبة ميلاد أو رحيل حتى تهيج ذكراها في نفوسنا!
قالوا عن (سعاد) إنها كانت كتلة نار تسير على قدمين، أحياناً يمكن وصفها بأنها مودية، حادة، متقلبة، قلابة، تحب وتكره وتبتعد وتقترب بمشاعر صارخة، لا تحافظ على أى شيء، إلا أن تظل مشتعلة متوهجة حتى تتلاشى بنفاد وقود الإصرار على الحياة!
وكان لابد أن تحترق إن عاجلاً أو آجلا.
بس خصيمك النبي عليه الصلاة والسلام: بلاش ترد علىَ بالقصة المهترئة بتاعة مذكراتها وأسرارها وصفوت الشريف وصلاح نصر وعادل أدهم وتوفيق الدقن!
الأسبوع الماضي، مرت علينا ذكرى (سندريلا الشاشة) وتصدرت صورها صفحات عشاقها على مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت وكذلك أعيد عرض أشهر أفلامها على شاشات القنوات التليفزيونية.
سواء كانت الذكرى احتفالا بيوم مجيئها الحياة يوم أن ولدت، أم ذكرى مغادرتها الحياة يوم أن قتلت.. لا يهمنى الآن!
وإن كنا عرفنا (السندريلا) كواحدة من علامات السينما العربية حققت في سنوات معدودة صعوداً صاروخيا إلى القمة، فماذا عن (سعاد) التى تختبىء وراء هذه النجومية.
لا والله ما اختبأت أبد.
فسعاد النجمة هى (سعاد) الإنسانة خرجت علينا في مزيج غريب، غالب ظنى أنه هو الذي شكل صورة (سعاد حسني) في كل أدوارها!
دعنى انطلق في تهاويمي وأفوراتى، زاعما أننى ما رأيت سعاد الممثلة على الشاشة إلا قليلاً وفي أدوار ليست بالأهمية التى تجعل منها نجمة، لكن تلك التي رأيتها كانت هى بعينها (سعاد) الحقيقية التى لا تظهر حقيقتها إلا أمام الكاميرا، فيما كانت في أحوالها الحياتية العادية تضع على وجهها قناعا تظهر به للناس فيما حولها.. لا يزول هذا القناع الا أمام الكاميرا.
إذن لقد حطمت (سعاد) التعريف المشهور للشخصية الإنسانية والذي درسناه قديما في كتاب مادة (علم النفس) في الثانوية العامة، وهو أن مصطلح الشخصية جاء من (القناع) الذي كان يضعه الممثلون الإغريق على وجوههم عند قيامهم بأدوارهم على المسرح، وذلك القناع ينزعه الممثل فور انتهاء دوره ونزوله من فوق الخشبة.
إذن فالشخصية الملازمة لى ولك ولأي منا ليست سوى ذلك القناع الذي نلقى به النهاية ولا يفارق ملامحنا إلا بعد انتهاء أدوارنا في الحياة العامة!
فأجادت ورقصت ففاقت، ومثلت فصارت نجمة لامعة في سماء كوكبنا الأرضي.. لا لشيء إلا لأنها أزالت عن وجهها ذلك القناع المزيف!
صدقنى أو لا تصدقنى، ولتعتبر أننى مزودها قوى وكمان بأفلم في الوصف.. فلتظن كما تشاء.. فهكذا رأيت (سعاد) في أدوارها التى نجحت فيها وتربعت بها فوق قمة النجومية الحقيقية التى تطابق فيها قدرات الممثل حقيقته، وليست النجومية المفتعلة التى يكتسبها النجم لأسباب أخرى قد تكون أبعد ما تكون عن شروط وعوامل النجاح الحقيقية في المجال الذي حقق به نجوميته هذه!
لم تكن (سعاد حسني) أجمل ممثلات السينما ولو نظرت إلى ملامحها فستجدها فوق العادي بشوية صغيرين، وسترى قريبا من وجهها حولك في كثيرات لا يشتهرن بالجمال الصارخ، ولكن مع ذلك كانت (سعاد) جميلة والذي يصرخ فيها ليس الجمال بل ما وراء ذلك الجمال والذي يعبر عنه التعبير الشعبي العبقرى بالحلاوة!
وخد عندك الأفورة دي:
(انظر لعينيها فسترى فيهما سر شخصيتها الحقيقية وليست التمثيلية)، لكن مع ذلك، فلم تعجبنى (سعاد) في الأدوار التى مثلث فيها، ولكنها تذهلنى في أداء الشخصيات التى لم تمثلها ولكنها جسدتها لحم ودم وضحك ودموع وإخلاص وغدر
مثلاً: في أول أفلامها (حسن ونعيمة) كانت ممثلة كويسة، ممكن تلفت الانتباه بنعومتها ورقتها، وكذلك في فيلم (عائلة زيزي)، أو في فيلم (الطريق)!
إن أى ممثلة أخرى كان يمكن أن تؤدى هذه الأدوار ولا نسال أين (سعاد) ولكن في أفلام مثل (غروب وشروق، القاهرة 30، الزوجة الثانية، بئر الحرمان، دعوة على العشاء، شفيقة ومتولى، خلى بالك من زوزو، أميرة حبى أنا، الكرنك)!
