بقلم : محمد حبوشة
الممثل المحترف هو الذي يكرس حياته للمسرح، وينخرط منذ البداية في رحلة من نوع خاص، رحلة البحث عن الذات، عن الحرية وعن الفضاء الأوسع، هى رحلة في عوالم مختلفة وحيوات أخري غير التي تفرضها عليه حياة ضيقة لا تتعدي بضعة أمتار فكان الفراغ المسرحي هو الحل وهو الطموح الذي جسد حلما طالما راوده وطارده، ويظل شعاره الدائم: (الاجتهاد والسعي لتحقيق الحلم) وإتقانه للشخصيات المختلفة.. وينجح بالضرورة في جذب الانتباه له، واختراق قلوب الجماهير بأدائه المميزة فى أغلب الأعمال التى يقدمها، وعلى حد قول تيشكوف فإن أمر فن التمثيل ليس متروكا للموهبة أو المقدرة على الارتجال أو حتى لحصيلة الخبرة الطويلة في هذا المجال أو الذكاء العاطفي والخاص لدى الممثل بل هو أداء تقني أيضا، لذا فقد استنبط جسد (أنطوان كرباج) طقوس المسرح ورموزه من التراجيدي والكلاسكي الى المسرح اللبناني والعربي ليصبح علامة فارقة في تاريخ الفن والمسرح، وهو لم يصل الى ما وصل اليه بالصدفة أو بالسهولة بل بكثير من الجهد والعمل والشغف والافتتان.
أدوات الممثل المحترف
وضيفا في باب (بروفايل) لهذا الأسبوع الفنان الكبير والقدير (أنطوان كرباج) هو واحد من الممثلين المحترفين الذين تتضاءل مقدرة الجسد عنده على اكتساب أدوات الممثل المحترف، وهو النوع الذي يكون الأكثر سهولة على الاستيعاب، وتصل الأفكار التي يهدف لها كما لو أنها التماعات أو شذرات تختصر على المشاهد من الجهد في فهم المعنى المراد، ومن هذا المنطلق يدرك (كرباج) أن المسرح واحد من أهم وأقدم الفنون الإنسانية التى عرفها الإنسان، فهو فن مركب يتكون من العديد من العناصر والفنون التى لابد من تضافرها من أجل الحصول على عمل مسرحى جيد يجذب المتفرجين ويؤثر فيهم تأثير كلى لأنه يعبر عن الواقع الذى يعيشون فيه لذا فهو من أصعب الفنون الانسانية الموجوده لأنه يحتوى على فنون أخرى كثيره كل فن من تلك الفنون يساهم بنسبه معينه لانتاج العرض المسرحى المتكامل.
يقول (كارل ألانزويرث) أن (المسرح يضم جميع العناصر التى تتضافر معا للوصول الى التجربة المسرحية أو بمعنى آخر يمثل المسرح صورة فنية وكسائر الصور الفنية فهو وسيلة اتصال بين الفنان والمتفرجين، والواقع أن المسرح هو المكان الذى تلتقى فيه جميع الفنون: الأدب والتصوير والنحت والعمارة والموسيقى والرقص ولكن كلا من هذه يستخدم فى اطار محدود)، ومن ثم فإن (أنطوان كرباج) يعنى بالملابس والماكياج، بما فيها الأقنعة، إلى جوار فهم الشخصية المسرحية، لأنها من وجهة نظره من أقدم العناصر الأساسية في فن الدراما، بل إنها تكاد تؤلف العرض بأسره عندما نرجع إلى المراسم والمحافل البدائية التي تمثل نواة الدراما، وعلي الرغم من أن الإغريق كانوا يهملون المناظر إلى حد كبير، فمن المؤكد أنهم لم يكونوا يهملون الملابس أو الأقنعة، وقد كان الانتقال من سيطرة الأقنعة إلى سيطرة الماكياج في عصر النهضة.
