كتب: محمد حبوشة
(إذا أردت الحكمة، فأحب شريكة حياتك، اعتن بها كي ترعى بيتك) كانت هذه الكلمات من أبرز وصايا الفرعون المصري (بتاح حتب) للزوج في معاملة زوجته منذ أكثر من 3500 عام)، ومن هنا يمتلئ التاريخ المصري برموز نسائية تمتعت بالقوة والسيطرة، وقامت على أكتافهن حضارات، وتعتبر الحضارة الفرعونية خير دليل على المكانة التي كانت تحظي بها المرأة في مصر القديمة، ولعلها تمتعت بحقوق أكثر من التي تتمتع بها المرأة في عصرنا الحالي، فقد تبوأت المرأة في تاريخ مصر القديم مكانة بارزة في شتى مناحي الحياة جعلتها شريكة للرجل إن لم تكن أحد الأسباب الرئيسية في نمو الحضارة المصرية، لذا لم يكن من الغريب على المجتمع قديما توقير المرأة والنظر إليها نظرة (تقديس) لآلاف السنين جعلتها حاضرة بقوة في المشهدين الديني والدنيوي.
اعتلت المرأة عرش مصر أو شاركت فيه أكثر من مرة في ظروف سياسية وتاريخية أحاطها الجدل، وحملت ألقابا عبر العصور من بينها (سيدة مصر العليا والسفلى، وسيدة الأرضين، والحامية، والعالمة، وابنة الإله، والحاكمة، وقوية الذراع، والقابضة على الأرضين، وسيدة التجلي)، إلى جانب مجموعة أخرى من الألقاب الشرفية مثل (جميلة الوجه، وعظيمة المحبة، وصاحبة الرقة)، إن المرأة المصرية جزء حيوي وفعال في المجتمع، ولها دور كبير من خلال الاهتمام بالتربية الجيدة للأبناء، بالإضافة إلى عملها ومشاركتها الاجتماعية والتنموية، وتلعب دورا رائدا فى كافة المجتمعات المتقدمة، حيث إن لها دورا فعالا في نشر ثقافة التنوير وبناء مجتمع قادر على مواجهة كافة أشكال التطرف والإرهاب، ومنذ قديم الأزل كان للمرأة المصرية مكانة رفيعة المستوى باعتبارها الشريك الوحيد للرجل في حياته الدينية والدنيوية طبقا لنظرية الخلق ونشأة الكون الموجودة في المبادئ الدينية الفرعونية، حيث المساواة القانونية الكاملة وارتباط الرجل بالمرأة لأول مرة بالرباط المقدس من خلال عقود الزواج الأبدية.
تعدت المرأة هذه المكانة حتى وصلت لدرجة التقديس فظهرت المعبودات من النساء إلي جانب الآلهة الذكور، بل إن آلهة الحكمة كانت في صورة امرأة، والآلهة إيزيس كانت رمزاً للوفاء والإخلاص، كذلك استطاعت المرأة المصرية في التاريخ الفرعوني الدخول في العديد من ميادين العمل المختلفة ووصل التقدير العملي لها لدرجة رفعها إلي عرش البلاد فقد تولين الملك في عهود قديمة، ومنهن (حتب) أم الملك خوفو، و(خنت) إبنة الفرعون منقرع، و(أباح حتب) ملكة طيبة، و(حتشبسوت) إبنة الفرعون آمون، و(تي) زوجة إخناتون، كما عملت المرأة بالقضاء مثل (نبت) وهي حماة الملك بيبي الأول من الأسرة السادسة، وتكرر المنصب خلال عهد الأسرة السادسة والعشرين وأيضاً العمل بمجال الطب مثل(بثت)، والتي حملت لقب كبيرة الطبيبات خلال عهد الأسرة الرابعة، ووصلت الكاتبات منهن لمناصب (مديرة – رئيسة قسم المخازن مراقب المخازن الملكية – سيدة الأعمال – كاهنة).
ساندت المرأة قضية التعليم للجميع في سبيل النهوض بالمجتمع، فتبرعت الأميرة فاطمة بنت الخديوي إسماعيل بأرض كانت تملكها لإقامة مبنى للجامعة الأهلية (القاهرة الآن)، ووهبت مجوهراتها الثمينة للإنفاق على تكاليف البناء، وأوقفت أراض زراعية شاسعة للإنفاق على مشروع الجامعة، وفي عام (1347هـ – 1928م) التحقت المرأة بالجامعة المصرية، واستمرت مسيرة تعليم المرأة حتى وصل عدد المدارس الحكومية للبنات عام 1945م) حوالي 232 مدرسة، وإذا نظرنا إلى تاريخ مصر نجد أنه هناك ارتباط بين تاريخ الحركة النسائية بالحركة الوطنية المصرية، وحركة التنوير فلا فرق بين جهاد ووطنية محمد عبده والأفغانى وبين قاسم أمين وهدى شعرواى، فقد خرجت المرأة إلى الثورة منذ عهد 1919 كتفها بكتف الرجل دفاعًا عن شرف الوطن، وبدأت تسطر تاريخها بقلم من ذهب فى تاريخ مصر الحبيبة.