هل تصدقنى أن هناك قصص أفلام دون المتوسطة سجلتها (سعاد) في قائمة الشرف السينمائية، وممثلين عاديين خلق منهم التمثيل مع (سعاد) نجوما لمجرد وقوفهم أمامها.
تصدق بإيه لو قلت لك إن (سعاد) في أغنية (بانوا على أصلكو بانوا) كانت تبكى حالها الحقيقي، فلم تمزج فنانة الضحك بالغناء بالبكاء بالرقص بالحزن بالفرح بالانكسار بالمرح، مثلما فعلت (سعاد).
بص لحروف اسمها
س. ع. ا. د
كأنما أبت السعادة أن تكتمل فتمنحها حرفا صغيرا لتنعم بها حتى في اسمها الذي يتصدر الشاشات!
أذكر أنه ذات مرة وفي ذكرى (عبد الحليم حافظ)، قام أقرب صحفى عرف العندليب عن قرب طوال مراحل حياته، وهو الكاتب الكبير الأستاذ منير عامر – رحمه الله، والذي رحل منذ أشهر قليلة، بنشر صورة مصاحبة لمقال له في مجلة (صباح الخير)، تظهر فيها سعاد ترقص مع حليم وتضحك بمرحها الذبيح!
لكن تعليق الأستاذ (منير) تحت الصورة يقول: (سعاد حسنى ترقص مع عبد الحليم كالطير يرقص مذبوحا من الألم)!
فماذا دعاك يا أستاذنا لتكتب هذا الوصف؟!.. من ذا الذي ذبح (السندريلا) حتى راحت ترقص وتنثر آلامها ضحكات لتشيع بها البهجة والمرح فيما حولها؟!
وأجابنى أستاذي العظيم منير عامر، بعد نشر المقال بسنين، بما يثقل القلب عن ذكره!
لكن دعك من هذا الآن وجرب بنفسك وركز في رقصتها الأولى في (خلى بالك من زوزو)، والتى غنت خلالها أغنية الفيلم الأساسية ومنها كان اسم الفيلم نفسه.
الرقصة انتهت بقبلة اغتصابية من سكير شرب خصيصا ليفعلها مع البنوتة الحلوة التى ترقص وتغنى وتمرح في فرقة أمها (نعيمة هانم ألماظية).
جرب كمان مع رقصتها على أغنية شفيق جلال (لا تبكى يا عين على اللى……..).
سيبك من الفيلم.. بصراحة الفيلم تافه وقصته تافهة وحتى أداء (حسين فهمي) أيامها كان أكثر تفاهة من القصة والفيلم معا!
لكن (السندريلا) بأغنيتين ورقصتين، تجعلنى وتجعلك وتجعلنا كلنا، مرصودين أمام الفليم حتى نهايته، مع إننا حافظينه، بس من أجل عيون سعاد وحدها يتشاف تانى وتالت ورابع!
جرب تاتى في فيلم (شفيقة ومتولى) لن أقف كثيراً أمام أن الفيلم نفسه كان خطيئة بمشاركة أبوها الروحى – وأبويا أنا كمان – صلاح جاهين، لما مسخوا حكاية (شفيقة ومتولى) وطلعولنا بقصة ماسخة عملوها فيلم، وكان أداء غالبية الممثلين دون المستوى باستثناء (أحمد مظهر ويونس شلبى) وشوية (جميل راتب).
يا أخى حتى (أحمد زكي) كان دون مستواه بكثير وتشعر أنه قام بأداء الدور بطريقة حمضانة!
لكن (السندريلا) وزنت الكل بالأغنية!
الموضوع بالحرف تكرر مع أميرة!
لماذا؟!
لأن (زوزو وشفيقة وفاطمة وأميرة ومديحة ونادية وإحسان شحاته ترك)، كل تلك الشخصيات أبدعت في تجسيدهن (سعاد حسني)، ذلك لأنها نزعت قناع الشخصية التى تمثلها وبرزت بشخصيتها الحقيقة!.
…………
“تانى.. وحياة النعمة مامزودها ولا بأفلم”.
………..
قد تقرأ وقد تسمع ما يمكن أن يجعلك تتعجب وقد تغضب من بعض تصرفات (السندريلا) في أحداث حياتها المنقولة شفويا، لكنها في كل تصرفاتها كانت تعبر عن تلك الشخصية الدفينة والتى ترسخ فى محجرى عينيها الحلوتين!
وعلى فكرة: هناك اختلاف ولو دقيق بين وصف (حلوة) ووصف (جميلة). و(سعاد حسني) ينطبق عليها وصف (حلوة) أكثر منها (جميلة)!
وفي كلا الوصفين سر الحياة وسحرها.
بس أنت ركز في المعنيين وأنت تفهمنى وترتاح أكثر لما تسمع ما قاله عمنا (صلاح جاهين) في واحدة من رباعياته وإن لم تكن بالضرورة كتبت عنها:
أعرف عيون هى الجمال والحسن
واعرف عيون تاخد القلوب بالحضن
وعيون مخيفة وقاسية وعيون كتير..
وباحس فيهم كلهم بالحزن.
عجبي!