كتب: محمد حبوشة
لاشك أن الفنانة (دينا الشربيني) فقدت جزءا كبيرا من بريق نجوميتها في مسلسل (آخر دور) حين لجأت إلى أسلوب البرودة في الأداء وتكرار مشاهد من مسلسلات وأفلام سابقة لها وكأنها تعمل في هذا المسلسل بمنطق السبوبة، فقد انتهى عرض الحلقة الأخيرة من المسلسل المصري قبل أسبوعين تقريبا دون مشاهد تتمتع بالفاعلية في الأداء الاحترافي، وعلى الرغم من تصدره الأعلى مشاهدة عبر منصة (شاهد) مؤخرا، خاصة مع اقتراب النهاية التي كانت قدمت حلولا لكل الألغاز دفعة واحدة وفي دقائق معدودة، مع أنه كان ينبغي التمهيد لها قبل الحلقة الأخير بحلقتين على الأقل حتى يخلق نوعا من الإثارة المطلوبة في 12 حلقة فقط.
دارت الأحداث حول الشابة (روان/ دينا الشربيني) التي تتهم بقتل زوجها، ليتم الزج بها في السجن لفترة قبل أن تثبت براءتها وتقرر البدء من جديد بعيدا عن الشائعات على أمل أن تنجح بالعودة إلى حياتها الطبيعية، وفي ليلتها الأولى، تُفاجأ بامرأة غريبة تطرق باب منزلها، وخلال دقائق تكون الضيفة قد سقطت من شرفة المنزل في الطابق الأخير، ومع أن الأمر يصبح محل اهتمام الإعلام، لكن (روان) تقرر ألا تخبر الشرطة حقيقة ما جرى خوفا من اتهامها ظلما مرة أخرى، وفي الوقت نفسه يبدأ رجل غريب بمطاردتها بحثا عن متعلقات القتيلة، فإذا بها وقد تورطت بأشياء لا علاقة لها بها.
تدور تلك الأحداث بالتزامن مع قصص جانبية أخرى قد يتقاطع بعضها مع الحبكة الأساسية، جدير بالذكر أن معظم تلك الخيوط الدرامية يغلب عليها التشويق والإثارة، مما أضفى على المسلسل حالة من الترقب ساهمت في رفع نسب مشاهدته خلال الحلقات الأولى إلى حد ما، خاصة مع سرعة التصاعد الدرامي بالأحداث حلقة تلو الأخرى، ورغم النجاح الظاهري الذي حققه المسلسل، فإن (آخر دور) عانى من ثغرات فنية خفضت من مستواه رغم بدايته المبشرة، وهو ما نتج عنه نقاشات واسعة على منصات التواصل الاجتماعي بسبب اختلاف الآراء بين الاستحسان والامتعاض.
نقطة الضعف الأولى بالعمل كانت في ما دارت حوله الحبكة الأساسية حيث الإطار البوليسي وعالم الجريمة المشحونة بالغموض، فمع أن القصة نفسها يعتريها التشويق وربما تستحق أن تلقى رواجا بحجم موهبة دينا الشربيني، فإن شريحة من الجمهور أصيبت بحالة من التشبع التام خلال عام 2022 من المسلسلات التي أتت على شاكلة (آخر دور)، فعلى سبيل المثال، تشابهت حبكة مسلسلات مثل (منعطف خطر، ستات بيت المعادي، الليلة واللي فيها، ستيليتو، وعد إبليس، منورة بأهلها) وغيرها من المسلسلات التي حققت نجاحا كبيرا من حيث الشكل والمضمون.
العيب الثاني: رغم الإيقاع السريع وتلاحق أحداث السرد الدرامي حيث الاكتشافات الجديدة كل حلقة في البداية والذي حال دون شعور المتفرج بالملل، فإن الخطوط الدرامية الكثيرة التي طرحها (آخر دور) تبين أن بعضها لا أهمية له على الإطلاق، ولم يلعب دورا في إثراء القصة الأساسية في شيء، وبالتالي فإن لو تم حذفها تماما لم يكن ليشكل أي فارق درامي، بل أن ذلك كان من شأنه جعل المسلسل أكثر تكثيفا وربما أكثر قوة ونجاحا، ومن بين الخطوط الدرامية التي لم تكن لها أية أهمية قصة (أحمد بدير)، الجار السكير الذي على خلاف مع ابنته لا نعرف عنه شيئا، لكننا نشهد فقط نتيجته عبر مشاهد مبتورة بشكل واضح وبأداء قد يوصف بـ (المفتعل).
أيضا قصة زواج (رياض الخولي) من فتاة تصغره بغرض الاستيلاء على أمواله وهو ما لم نعرف ما جرى به بالنهاية أو جدواه بالأساس، وكذلك قصة الارتباط السابق لنهى عابدين بشاب يطاردها للرجوع إليه، في ظل اعتراض والدته على تلك العلاقة ورفض الشابة معاودة الارتباط به، أما دور الإعلامي المعروف (طارق عبد العزيز) الذي تعمل البطلة مساعدة له، فلم يكن ذا حيثية تذكر بالرغم منه أنه كان يمكن استغلاله لخدمة الحبكة الأصلية، ويظل الخط الدرامي الخاص بالفنانة (ميمي جمال)، الأجمل والأصدق والأكثر إنسانية، أفضل حتى من الحبكة الأساسية بما يستحق أن يفرد له عمل درامي كامل.
