بقلم الإعلامية الكبيرة: هدى العجيمي
منذ أن كنت طفلة صغيرة وأنا أعشق السينما وكنت وأنا صبية في سن المراهقة أفضل الأفلام الغنائية أو الاستعراضية لما فيها من إبهار المناظر والحركة ولما فيها من ألحان جميلة تأخذ الإنسان إلى رحلة كونية وعافية تتناسب مع أعمارنا في ذلك الوقت، وعندما بدأت أكتب هنا في موقع (شهريار النجوم) أعطوني الحرية المطلقة في كتابة ما أشاء من موضوعات تهم القارئ وفهمت أنه علينا أن نقدم للقارئ معلومات تهمه، وفي الوقت نفسه شيئا من الترفيه يسري عنه في هذه الظروف التي نعيشها ونشكوا فيها من كل شئ يحيط بنا.
وعن يقين وعن قصد اخترت أن أكتب عن هذا العالم الأسطوري الخيالي الرائع وهو (السينما) وكل ما يتعلق بها، فبدأت من خلال برامجي الإذاعية التي عاشت معي سنين، فتشت عن شرائطي القديمة فوجدت فيها كنوزا من المعلومات والأحاديث والذكريات التي كانت سجينة في دهاليز مكتبة الإذاعة ولم يفرج الا عن عدد قليل أعانني الله على إنقاذه، وكانت أهم الشرائط تحمل برنامج بعنوان (مشوار حياتي) تحدث من خلاله القمم في كل المجالات ومنهم الفنانون فنقلت لكم ذكريات المخرج الكبير نيازي مصطفي والمخرج الكبير زكي طليمات ثم الممثل القدير عبد الوارث عسر، ومايزال في الجراب مذكرات أخرى ممتعة، ثم منحتني مكتبتي المنزلية هدية كبيرة جدا بوجود عدد من الكتب المهمة عن الغناء والمسرح والسينما إلى جانب هوايتي الأولي وهى الكتب الأدبية ومن مكتبتي أطلعكم على كتاب مهم جدا عن الفن السينمائي وهو كتاب (قصة السينما في مصر) الذي كتبه الأديب والناقد الكبير الأستاذ سعد الدين توفيق، الذي دون فيه كل ما يتعلق بنشأة الفيلم المصري منذ يوم 16 نوفمبر عام 1927 وحتي الستينيات وما بعدها بقليل.
وكانت المقالات الماضية تشير إلى تلك المسيرة الخالدة للسينما المصرية، وقد أشرت في بداية هذه المقالة إلى ميولي السينمائية ومزاجي وذائقتي الفنية هى تنصب علي الفيلم الغنائي، فإذا أردنا العودة إلى تا يخ الفيلم المصري نجد فصلا عن الفيلم الغنائي، عندما بدأت موجة الفيلم الغنائي قدم محمد كريم فيلم (دموع الحب، ويحيا الحب، ويوم سعيد، وممنوع الحب، ورصاصة في القلب)، وقام ببطولتها كلها (محمد عبد الوهاب)، وفي كل فيلم من هذه الأفلام قدم محمد كريم عددا من الوجوه الجديدة، بل أنه في كل فيلم يقدم بطلة جديدة أمام محمد عبد الوهاب فظهرت (نجاة علي وليلي مراد، ورجاء عبده، وليلي فوزي لأول مرة علي الشاشة) ثم أصبحن جميعا من ألمع كواكب السينما، وكان فيلم يوم سعيد هو أول فيلم تظهر فيه (فاتن حمامة)، وكان فيلم (رصاصة في القلب) هو عن أول قصة تظهر في السينما لتوفيق الحكيم.
ونحن الآن عندما ننظر إلى الفيلم الغنائي نجد أنه ما يزال يسير في نفس الخط الذي رسمه محمد كريم في أفلامه الغنائية في الثلاثينات، فقد كان محمد كريم هو أول مخرج يعالج مشكلة الأغنية في الفيلم، فماذا كانت شروط محمد كريم لكي يقدم الأغنية في السينما؟، أولا: لابد أن تكون الأغنية قصيرة ولا يزيد طولها عن عن خمس أو ست دقائق، ثانيا: ترك محمد كريم الكاميرا تواجه المطرب دون أن يغير الزاوية إلى أن ينتهي الكوبليه وعندما يبدأ الفاصل الموسيقي في الأغنية ينتقل بالكاميرا لتصوير الأماكن المحيطة، ومنذ أن وضع محمد كريم هذه القواعد أصبحت دستورا احترمه كل المخرجين فيما بعد، ولهذا فإن الأغنية السينمائية لم تتطور على مدي سنوات طويلة.
ولهذا يعتبر محمد كريم هو المسئول الأول عن وضع التقاليد التي سارت عليها الأغنية في الفيلم المصري، وفي فيلم (يوم سعيد) قدم عبد الوهاب لأول مرة أوبريت في السينما، وكان عبارة عن مشهد من مسرحية أحمد شوقى (مجنون ليلي)، وقام عبدالوهاب بأداء دور (قيس) غناءا، كما قامت أسمهان بدور (ليلي) غناء، وسمع المفرد صوتهما بينما ظهر على الشاشة ممثلان آخران قاما بدوريهما أحمد علام في دور (قيس) وفردوس حسن في دور (ليلي) مع عباس فارس في دور (الأب) أي والد (ليلي) غناءا وتمثيلا، ونجحت هذه التجربة نجاحا كبيرا، وأصبحت تقليدا متبعا في معظم الأفلام الغنائية في تلك المرحلة.
وفي نفس الوقت ظهرت ثلاثة أفلام غنائية حققت نجاحا كبرا وهى (انتصار الشباب) الذي كان أول فيلم ظهر فيه (فريد الأطرش وأسمهان) وأخرجه أحمد بدرخان، وانتهي هذا الفيلم بأوبريت (الشروق والغروب)، والفيلم الثاني هو فيلم (ليلى) الذي قامت ببطولته ليلى مراد دمع حسين صدقي واستمر عرضه 16 أسبوع، وبذلك حقق رقما قياسيا في السينما المصرية، وكانت قصة الفيلم مأخوذة عن قصة (ألكسندر ديماس) المشهورة (غادة الكاميليا) قد انتجت هذه القصة بعد ذلك عدة مرات في السينما المصرية، أما الفيلم الثالث فكان (سلامة) الذي قامت ببطولته أم كلثوم مع يحي شاهين، وهو مأخوذ من قصة علي أحمد باكثير (سلامة القيس)، والفيلمان الأخيران من إخراج توجو مزراحي.
وفي هذه الفترة ظهرالمخرج نيازي مصطفي الذي درس السينما في ألمانيا وقدم فيلم (مصنع الزوجات) الذي كانت بطلته كوكا ومحمود ذو الفقارالذي تحول إلى مخرج فيما بعد، وليلي فوزي ومحمد توفيق وأنور وجدي وكان فيلم (مصنع الزوجات) هو أول فيلم فكاهي استعراضي مصري.