الماكياج المسرحي سحرا
والملابس المسرحية عند (كرباج) يمكن أن تأتي جريئة، صارخة الألوان، لافتة للنظر، ومن الممكن أن تنبئ عن نزعة مسرحية، أو مخيلة درامية، أو انسيابية مبسطة لا تتقبلها الثياب العادية، ويحتاج مصمم الملابس، بالإضافة إلى حاسة الذوق، إلى معرفة الأساليب التاريخية، والقدرة على إبراز معالم الشخصية، لا تستطيع القواعد والوصفات أن تحل محل الذوق والحكمة عند وضع الملابس التي تعكس ملامح الشخصيات، وقد تجدي المعرفة بالمعاني الرمزية للألوان، ولكن ما أكثر الأخطاء الفادحة التي يرتكبها المصممون عندما يتبعون حرفيا تلك التقاليد المفرطة التبسيط التي تخصص اللون البنفسجي للملوك، والأزرق الفاتح للطهارة، والأحمر للفتوة، وينبغي لمصمم الملابس، مثله في ذلك مثل مصمم المناظر، ألا ينسى أن اللون مسألة نسبية، وأن للملابس الأخرى، والمناظر، والإضاءة، والملحقات تأثيراتها الخاصة.
وبحسب متابعتي للفنان الكبير (أنطوان كرباج) أرى أنه يجد في رائحة الماكياج المسرحي سحرا، لا يرجع إلى ما فيه من عطر بقدر ما يرجع إلى ارتباطه بالتوهج المثير للحظات التي تسبق العرض مباشرة، والقيمة النفسية للمكياج أعمق من جو النشاط الذي تستثيره قبيل رفع الستار، إن كثير من الممثلين خاصة عندما يقومون بأداء أدوار مغايرة لطبيعة شخصياتهم، يجدون في الماكياج مادة محضرة تستنهض فيهم مزيدا من الثقة، والتى نوجزها فى (القصة المسرحية والنص الأدبى) فـ (دور المؤلف) هنا يكمن في الإيحاءات والأحاسيس، بينما (دور الممثل) في إجادة فن الإلقاء اللغوى شعر ونثر، و(دور الممثل) يتلخص في التاثير الصوتى، الألوان الصوتية ، فن الإضاءة، فن الموسيقى التصويرية، فن الرقص والغناء وتجسيد العواطف على وجه الفنان الذى يوحى بها الى الجمهور، بالإضافة إلى فني الاخراج والتصوير وفن الزخرفة والنحت والعمارة.
حقيقة التمثيل الإيمائي
و(أنطوان كرباج) ممن يعنون قيمة الإلقاء (فن النطق بالكلام)، فإن الإلقاء المسرحي هو فن النطق بالحوار، والمسرح أكثر فنون الكلام حاجة إلى إخضاع فنون الكلام بالتغيير أو الإضافة، والحوار هو المسرحية التي تقوم برمتها على الحوار، ومهما امتلأت بالأفعال صغيرها وكبيرها من المصافحة وهز الرأس إلى حتى القتل فإن الحوار هو الذي يصوغها، ولهذا فإن (كرباج) يقوم كممثل محترف بقراءة الدور وفهمه ليتسنى له أداؤه على المسرح بالشكل الذي يريده كاتب المسرحية، كما أنه يدرك حقيقة التمثيل الإيمائي الصامت، والذي قي العادة لا يستخدم أدوات أو ديكور أو متممات أو مكملات العرض التقليدية، سوى لغة الجسد وقدرته التعبيرية في خلق الإيهام بالبيئة المتخيلة، ويتم ذلك من خلال رسم الحركة المقاربة ، أي الشكل الهندسي للشيء وللفعل ولردة الفعل، ومن ثم تكثيف الواقع بشكل إيهامي، ويتم ذلك عند (كرباج) من خلال الذاكرة الحسية والانفعالية للفعل ولردة الفعل، ويكون عادة عرضا كاملا طويلا (نصف ساعة) أو قصيرا ( خمس دقائق ) لذا فهو يتقن التمثيل الإيمائي الصامت لأنه يمنح الممثل القدرة في الأداء والمرونة في الحركة والدقة في تشخيص الأدوار وتجسيد الأفكار، فالكثير من الممثلين المحترفين يدخلون دورات وورش مكثفة للتدريب على التمثيل الإيمائي الصامت.
