بقلم: بهاء الدين يوسف
قبل يومين فقط قرأت تصريحا غريبا لممثل مصري اسمه (إحسان الترك) يروي فيه معاناته مع ضيق ذات اليد، وقال في تصريحه المنشور في عشرات المواقع التي تصدر من دول عربية متنوعة إنه اضطر لبيع أثاث منزله حتى يستطيع العيش بعدما أدار له الوسط الفني ظهره ولم يعد أحد يطلبه في أعمال فنية جديدة، وختم تصريحه بمناشدة الفنان (محمد رمضان) أن يتذكره في أعماله وهى المناشدة التي استجاب لها رمضان (ولم يكن ليفوت تلك الفرصة العلنية للإعلان عن جانبه الخيّر) فنشرت المواقع في اليوم التالي صورة (رمضان) مع الترك ومعها خبر عن إسناد دور في مسلسل رمضان الجديد للممثل الذي يعاني من ظروف معيشية صعبة.
حالة (إحسان الترك) الذي لم أتشرف بمعرفة تاريخه الفني وهذا تقصير مني بالتأكيد ليست جديدة ولا يمكن اعتبارها صدمة مثلا ربما بسبب انتشارها في الفترة الأخيرة على نطاق واسع ومن فنانين عرف عنهم الإعتزاز بالنفس والكبرياء طوال مسيرتهم الفنية مثل الفنان (خالد زكي) الذي كان فتى الشاشة الفضية الأول طوال ثمانينات القرن الماضي، لكنه خرج قبل شهور قليلة ليعلن أنه مفلس ماليا ولا يجد أدوارا يجسدها في الأعمال الفنية الجديدة، وهناك حالات أخرى مثل الفنان (شريف خير الله) والمطرب (طارق فؤاد) الذي كان أحد المطربين المشهورين في تسعينات القرن الماضي أيضا قبل أن يدخل في غياهب النسيان، ويكشف عن اضطراره لبيع كل ما يملك من أجل تدبير نفقات الحياة والعلاج المكلف الذي يتلقاه.
للإنصاف فإن وقوع فنانين في شرط الإفلاس و اضطرارهم للإعلان المؤلم عن ذلك ظاهرة ليست جديدة على الوسط الفني المصري، حيث سبق وأن قرأنا جميعا عن فنانين عظماء انتهى بهم الحال يسكنون في غرفة متواضعة في بدروم أحد العمارات أو فوق سطوح أخرى، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الفنان الكبير (عبد الفتاح القصري وزينات صدقي ورياض القصبجي) وغيرهم، وهى ظاهرة يمكن لأي شخص أن يلتقط منها رسالة مفادها أن الوسط الفني ليس فيه صداقات كما إنه يفتقد للوفاء لأبنائه الذين لا يعملون حسابا للزمن.
هذا كان حديث الماضي لكن المفاجأة بالنسبة لي أن التفاصيل تتكرر بشكل مؤسف في زمن لم يعد فيه الفن هواية مثلما كان في السابق، فضلا عن تدخل الدول بدور مؤثر ومحوري وربما مسيطر في مجال الإنتاج الدرامي بجانب وجود نقابة مسؤولة عن الفنانين لم تكن موجودة حسب علمي في خمسينات وستينات القرن الماضي، فما هو سبب استبعاد العديد من الفنانين عن المشاركة في الأعمال الفنية على الأقل تلك التي تشرف عليها الدولة عبر شركات تابعة لاجهزة سيادية محترمة؟!، وهل يحدث هذا وفق قانون العرض والطلب؟!، ولو كان كذلك فهو أمر يحتاج لتوضيح بما أننا نتحدث عن أعمال تليفزيونية في أغلبها وبالتالي لا يتحكم فيها شباك التذاكر مثلا.
في انتظار إجابات قد تتأخر أو لا تأتي أود أن أختم مثالي بتحذير مخلص للمسؤولين في مصر من أن انتشار ظاهرة التسول العلني للمال أو للعمل من قبل فنانين معروفين أمر لا يقتصر ضرره فقط على هؤلاء الفنانين وأسرهم وربما أصدقائهم المقربين ولكنه أمر يسيء إلى صورة مصر الكبيرة التي ظلت لعقود تسيطر على عقول الأشقاء العرب بقوتها الناعمة لكنها تتحول شيئا فشيئا إلى قاعة عرض لمعاناة أبنائها ممن صنعوا ربيع الفن والإعلام.