بقلم: ماجد كامل
ماذا لو كان الواقع الذي نحياه لحظة بلحظة ونعيش أدق تفاصيله مزيفا.. وأننا نحيا مجرد محاكاة للواقع بينما الواقع نفسه مختلف تماما.. بل ونحن أنفسنا ننتمى إلى زمن آخر غير زمننا الحالي.
هذا هو الخط الرئيسي للمسلسل الألمانى (1899) الذي عرضته منصة الدراما العالمية الشهيرة (نتفليكس) مؤخرا عبر 8 حلقات وأحدث دويا كبيرا عبر كل أنحاء العالم نظرا لأهمية القضايا التى يثيرها والمستويات المتعددة التى تم بناء العمل دراميا على أساسها.
فمن الصعب جدا أن نصنف العمل بأنه مجرد دراما غموض وتشويق فى إطار خيال علمى لكونه يلعب فى مساحة فلسفية واسعة من التساؤلات العميقة وحول طبيعة الإنسان وتحديدا حول ماهية العقل الإنسانى التى لايزال الكثير من أبعاده غير مكتشفة علميا حتى الآن؟، ففى الوقت الذي يحلق فيه العلم فى أرجاء الفضاء الفسيح ويواصل اكتشافاته المذهلة والمهمة لمجراته وفضاءاته الواسعه لايزال العقل البشري فى كثير من جوانبه لغزا بكل ماتحمله الكلمة.. وهذا مايرجعنا بالأصل مع هذا العمل إلى دور الإبداع الفنى عندما يتجاوز خطوطه التقليدية، وتلعب الدراما دورا مهما فى التفكير خارج الصندوق وطرح الأسئلة العميقه حول ماهية الانسان؟
افتتاحية:
يفتتح مسلسل 1899 أحداثه التى – من المفترض – أنها تدور فى العام الذي يحمل المسلسل اسمه فى سفينة تدعى (كيربيروس) تنطلق من إنجلترا وتحمل على متنها مهاجرين يمثلون عدة جنسات تنتمى للقارة العجوز أوروبا وقارة آسيا متجهين الى الولايات المتحدة، وعبر هذه التشكيلة المتنوعة من الأعراق والجنسيات يعرض العمل عدد من القضايا السياسية والاجتماعية الناتجة عن التفاوت الطبقى والعرقى، كما يركز العمل بشكل مكثف على مجتمع عمال السفينة، خاصة أولئك الذين يزودون السفينة بالفحم ومعاناتهم الشديدة وعملهم أمام النيران فى درجات حرارة عالية وظروف غير إنسانية فى محاولة لإلقاء الضوء على معاناة طبقة العمال فى الدول الصناعية الكبرى نهاية القرن التاسع عشر.
برومثيوس:
عبر هذا المزيج من التفاعلات الدرامية والإنسانية نجد أنفسنا أمام رسائل برقية متتالية ترد إلى قبطان السفينة بالبحث عن سفينة أخرى تابعة للشركة مالكة السفينة ضائعة فى المحيط منذ 4 أشهر وتحمل اسم (برومثيوس) وعلى متنها عشرات الركاب.
نقف قليلا أمام اختيار صانعى المسلسل المبدعان (يانتية فريزا، وياران بواودر) لاسم (برومثيوس)، وهو اسم أسطوري للإنسان الذي تحدي آلهة الإغريق وسرق منهم اكتشاف النار وإتاحه للبشر مما صنع الحضارة الانسانيه وفق الأساطير اليونانية القديمة (لنت) لاتنتهى ويتجهون إلى آفاق الفضاء الكونى.
براعة فائقة:
بالإضافة إلى أحداثه التى تمزج بين الفلسفة وأجواء الغموض والتشويق، فإن صناعة دراما العمل قد لعبت أيضا وبشكل كبير فى بنائها الدرامى على دروب علم الفيزياء، سواء الكونية أو الكمية وعلم الأعصاب والنظريات والدراسات العلمية الحديثة حول العقل الباطن والكيفية المعقدة التى تشكل أحلامنا، لتضع أيدينا أمام المساحات المظلمة من العقل البشري التى يحاول العلم جاهدا فك شفراتها وإضاءتها بالمعرفة.
وقد حاول العمل أن يضع المشاهد قدر المستطاع داخل أحداثه، حيث تحدث أبطاله بلغاتهم الأصلية كل حسب جنسيته فى العمل، فإلى جانب الإنجليزية هناك اللغات الفرنسية والإيطالية والأسبانية والبرتغالية واليابانية .
تنوع الثقافات والبيئات:
ويلقى السرد الدرامى للعمل أضواءا كاشفة حول تنوع وتباين الثقافات والبيئات القادم منها أبطاله، فهناك الطبقة البرجوازية المخملية تقيم فى غرف السفينة الفاخرة، وهناك الطبقات الكادحة التى لملمت وتدبرت أثمان تذاكر السفر عبر بيع كل ماتملك والاستدانة حتى يتاح لها تحقيق حلمها بالهجرة الى الولايات المتحدة وتحسين ظروف عيشها، وهى تسكن فى مايشبه العنابر غير الآدمية، كما أن هناك طبقة عمال السفينة التى تحيا ظروفا شاقة للغاية.
تقنيات متطورة:
كما استخدام صناع العمل تقنيات متطورة للغاية من التصوير والإضاءة والخدع البصرية، وتلك تحديدا استخدم فيها صناع العمل شاشات بانورامية تحيط الممثلين تعرض خدع المواقع الافتراضية التى تدور فيها المشاهد المختلفة، وذلك بدلا عن الشاشه الخضراء أو الزرقاء التى كانت تستخدم في الخدع البصرية ليتم بعدها تركيب الخدع عليها ومزجها بالأحداث، حيث أتاحت هذه الشاشات البانورامية وساهمت فى اندماج الأبطال والتفاعل المباشر مع مسار الأحداث، وفى محاولة من صانعى المسلسل لحث المشاهد على التفكير خارج المألوف تبدأ كل حلقة بمشهد يحلم فيه أحد الأبطال الرئيسيين للعمل، لينطق صوت فى نهاية كل حلم قائلا (استيقظ) وكأنه ينبه المشاهد الى المسارات الموازيه التى تدور فيها أحداث المسلسل وحثه على التحليق بخياله بعيدا عن الأحداث التى يسردها العمل.