فقد أجادت (ميمي) لعب دور المرأة المسنة التي يحاول من حولها استغلالها فتقرر أن توهمهم بإصابتها بالجنون لحماية نفسها، وحين تأتي البطلة (روان) للسكن بجوارها تستعين بها للهروب من المنزل، لكن لسوء الحظ تتورط (ميمي جمال) بإخفاء متعلقات القتيلة، وهو ما جعلها بالضرورة تدفع حياتها ثمنا له، بالطريقة نفسها التي راحت ضحيتها الفنانة الراحلة (سعاد حسني)، مما أعاد للمشاهد ذكريات حزينة للكثيرين وأعاد فتح قضايا لم يغلقها الزمن، ولكل ما سبق، يمكن القول إن (ميمي جمال) كانت الأفضل من حيث الأداء التمثيلي وصدق الإحساس، وموتها خلال الحلقات أفقد العمل جزءا من رونقه وأصالته.
كيفما كان العمل الدرامي وخط سيره والانطباعات المكونة حوله طوال فترة عرضه، يمكن للنهاية أن تقلب كل الموازين وتغير الآراء سواء بالسلب أو الإيجاب، لكن الحال في (آخر دور) كحال بعض صناع المسلسلات العربية يعانون من مشاكل في ما يخص كتابة نهايات أعمالهم، فيميل بعضهم إلى النهايات المفتوحة هربا من فخ الاضطرار للابتكار، أو يقوم آخرون بحل كل المشكلات جملة وتفصيلا فإذا بجميع الأبطال وقد عاشوا في سعادة أبدية، وبالحالتين تصبح النهاية غير مرضية جماهيريا، لهذا فإن النهاية لم تأت منطقية على الإطلاق، فمن جهة أُصيبت الحلقة الأخيرة بتخمة من كثرة الأحداث، كما لو أن أصحاب العمل فوجئوا بضرورة إنهائه عند الحلقة 12، فإذا بكل الألغاز تتفكك خلال الدقائق الأولى من الحلقة الأخيرة، فنعرف من ارتكب كل تلك الجرائم ولماذا، بل ويقدم الجناة اعترافاتهم بطريقة ساذجة، وعلى طريقة نهاية فيلم (ملاكي إسكندرية) اكتشف الضابط (أحمد متولي/ أحمد خالد صالح) أن (روان) و(خديجة/ مهما نصار) قامتا بقتل (كريم) زوج (روان) عن طريق مادة سامة وضعوها له في الماء والعصير، وأنه خدع في براءة (روان) بعد ظهور شاهدة قالت إنها صديقة (كريم) واتضح أنها صديقة (روان وخديجة) ليقبض على (خديجة) ويذهب بنفسه للقبض على (روان)، لكنها تكون قد هربت قبل وصوله لها في إشارة إلى نهاية مفتوحة تمهد لجزء ثان من المسلسل، وربما لم يعلن صناع العمل عن الجزء الثاني حتى الآن، لكن فكرة النهاية وهروب (روان) فضلا عن والد زوجة (أحمد متولي) وكونه رجلا فاسدا، كلها أمور لا تزال لم يتم الإجابة عليها، وهو ما قد يفتح الباب لتقديم جزء ثاني يبدوا أن صناع العمل عازمون عليه.
كذلك تتكشف أسرار الخيوط الدرامية الجانبية بطرق أكثر سرعة وبساطة، ومع اقتراب نهاية الحلقة تحدث مفاجأة يظنها أصحاب العمل مدوية لكنها للأسف كانت متوقعة منذ الحلقة الأولى، حتى أنها تتطابق مع نهاية مسلسل (المتهمة) الذي عرض قبل (آخر دور) بشهر تقريبا، كما يبدو واضحا أن الممثلة (دينا الشربيني) لم تنجح في استغلال هذا المسلسل للعودة إلى صفوف نجوم الصف الأول، خاصة وأن أعمالها الدرامية مؤخرا لم تكن موفقة، آخرها مسلسلات (لعبة النسيان، قصر النيل، مشوار)، ورغم محاولتها التركيز على اختيارات مشاريع فنية مميزة، فإن خيبة الأمل التي أصابت شريحة من المشاهدين بسبب النهاية المتواضعة وضعف الأداء التمثيلي لبعض طاقم عمل مسلسل (آخر دور) بالإضافة إلى ركاكة الحوار، وهو ما لم يساعد الشربيني في مهمتها.
بقى أن أقول أن المسلسل إخراج حسين المنباوي، تأليف وسام صبري، وبطولة دينا الشربيني، ورياض الخولي، وأحمد بدير، ويدور في إطار بوليسي اجتماعي ويستعرض العمل علاقة (روان) التي تسكن في الدور الأخير بإحدى البنايات بالجيران، والمشكلات التي يتعرضون لها على المستوى الشخصي، وتتشابك الخطوط الدرامية بشكل مثير بين الصراع والحب والفقد والعلاقات الاجتماعية المدمرة لأصحابها، لتنسج في النهاية حكاية مؤثرة لكل شخصية؛ مما كان يمكن أن يصنع جرعة مكثفة من الدراما التي تتمتع بالإثارة والتشويق.