بقلم: حنان أبو الضياء
في الحلقة الأولى من الأسبوع الماضي توقفنا عند الهجوم على الفيلم الذي اتخذ ذريعة مايحويه من أخطاء تاريخية؛ ولكن الحقيقة أننا أمام نوع من الكوميديا السوداء والتى معها قد نتقبل بعض الأخطاء حتى التاريخية؛ وفى الحقيقة أننى تحملت مآسى مافعله (ستالين) فى تلك الحقبة بسبب التناول الكوميدى للأحداث على عكس ماحدث معى عند مشاهدة فيلم (ستالين)؛ هو فيلم تلفزيوني تم إنتاجُة سنة 1992، من بُطولة الممثل (روبرت دوفال) الذي جسّد الزعيم السوفيتي (جوزيف ستالين) وفاز الفيلم بثلاث جوائز (جولدن جلوب)، كذلك فاز الممثل روبرت دوفال بجائزة أفضل مُمثل، تم تصوير الفيلم في (بودابست، والمجر، وموسكو، وروسيا)، وبالقُرب من الكرملين وصور الحياة السياسية والشخصية للزعيم السوفيتي (جوزيف فيساريونوفيتش) ستالين وكيف وصل إلى الحُكم وتمكن من تحويل الاتحاد السوفيتي إلى قوة عُظمىالمعروف بـ (ستالي) واليوم نستكمل كيف سلِط الفيلم الضوء على سُلوك ستالين وتصفيتة لمُعارضيه وعلاقتة مع زوجتة.
يَستنِد الفيلم إلى المذكرات التي كتبتها ابنة ستالين عندما كانت في الولايات المتحدة عام 1967، وفى الواقع أن رفض الدولة الروسية هذا العمل ليس مستغربا فلازالت هناك أماكن عديدة بروسيا تحمل صورة (ستالين)، أو كما قال (أرماندو إيانوتشي) واصفا وضع (ستالين) في روسيا: (إنه حقا ينج بفعلته هذه، فلقد حجبناه بهدوء ولم نشغل أنفسنا كثيرًا بشأنه)، ومن المعروف أن فيلم (موت ستالين) بدأ التفكير به خلال مهرجان كان السينمائي 2016.
تم تعيين (أرماندو إيانوتشي) كمخرج وكاتب مشارك جنبًا إلى جنب مع المتعاونين المنتظمين (ديفيد شنايدر)، والكاتب المشارك (سميث أوفإيان مارتن، وبيتر فيلوز)، وبدأ الإنتاج في 20 يونيو 2016 وانتهى في 6 أغسطس، وشملت مواقع التصوير (كييف) عاصمة أوكرانيا (للمشاهد الخارجية والخارجية من مبنى الأعداء العام ومبنى NKVD) والمملكة المتحدة (في بلايث هاوس، قاعة الماسونيون وقصر الكسندرا في لندن ، مونجيويل بارك في أكسفورد).
وتدور أحداث الفيلم بشكل كوميدى ببث راديو موسكو مقطوعة لـ (موزارت)؛ أمر جوزيف ستالين بتسجيل الأداء، ومع عدم تسجيل المقطوعة قررت المحطة بسرعة إعادة أداء الحفل؛ هذا تتضمن جلب المارة لتكرار الصوتيات؛ ورشوة عازف البيانو (ماريا يودينا).
يخفي (يودينا) رسالة في اسطوانة التسجيل حيث يقول لستالين أنه دمر البلاد، وكما يقرأه ستالين في منزله فيصاب بنزيف دماغي، يتم اكتشافه في اليوم التالي ويتم تنبيه أعضاء اللجنة المركزية، أول من وصل هو رئيس NKVD (لافرنيتي بيريا)، الذي يكتشف رسالة يودينا، ونائب الأمين العام (جورجي مالينكوف)، كما ذعر مالينكوف، ترشده (بيريا) إلى القيادة على أمل استخدامه كدمية، رئيس حزب موسكو (نيكيتا خروتشوف) يصل مع بقية اللجنة باستثناء وزير الخارجية (فياتشيسلاف مولوتوف) الذي أضافه ستالين إلى واحدة من قوائم أعدائه في الليلة السابقة.