ونجد أمثلة كثيرة فى تاريخها المشرف مثل (درية شفيق)، وهى من رواد حركة تحرير المرأة فى النصف الأول من القرن العشرين، ويذكر لها الفضل فى حصول المرأة على حق المرأة فى الانتخاب والترشح فى دستور عام 1956 كما ناضلت ضد الوجود البريطانى فى مصر، ولها الدور فى تأسيس حزب سياسى (حزب اتحاد بنت النيل)، وهو كان أول حزب نسائى فى تاريخ مصر يشارك الحركة الوطنية، ونجد أيضا لمن يغفلون الآن الحراك السياسى والاجتماعى للمرأة فى التاريخ سيدة شاركت فى تحرير مصر ضد الاحتلال البريطانى أيضا وهى (إستر فهمي) التى انخرطت فى الحركة الوطنية وتعرفت على هدى شعرواي، فكانت من مؤسسات لجنة سيدات الوفد المركزية، وقامت بتبادل خطابات جريئة مع اللورد اللنبى المستشار السامى البريطانى، وتضمنت خطاباتها مطالب المصريين والمصريات بعودة سعد زغلول من المنفى واستقلال مصر والافراج عن المعتقلين.
ونجد (إنجي أفلاطون) وهى رائدة فى النضال السياسي من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية باصدارها لكتاب (نحن النساء المصريات – 1949)، وأسست لجنة للمقاومة الشعبية وألقى القبض عليها لنشاطها الثورى، ومن الشخصيات المناضلة أيضا (سيزا نبراوي) ونضالها مع (هدى شعراوي) في ثورة 1919 و(ملك حفنى ناصف) التى أسست الاتحاد النسائى وجمعية التمريض على غرار “الصليب الأحمر، و(منيرة ثابت) وهى أول محامية فى المحاكم المختلطة، وكثير من الأسماء النسائية التى شاركت بصورة كبيرة فى تحرير الوطن، من التخلف والجهل والارهاب وأخيرًا المشاركة الكبيرة فى 25 يناير و30 يونيو لتحرير مصر من الفساد.
ماسبق نعيد ذكره في مناسبة إعلان المجلس القومي للمرأة برئاسة الدكتورة مايا مرسي، وجميع عضواته وأعضائه، ولجانه الدائمة وأمانته العامة وفروعه بالمحافظات، عن رفضه وعميق استياءه من المحتوى المسييء الذى يقدم من خلال برنامج (كلام الناس) المذاع على (قناة mbc – مصر) للمذيعة/ ياسمين عز، والذى يمثل إهانة وتحقير وتقليل من شأن المرأة المصرية، ويضر بها، كما يعد محتوى موجه لتغييب الوعى المجتمعي بما يتم إنجازه على أرض الواقع من جهود حثيثة لتمكين المرأة المصرية.
ويؤكد المجلس رفضه القاطع لأى محتوى من شأنه تحقير وإهانة المرأة المصرية، حيث أن المحتوي الذي يقدمه البرنامج عن المرأة المصرية مهين ورجعي، ويتضمن خطاب تحريضي لممارسة العنف ضد المرأة المصرية، وتطبيع إهانة وضرب الأزواج للزوجات، وأنه على النساء تقبل العنف والإهانة، كما يتضمن محتوى البرنامج أيضا السخرية والتنمر على حال الأسرة المصرية، مما يؤدى إلى تدمير البنية الاجتماعية وخلق نزاعات داخل الأسرة، دون اعتبار لأحكام الدستور المصري الذى تضمن أكثر من (20 مادة) تنظم موضوعات المواطنة والمساواة وتجريم العنف والتمييز واحترام المرأة وصون كرامتها.
وترتيبا على ذلك شهدت منصات مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الأيام الماضية عددا من الرسائل (المبهمة) المتبادلة بين الدكتورة مايا مرسي رئيس المجلس القومي للمرأة، والإعلامية ياسمين عز، خلال الأيام القليلة الماضية، وذلك في أعقاب منشور لـ (مايا مرسي)، انتقدت فيه أداء (مذيعة) لم تسمها، قائلة لها: (أرجو أن تتذكري أن تاريخك.. طبعا إذا كان هيكون عندك تاريخ أصلا.. هيشوفوا ولادك وأحفادك ولن يكونوا فخورين فالمحتوى على الفضاء الإلكتروني بصمة شخصية موجودة مدى الحياة)، وجاءت تصريحات (مايا مرسي)، وسط انتقادات للمذيعة ياسمين عز بسبب تصريحاتها حول واجبات الزوجة في برنامجها (كلام الناس) والتي اعتبرها البعض حطا من قيمة المرأة.