الممثل اللبناني القدير (أنطوان كرباج) ولد في قرية (زبوغا)، ويقول عن بدايات حياته: دخلت المدرسة في سن الـ 12 عاماً بعدما أقعدني المرض في السرير من عمر الـ 5 إلى 12 سنة، فقد أصابني مرض التيفوئيد وبسبب خطأ طبي عولجت للملاريا ما أصابني بالطرش والعمى وصرت أخرس وكسيحا، ولولا العناية الإلهية وجدي لوالدي الذي أنقذني بإبرة كافيين بعد توقف قلبي لـ 3 دقائق لكنت مت، وقد أنبأ الطبيب أهلي انني سأبقى أعمى مدى الحياة، لكنني عدت ورأيت على رغم ضعف نظري، وبعد فترة حصل ألم وورم في رجلي وكادت تقطع مما أبقاني 3 أعوام في الفراش، بسبب هذه الآلام لم أستطع أن أتخلى عن الطفل الموجود في داخلي لأنني لم أحي طفولتي في الشكل الصحيح، ومن يفقد الإحساس بالطفولة يفقد عنصراً مهماً وخلاقاً في حياته.
فرقة المسرح الحديث
تابع (كرباج) علومه في دار المعلمين، ودرس مادتي التاريخ والجغرافيا، وبعد ذلك عاد الى دراسة التاريخ وتخرج في الجامعة اليسوعية حاملا إجازة في الحقوق، وفي تلك الفترة أحيا مسرح كلية الحقوق الذي كان مقفلا، وبواسطة صديقه (أمين زيدان) تعرّف على الفنان (منير أبو دبس)، الذي كان يعمل في فرقة السوربون، واستدعته لجنة مهرجانات بعلبك الدولية، لإنشاء أول معهد للتمثيل (مدرسة المسرح الحديث) في لبنان (بداية سنة 1960)، ومن منير أبو دبس تعلم أن التمثيل مادة ثقافية، لا تؤخذ إلا بالعلم، وأسس مع منير أبو دبس (فرقة المسرح الحديث) التي أدت دورا رائدا في الحركة المسرحية في لبنان والعالم العربي، وعن طريق مهرجانات بعلبك الدولية قام (أنطوان كرباج) مع الفرقة بعدة جولات فنية دولية، كما شارك في مهرجانات حوض البحر المتوسط (شاركت فيها دول المتوسط في أوروبا وأفريقيا وآسيا).
الفنان اللبناني القدير (أنطوان كرباج) صاحب مسيرة فنية طويلة يصعب حصرها بل يكمن فقط أن نعرض أبرزها، ومنها أنه بدأها عام 1962 من خلال دوره في مسرحية (الذباب) والتي عرضت في مهرجان جبيل الثاني، ثم شارك في مسرحية شكسبير(ماكبث) وجسد فيها شخصية ماكبث، وجسد فيها شخصية ماكبث، وشارك في مسرحية بعنوان (الملك يموت – 1965)، وفي نفس العام شارك في مسرحية (الذباب)، وجسد فيها شخصية أورست، وفي مسرحية بعنوان (الملك يموت – 1965)، وجسد فيها شخصية الملك، وجسد شخصية (أوديب) في مسرحية بعنوان (أوديب ملكا – 1966) وشارك أيضا شارك في مسرحية (علماء الفيزياء – 1966)، وجسد فيها شخصية المفتش، وشارك في مسرحية (هاملت) لشكسبير وجسد فيها شخصية الملك، ثم شارك في مسرحية (فاوست – 1968) وجسد فيها شخصية فاوست، وفي مسرحية (يعيش يعيش – 1970)، وجسد فيها شخصية المهرب، وفي نفس العام شارك في مسرحية (صح النوم)، وجسد فيها شخصية الوالي.