يغلق (بيريا) قبالة موسكو ويتولى NKVD مهام الأمن في المدينة من الجيش السوفييتي ويحل محل قوائم أعداء ستالين ببلدة مولوتوف الخاصة به، يناضل خروشوف وبيريا من أجل الانتصارات الرمزية مثل السيطرة على ابن ستالين غير المستقر (فاسيلي وابنته سفيتلانا)، عندما يموت ستالين يندفع أعضاء اللجنة إلى موسكو بينما يسرق بيرنا منزل ستالين ويقتل الشهود، يذهب (خروتشوف) إلى منزل (مولوتوف) ويحاول الحصول على دعمه لكن مولوتوف المؤمن الحقيقي بالستالينية يعارض أي فئوية داخل الحزب، بيريا يشتري ولائه بإطلاق زوجته بولينا مولوتوفا من الحبس.
يتم تعيين مالينكوف كرئيس الوزراء الأسمى بينما يتم التحكم بدرجة كبيرة من قبل بيريا، في أول اجتماع للجنة بعد وفاة ستالين أعار بيريا خروتشوف عن طريق وضعه في جنازة ستالين واقتراح العديد من الإصلاحات الليبرالية التي خطط خروشوف لإدخالها.
يتم وضع جثة ستالين في الولاية في قاعة الأعمدة، في حين يتم إطلاق سراح العديد من السجناء السياسيين ويتم تخفيف القيود المفروضة على الكنيسة الأرثوذكسية الروسية والحصول على دعم بيريا الأكثر شعبية، يصل المارشال (جورجي جوكوف) ويطالب بمعرفة سبب اقتحام قوات الجيش السوفييتي في ثكنات داخل موسكو.
يعلم بيريا أن خروشوف لديه معرفة بالغة مع يودينا الذي تم التعاقد معه لأداء الدور فى الجنازة ويهددهم بالملاحظة، يقترب خروتشوف من جوكوف الذي يوافق على توفير دعم الجيش في انقلاب للإطاحة ببيريا ولكن فقط إذا وافقت اللجنة، ولتقويض شعبية بيريا أمر خروتشوف باستئناف القطارات إلى موسكو مما سمح بدخول اللآلاف من المشيعين للمدينة كما خطط، قام حراس NKVD بإطلاق النار على الحشد حول القاعة مما أسفر عن مقتل 1500 شخص.
وتقترح اللجنة تفويضا لضباط NKVD منخفضي المستوى بما أن بيريا يعتقد أن اللوم المرتبط بالأجهزة الأمنية سيشوهه فإنه يهدد اللجنة بغضب من وثائق التجريم التي جمعها بشأنها.
يخبر مولوتوف سراً خروتشوف وكاجانوفيتش أنه سيدعم الانقلاب إذا تمكنوا من الحصول على دعم الآخرين بما في ذلك مالينكوف، يكذب خروشوف على اللجنة وتشوكوف أيضا على أنه لديه دعم مالينكوف فيسيطر الجيش السوفياتي ويطغى على NKVD ويتخذ مواقعه خارج قاعة المؤتمرات كما اعتقل زوكوف ورجاله بيريا وأجبر خروشوف مالينكوف لتوقيع أوراق محاكمة بيريا، ويجد خروتشوف وحلفاؤه بيريا مذنبا بالخيانة والاعتداء الجنسي في محكمة الكنجر فيعدمونه.
وبإحراق جثة بيريا يعطى خروتشوف لسفيتلانا تذكرة سفر إلى فيينا ويؤكد لها أن أخيها سيتم الاعتناء به، وبعد عدة سنوات يحضر خروتشوف وهو القائد الأعلى في الاتحاد السوفييتي الآن بعد إزاحة المتآمرين معه حفلة موسيقية مقدمة من يودينا، بينما يشاهده الزعيم المستقبلى ليونيد بريجنيف.
