بقلم: بهاء الدين يوسف
أعتذر بداية عن استخدام كلمة بالغة القسوة عنوانا لهذا المقال لكنها للأسف قد تتناسب مع أداء الصحفيين والمصورين الفضوليين الذين يصطلح على تسميتهم في الغرب (باباراتزي) في التغطية المخجلة أخلاقيا ومهنيا لوفاة (وديع) نجل المطرب الشهير (جورج وسوف)، ليستمروا في مواصلة الأداء المهين لكل أصحاب القلم في الفترة الأخيرة خصوصا العرب منهم الذين أثبتوا أنهم لا يعنيهم في الدنيا مشاعر الناس، ولا خصوصيتهم ولا حتى أحزانهم مقابل الحصول على صورة من عزاء يمكن بيعها بعشرات الدولارات أو بالمئات منها للمواقع والصحف الصفراء التي تحولت في الوقت الحالي إلى واجهة للصحافة العربية ضاربة عرض الحائط بكل القيم الأخلاقية التي تعلمناها على أيدي أساتذة المهنة منذ أن كنا شبابا يافعا.
خلال الأيام الماضية تابعت بعض تغطيات المواقع والصحف العربية والمصرية لفاجعة المطرب السوري الشهير (جورج وسوف) في وفاة نجله الأكبر الذي يكنى باسمه (وديع) في ريعان الشباب وإثر جراحة بسيطة لتكميم المعدة، وكان أكثر ما لفت انتباهي ملاحظتين أساسيتين، الأولى هى حالة الانهيار شبه الكلي التي كان عليها (وسوف) وهى مفهومة نظرا لما سمعته من أنه كان يعتبر وديع ابن عمره وصديقه المقرب، حيث كان أكثر أولاده قربا منه في حله وارتحاله، أما الأمر الثاني فهو حجم الإسفاف والتدني في التغطية الصحفية للحدث والجنازة وبحث صحفيوا (الباباراتزي) عن كل التفاصيل السخيفة، ما يعكس ليس فقط انعدام المهنية لديهم في زمن عادت فيه الصحافة مثلما بدأت مهنة من لا مهنة له، ولكن وهذا هو الأهم والمؤسف انعدام الإحساس والضمير لدى أغلبهم.
وبدلا من التفكير في كلمات وأخبار تعكس مواساتهم للمطرب الشهير في مصابه الأليم، تبارى هؤلاء في تصويره وهو منهار داخل السيارة التي حملت نعش ولده، ثم مطاردته في كل لحظات الجنازة والعزاء، مرورا بعمل ضجة مفتعلة حول قيام أحد المقرئين بقراءة القرآن في العزاء الذي أقيم في إحدى كنائس بيروت بحكم أن أن جورج مسيحي الديانة، ثم تفننت المواقع الصفراء في تفسير ذلك التصرف وهل (وسوف) هو من طلب من القارئ قراءة القرآن؟! وما الذي يعنيه هذا الأمر.
مصطلح ووظيفة (الباباراتزي) ظهر في الغرب وتحديدا في أمريكا في فيلم (لا دولتشي فيتا) للمخرج الإيطالي الشهير (فيديريكو فيلليني) الذي أنتج عام 1960، وحمل البطل وهو مصور صحفي فضولي اسم (باباراتزو) المشتق من الكلمة الإيطالية (باباتاسيو) التي تعني (البعوضة اللحوحة أو المزعجة)، لكن المصطلح انتشر عربيا خاصة في السنوات الأخيرة بعد ظهور الهواتف النقالة المزودة بكاميرات، حيث بات الحصول على انفراد صحفي بمعايير الصحف الصفراء لا يحتاج إلا هاتف وضمير ميت بجانب التواجد في وقت ومكان صنع الحدث، وبعدها يمكن أن يكسب (البعوض اللحوح) الكثير من المال ولا يهم عمق الأزمات النفسية التي يمكن أن يصاب بها من قام بتصويرهم، وهذا التصرف تحديد يخالف واحدا من أهم المواثيق الأخلاقية التي كان العاملين بالمهنة يلتزمون بها حين كانت الصحافة لا تزال من المهن المرموقة في المجتمعات العربية، والذي يقول أن (الشخص الذي لا مبدأ له، لا يصلح أن يكون صحفياً، والشخص الذي لا أخلاق له يفسد المهنة).