(حب مصر) الذي ألهم (أم كلثوم وياسر جلال) للتبرع بالملايين
كتب : أحمد السماحي
عام 1967 وخلال سنتين دارت كوكب الشرق أم كلثوم حول الكرة الأرضية مرتين، من باريس إلى المغرب، من تونس إلى لبنان، من السودان إلى ليبيا، من الكويت إلى طنطا، من المنصورة إلى دمنهور، من الأسكندرية إلى القاهرة، وفي كل مرة كانت أم كلثوم تعود فيها إلى القاهرة، كانت تعود بمبلغ ضخم في يدها، وحب ضخم في قلبها، غني صوتها بعد نكسة 1967 وجمعت يدها الحصيلة، والحصيلة هى مليونان من الجنيهات قدمتهما أم كلثوم لبلدها في سنتين، تبرع اختياري، مساهمة عاجلة، تبرع من الجمهور إلى نجمته التى يعشقها، ومساهمة من النجمة لبلدها، ولكن حب (أم كلثوم) لبلدها أهم من تبرع جمهورها لها، العاطفة هنا أهم من النقود، القدوة أهم من المال.
ما فعلته أم كلثوم في محنة مصر الكبرى، فعله خلال الساعات الماضية النجم الموهوب (ياسر جلال) في محنة مصر المالية، حيث تبرع لصالح صندوق (تحيا مصر) بمبلغ ثلاثة ملايين جنيه، شعر النجم المحبوب أن بلده تئن وتصرخ وتستاجير فلم تهن عليه، ولم يستطع الوقوف عاجزا عن تلبية النداء، شعر بينه وبين نفسه أن البلد أعطته، فأعطاها ما يملك عرفانا بالجميل وتقديرا لعواطف متراكمة بينهما، حاول قدر المستطاع ترميم صدوعها التى حفرتها الأزمات والمحن خلال الفترة الماضية، وبحكم معرفتي وصداقتي لـ (ياسر) على يقين أنه لو كان يملك أكثر كان تبرع أكثر، ولكن وكما ذكرت العاطفة هنا أهم من النقود والقدوة أهم من المال.
(ياسر) بعد أن أعتلى قمة المجد والنجومية، اعتلى الآن قمة الوطنية، حيث تراجع الفنان (ياسر جلال) إلى الخلف، وظهر المواطن العادي (ياسر محمد جلال أحمد توفيق)، من الآن فصاعدا سوف يصبح مواطن أولا وفنان بعد ذلك، المواطن يقرر، والفنان ينفذ القرار، وضرب (ياسر) المثل في سلوكه كفرد عادي، تراجع فنه إلى مجرد وسيلة نحو هدف أكبر وهو تعبئة العواطف بالتضحية وتعبئة الخزائن بالنقود على قدر المستطاع حتى ولو كان ضئيلا مقارنة بأصحاب المليارات الذين يضنون على أوطانهم ولو بجنيهات قليلة.
أعطى (ياسر جلال) خلال الساعات الماضية نموذجا لما يستطيع الفنان أن يفعله لبلده، نموذج قليل لكن شهده التاريخ من قبل عشرات المرات، وسوف يشهده مئات المرات، الفنان سواء كان أديبا أو موسيقيا أو رساما أو كاتبا أو صحفيا أو مطربا هو أكثر من يحب بلده من أبناء بلده، فهو يستطيع أن يحب بلده في ساعة حبا لا يستطيعه غيره في سنة، ويستطيع أن يترجم لك الوطنية إلى أشياء بسيطة مفهومة، إلى هواء نقي تتنفسه وأرض حرة تعشقها، وفن جيد صادق يمس المشاعر، لهذا السبب فإن الشخص عندما يصبح فنانا فإنه يتحول إلى نموذج وقدوة، إلى رمز، رمز لكل ما هو جميل وباق ومحبوب ومستمر في بلده.
وياسر جلال نموذجا ورمزا، والحقيقة أنه منذ بدأ مشواره الفني، وهو نموذجا ورمزا بالفن الهادف الراقي الذي يقدمه، الفن الذي يبني ولا يهدم، الفن الذي ينتصر للخير والحب والجمال، الفن الذي يجعل المواطن العادي يحب بلده أكثر وأكثر، الفن الذي يرتفع بمستوى أداء الممثل إلى مرتبة الأدب، ورقي التعبير المتعفف عن الابتذال، التعبير الجمالي الذي يغرينا بتذوقه، وأثناء التذوق نتفهم معنى هذه الحركة أو تلك، وطريقة أداء هذه العبارة أو تلك.
شكرا (ياسر جلال) إنك أيقظتنا خلال الساعات الماضية من غفوتنا، وجعلتنا نفكر كيف نخفف عن بلدنا ما تمر به حاليا، وما نستطيع تقديمه لها لتعود قوية كما كانت وأكثر، وتعالوا معا نردد أغنية أم كلثوم (بنى الحمى والوطن، من منكم يحبها مثلي أنا، مثلي أنا، نحبها من روحنا، ونفتديها بالعزيز الأكرم، من عمرنا وجهدنا ومالنا)! والحب هنا ليس كلام، ولكنه فعل وعمل.. تحية تقدير واحترام لفنان أحب وطنه فأحبته الجماهير وتوجته نجما في الأداء الاحترافي الجاد.