ومن الأخطأ التاريخية بالفيلم أولا البحث عن الفتاة التى صورت مع ستالين للتصوير مع خليفته؛ رغم أن تلك الحكاية تخص تاريخيا هتلر؛ إلى جانب أنه لم يكن NKVD موجودًا في أوائل عام 1953، حيث كان الشرطة السرية عبارة عن وزارة منفصلة برئاسة (سيمون إجناييف)، بينما تم تعيين (لافرينتي بيريا) وزيرًا للداخلية في 5 مارس 1953 في يوم وفاة ستالين، أما المرعب (بيريا) فكان رئيساً للأمن السوفيتي وجهاز الشرطة السرية في عهد ستالين.
بنهاية التصفية الكبرى ولعل من أجمل مشاهد الفيلم عندما طلبت ابنة ستالين أحضار حبيبها الذى أعتقل كما فعل بيريا مع زوجة (كايوز)، ولكنه يخبرها أنه قتل أثناء محاولة هربه، ومن المعروف أنه في عام 1935 أصبح بيريا من أكثر التابعين الموثوقين لدى ستالين فثبت موقعه في حاشيته، وعام 1948 جلب ستالين بيريا إلى موسكو ليصبح رئيساً للـ (المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية)، الوزارة المسؤولة بمراقبة قوى الشرطة والتي نفذت التصفية الكبرى.
الفيلم أظهر أن نهاية (ستالين) كانت أثر اصابته بخلطة نتيجة لخطاب أرسلته عازفة بيانو له تدعو عليه فيها وبسبب سخريته الشديدة من الخطاب أصيب بجلطة؛ ولكن مانشر حول وفاته أن (ستالين) انهار بعد عشاء مع بيريا وقادة سوفييت آخرين، ومات بعد 4 ايام، في مذكرات الوزير مولوتوف (نُشرت عام 1993) ادعى أن بيريا سمم ستالين وأنه خرج متباهياً قائلاً: (لقد تخلصت منه)، والدليل أن ستالين بعد أن فقد الوعي لم يتلق العلاج إلا بعد مرور ساعات، وهذا مايظهر فى الفيلم ولكن بمعالجة كوميدية؛ بعد موت ستالين أصبح بريا رئيساً للوزراء وحليفه (ملنكوف) أصبح كقوة خلف العرش، ونيكيتا خرتشوف سكرتيراً للحزب، والذي كان يعتبر أقل أهمية من رئاسة الوزراء، وتعهد بيريا بالتحررية وصفح عن ملايين السجناء، وفي أبريل وقع معاهدة بمنع التعذيب في سجون الاتحاد السوفيتي خلافاً لماضيه الملطخ بالدماء.
شكك البعض وخاصة بعد أحداث تمرد 1953 في شرق ألمانيا بأن بيريا يريد أنهاء الحرب الباردة وأنه تلقى الدعم من الولايات المتحدة فأقنع (نيكيتا خرتشوف) وباقي القادة بمساندته ضد بيريا حتى حليفه مالنكوف تخلى عنه، في 26 يونيو 1953 اُعتقل بيريا وأصدرت المحكمة بحقه حكماً بالإعدام هو وجميع أنصاره، ويًقال أن بريا قبل إعدامه جثى على ركبتيه طلباً للرحمة، ولكنه اُعدم رمياً بالرصاص في 23 ديسمبر 1953.