اشباك مع الواقع
في عام 1972 (أنطوان كرباج) جسد شخصية (فاتك المتسلط) في مسرحية (جبال الصوان)، ثم أتبعها بمسرحية (الأمير الأحمر)، وهى مسرحية أخرى من إنتاجه، وكانت في الأصل قصة للمؤلف اللبناني الشهير مارون عبود، ثم تم تحويلها بشكل رائع إلى مسرحية من إخراج يعقوب الشدراوي، المعروف بصانع العصر الذهبي للمسرح اللبناني، حيث تشتبك المسرحية مع الواقع اللبناني، حيث تسلط القصة الضوء على المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها القرى اللبنانية، في معركة بين الخير وسلطة الشر المحدقة بالقرويين المتواضعين في بحثهم عن كرامة ضائعة، كما سلطت الضوء أيضا على جوانب عديدة من حياة القرويين اللبنانيين في الستينات والسبعينات، مثل العلاقة بين الرجال والنساء، والدور الاجتماعي للكنيسة، وتأثير النظام الضريبي غير العادل في ذلك الوقت بالإضافة الى معالجتها لقضايا أخرى.
قضايا تتعلق بالأمة
في مسرحية (ناطورة المفاتيح) جسد فيها شخصية (الملك غيبون – 1972)، أما في عام 1974، فشارك في مسرحية (المهرج) وجسد فيها دور المهرج بعذوبة نادرة، وحقق (المهرج) نجاحا كبيرا، فقد تناول قضايا تتعلق بالأمة العربية ككل، ومحاربة الفساد، وضياع فلسطين وغيرها من الأراضي العربية المحتلة، ويكننا القول بأن المسرحية كانت بمثابة دعوة إلى تغيير في السياسة العربية وتحديثها وتطويرها، كانت بداية جيدة للكاتب محمد الماغوط الذي استمرّ بكتابة العديد من المسرحيات في لبنان وفي العالم العربي.
وفي نفس العام (شارك في مسرحية (أبو علي الأسمراني)، وجسد فيها شخصية أبو علي، وفي مسرحية (المحطة) مع الرحبانية، وجسد فيها شخصية الحرامي، والتحق بمسرح (أورلي) الذي كان أحد المسارح التي افتتحت في السبعينات واستمرت في أثناء الحرب الأهلية اللبنانية التي كانت بدايتها في عام 1975 ولكنها أغلقت في التسعينات بسبب تأثر تلك المسارح بالعواقب الاقتصادية للحرب، وفي نفس العام قدم مسرحية (المرسلياز العربي)، وفي عام 1977 شارك في مسرحية (بترا)، وجسد فيها شخصية القائد الروماني، وشارك في مسرحيتي (نمرود، وزلمك سيدنا – 1980)، ثم شارك في مسرحية (صيف 840) والتي تم عرضها في عام 1987 وجسد فيها شخصية اليوزباشي عساف، وعام 1994 شارك في مسرحية بعنوان (يوسف بك كرم).
دشن (أنطوان كرباج) الألفية الجديدة بمسرحية (بليلة قمر) والتي تم عرضها في عام 2000، ثم شارك في مسرحية (ألف ليلة وليلة) والتي تم عرضها في عام 2002 حتى عام 2003، شارك في مسرحية (حكم الرعيان)، والتي تم عرضها في عام 2004 حتى عام 2005، كما شارك في نفس العام في مسلسل (عشتار) والذي تم عرضه في عام.
وتوالت أعماله الفنية، حيث شارك في فيلم (نساء في خطر)، وقد قدم فيه دور البطولة والذي تم عرضه في عام 1982، ومن بعده شارك في فيلمي(الصفقة) والذي تم عرضه في عام 1984، وفيلم (امرأة في بيت عملاق) والذي تم عرضه في عام 1985، وكان قبلها قد شارك في مسلسل بعنوان (البؤساء – عام 1974)، ثم قدم مسلسل (ديالا – 1976)، وشارك في مسلسل (لمن تغني الطيور – 1976)، وجسد فيه شخصية المفتش، كما شارك في مسلسل (بربر آغا – 1979)، وجسد فيه دور بربر آغا.