وأضافت مايا: (إذا كان مجال دراستك هو الإعلام فأرجو أن تراجعي الكتب والمواثيق الإعلامية التي من الواضح أنك لم تسمعي بها من قبل.. لأن ما تقدميه ليس له أي صلة بالإعلام الحقيقي)
وأوضحت رئيس المجلس القومي للمرأة: (عيب عليكي بجد وكفاية.. اعملي حساب إن اللي بيشاهد البرنامج اللي بتقدميه جيل بنات وأولاد.. انتي حرفيا بتهدي فكرة الاحترام بين الطرفين والشراكة)، وتابعت مايا: (لازم تعرفي وتتعلمي قبل ما تتطلعي تدينا دروس وتوجهي رسالتك للسيدة المصرية.. بصراحة استحالة يكون ده برنامج حقيقي ده أكيد هيطلع برنامج مقالب في الآخر) وأكملت: (عيب.. الأفضل إنك تخرجي وتعلني إنك بتعملي برنامج ساخر وبتشتغلي على ترند وإنك لاتقدمي محتوى هادف أصلا)، وقالت مايا مرسي: (أتوجه إلى المحطة التليفزيونية التي تذيع هذا النوع من الهزل الذي لا علاقة له بالإعلام.. وأقول لها إن الاستمرار في برامج تهين المرأة المصرية أمر غير مقبول.. ولا خلاص نقول إن هي دي سياسة القناة إهانة المرأة المصرية).
من جانبها، نشرت الإعلامية ياسمين عز، عبر حسابها على فيسبوك، تدوينة قال فيها: (أستغرب من أن تكون الرسالة لمنصب ينبغي أن تكون ألفاظه رفيعة المستوى، متزنة الطرح، تتسم بالموضوعية، وليس (فشة خلق) والشخصنة والإنزلاق إلى ألفاظ لا تليق بالمنصب الرسمي)، وأضافت: (فما يروق لك أو لا يروق، يمكنك أن تبحثيه في مجالسك الشخصية وليس على مستوى مجلس رسمي.. يتحتم عليك الإتزان والموضوعية وعدم التسرع في إبداء رأي شخصي، لايمت إلى ما يتطلبه المنصب من رقي في الطرح وفي العبارة وقد قرأت الرسالة مرارا وتكرارا يمكن ألاقي فيها طرح موضوعي أتفق معه أو أختلف، ولكني للأسف الشديد، لم أجد).
وهنا أسأل رئيس المجلس القومي للمرأة ألم يلفت نظرك تصدر اسم الاعلامية (رضوى الشربيني) جميع مؤشرات البحث خلال الأشهر الأخيرة، وذلك بعد تصريحاتها حول زواج السيدة بعد الانفصال، فقد قالت رضوى: (أنا منفصلة وبقولها بفخر، ومن حقي أتزوج مرة واثنين وثلاثة وأربعة، لأن ده شرع ربنا، ولو زوجي لا يرضيني سأطلب منه الطلاق فورا وأبحث عن غيره)، وتابعت رضوى الشربيني مؤكدة أنها منفصلة هى الأخرى، وأنها لا تعتبر ذلك عيبا بل هو دليل على القوة، وقالت: “أنا منفصلة.. منفصلة دي يعني عندك عيب؟ ناقصك حاجة؟ أنا رضوى الشربيني منفصلة، وبشتغل وباخد بالي من بناتي وصحابي، وعايشة وكويسة ومبسوطة وراضية وشاكرة ربنا، ما تتجوزي مرة واتنين وتلاتة مش حلال ربنا؟).
والكارثة أنها استطردت (رضوى) قائلة : (فيها ايه لما الست تنفصل وتتجوز 4 أو 5 مرات طالما مبتعملش حاجة حرام، وأثارت الإعلامية رضوى الشربيني الجدل بعد تحريضها لمتصلة على الطلاق من زوجها، قائلة (فيها إيه لما الست تنفصل وتتجوز 4 أو 5 مرات.. ولو جوزي مش عاجبني هاطلب الطلاق واتجوز غيره.. ولو غيره معجبنيش اطلق تاني واتجوز غيره لحد ما احس براحة)، أليس ذلك يا سيدة (مايا مرسي) هدم للبيوت، فحديثها ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، وهذا الكلام مدعاه هدم الأسرة المستقرة، هذه الدعوة إلى الطلاق هى أسلوب ممنهج، ولا أدري لمصلحة من تتم هذه الحملات، ولكن الدولة تحاول بكل ما أوتيت من كل قوة وسبيل، أن تحارب الطلاق.
وظني أنه كان ينبغي على (مايا مرسي) أن تضم في شكواها (رضزى الشربيني) ففي الوقت الذي تهدم فيه (ياسمين) الكيان الأسري فعلى الطرف الآخر فإن (رضوي الشربيني) تحاول أن تجذب الأنظار حول إطلالتها سواء الكاجوال أو الكلاسيك، أو بتصريحاتها المثيرة التي تواصل فيها الهجوم على الرجال وانتقاد المرأة، كما تعتمد رضوى من الناحية الجمالية، على تسريحات الشعر، وصيحات المكياج الجريئة ذات الألوان الجذابة التي تكشف عن جمال ملامحها، بهدف ركوب الترند المعلون، ومن ثم فهى و(ياسمين عز) في الجرم سواء.
وأخير ألا نكف عن هذا الجدل الذي لايفضى سوى زيادة مساحة الشهرة لكلتا المذيعتين اللتين تمتعان بنوع من (العته المنغولي النادر) الذي يجلب لهم مزيدا من الشهرة للأسف؟!.