وفى الفيلم نجد أن شخصية (خرتشوف) هزلية ولكنها تتصرف بذكاء، والطريف فى الأمر أنه بعد عرض الفيلم عالميا قام محامو وزارة الثقافة الروسية بما في ذلك ابنة مارشال جوكوف وعين زوكوفا والسينمائيين نيكيتا ميخالكوف وفلاديمير بورتكو، وسيرجي ميروسينشينكو وإيجور يوغولنيكوف وألكسندر جاليبين ورئيس متحف الدولة الروسي التاريخي ألكسي ليفكين بتقديم التماس لوزير الثقافة، فلاديمير ميدينسكي لسحب شهادة الفيلم قائلة: (إن وفاة ستالين يهدف إلى التحريض على الكراهية والعداء منتهكة كرامة الشعب (السوفياتي) الروسي وتشجيع الدونية العرقية والاجتماعية، مما يشير إلى طبيعة الفيلم المتطرفة، وأن الفيلم صُوِّر لتشويه ماضي روسيا بحيث يجعل التفكير في الاتحاد السوفياتي في خمسينيات القرن العشرين الناس يشعرون بالإرهاب والاشمئزاز فقط.
وقال المؤلفون أن الفيلم شوه ذكرى مقاتلي الحرب العالمية الثانية الروسية، وأشاروا إلى أن النشيد الوطني كان مصحوبًا بالتعبيرات الفاحشة والمواقف الهجومية، وأن الزخارف كانت غير دقيقة تاريخياً، وأن الإطلاق المخطط له عشية الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لمعركة (ستالينجراد) كان “بصقًا في وجه كل من لقوا حتفهم هناك، وكل أولئك الذين لا يزالون على قيد الحياة، لذلك تم حظر الفيلم في روسيا وقيرجيزستان، أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان هم أعضاء الاتحاد الاقتصادي الآسيوي الوحيدون الذين عرضوا الفيلم في أرمينيا، ولقد عرض فيلم وفاة ستالين في القسم الأساسي في (مهرجان تورونتو السينمائي الدولي) وحصل على إشادة من النقاد.
ومخرج الفيلم (أرماندو جيوفاني يانوتشي) كاتب ومخرج ومذيع وكوميدي اسكتلندي من أصل إيطالي ولد في يوم 28 نوفمبر 1963 في مدينة جلاسكو في اسكتلندا، أكمل دراسته في جامعة أوكسفورد بعد دراسة قدمها عن الكتابات الفكاهية لجون ميلتون عمل مع كريس موريس في تقديم برنامج (ون هاور) والذي كان يذاع على إذاعة بي بي سي اسكتلندا، وثم إنتقل إلى برنامج (ذا داي توداي)، وثم مثل في مسلسل (أنت تعرفني.. أنت تعرفه) مع (ألان باتريدج)، وثم قدم برنامج The Saturday Night Armistice في سنة 2001.
ومن أبطال الفيلم (أولجا كوريلنكو) الممثلة وعارضة أزياء أوكرانية من مواليد 14 نوفمبر 1979، أشتهرت بأداء دور الفتاة في فيلم (كم من العزاء) أحد أفلام سلسلة (جيمس بوند)، وهي مولودة في أوكرانيا وحصلت على الجنسية الفرنسية في عام 2001
وايضا شارك فى البطولة (ستيف بوسيمي) ممثل ومخرج أمريكي من مواليد 13 ديسمبر 1957، رُشح لست جوائز (الإيمي) ووأربع جوائز (جولدن جلوب)، وفاز بواحدة عن دوره في مسلسل Boardwalk Empire، وفاز جائزة (جمعية نقاد أفلام شيكاجو لأفضل ممثل) في دور مساند عام 2001 عن فيلم (عالم الأشباح)، أما (جيفري تامبور) فهو ممثل أمريكي معروف من مواليد 8 يوليو 1944، اشتهر بدوره في (لاري ساندريس شو) ومشاركته في فيلم (سادات) وتمثيل شخصية (أ)وسكار بلوث وجورج بلوث في المسلسل الكوميدي (أرستد ديفولبمينت) والشخصية المتحولة جنسيا في المسلسل Transparent، فاز جيفري بجائزة الجولدن جلوب ونقابة ممثلي الشاشة وجائزتين في حفل الإيمي الـ 67 والـ 68.
مراجع:
* مجلة C’Histoire كوليت مرشليان
* (نساء الكرملين) لاريسافا سيليفا
* مذكرات سفيتلانا (20 رسالة إلى صديق).