أشهر أقوال أنطوان كرباج:
** الممثل الذي لا يصل إلى مرحلة الخلق لا يكون ممثلا.. فهو لا يستمر برأيي، قد ينجح مرة أو اثنتين أو لمرحلة معينة ومن ثم يختفي.
** إعداد الممثل أمر أساس لأن الموهبة وحدها لا تكفي، فهي تحتاج إلى صقل كما يحتاج الممثل إلى تمارين التركيز، سئل المسرحي الروسي الكبير ستانسلافسكي عن المؤهلات الواجب توافرها لدى الممثل، فحدد النظام لأن الموهبة أمر بديهي.
** عندما أقف على خشبة المسرح يعني أنني أصبحت جاهزا والشخصية واضحة بتفاصيلها كافة، لذلك أرى أن مرحلة التحضير أصعب من الأداء.
** لا تقتصر مهمة الفنان على حفظ الدور وأدائه إنما على خلق شخصية حقيقية من الحبر والورق، عندما أقرأ النص أبحث عن تفاصيل عائلة الشخصية ونشأتها وطبيعة المحيط الذي تربت فيه، كما أحاول تصور شكلها الخارجي وطريقة مشيتها وحديثها مع الآخرين لأن ذلك انعكاس لمهنتها.
** كان وطننا محط أنظار العالم العربي بفضل الثورة الفنية التي تحققت على صعد: الموسيقى والفنون التشكيلية والفرق المسرحية المختلفة التي نشّطت الحركة المسرحية، إلا أن الحرب أتت على الأخضر واليابس وقضت على المسرح ليصبح اليوم في أتعس حالاته الفنية.
** يجب إعادة الاعتبار إلى الإنتاج المحلي، والتركيز على الوجوه الشابة المبدعة، والمسألة الأهم هي ان يغيب الحس التجاري البحت عن العمل الفني، ويجب اعتماد نصوص تحاكي الواقع وتتماشى مع واقع الحياة.
** لا أفهم معنى (النجومية) خصوصا أن النجمة في الحقيقة لا يمكن رؤيتها في النهار وتبدو خجولة في المساء، بينما نجومنا ينفشون أجنحتهم! في ظل غياب ضمانات اجتماعية للممثلين اللبنانيين ومعاناة المسنين منهم.
** الحركة المسرحية مفقودة راهنا في لبنان ويجب إعادة بنائها وأن تحظى بدعم الدولة الغائبة أساسا، لأن المسرح يؤدي دورا في المجتمعات المحترمة.
** لم تعد ثمة حركة مسرحية في سورية بسبب الأحداث الراهنة، أما في مصر فأصبح المسرح تهريجا من دون معنى.
** في محيطنا العربي تعتبر مصر أقوى دولة سينمائية لأنها أكبر دولة عربية صناعية، كما هى أميركا أقوى بلد صناعي في العالم وبالتالي أكبر مصنع سينمائي.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنان القدير (أنطوان كرباج) الذي لايعد أسطورة فحسب في المسرح وعالم التمثيل مستلا منذ بداياته موهبته الخارقة من غمدها ومعمدا إياها بنهر تمرسه، بل إنه أيضا إنسان كاريزمي لا يتكر، وهو العملاق يصغي إلى كل حرف بحكمة وروعة، فقبل أن يحضر تسبقه إليك بسمته كأن الرجل الموجوع من أحوال لبنان، يأبى إلا أن يصافح النور، الغصة في حلقه، ويمع ذلك يبقى (أنطوان كرباج) بهيا ومشوقا في أعماله رغم أن عددا كبيرا حفظ بعضها عن ظهر قلب، ومن ثم يستحق (أنطوان) إلى الأبد محبتنا الغامرة وتصفيقا حارا أمام كل هذا التاريخ المشرف.. وسيظل حضوره في ذاكرتنا نضرا ومعتقا آنا بعد آن.. ذلك الذي كرع من فم الضوء يستأهل إضاءة ترشف ضياءه وأفياءه.. فتحية محبة وتقدير لمسيرت الفنية المشرفة.