إحياء المسرح المدرسي.. مبادرة لإنقاذ طلابنا من الضياع
كتب : محمد حبوشة
قال شكسبير: (أعطني مسرحا أعطيك شعبا عظيما).
تلك المقولة تؤكد أن المسرح هو حياة أخرى تجسدك وتجسدني وتجسد أفكارنا وخيالاتنا وأحلامنا، واليوم وأكثر من أي وقت مضى تبدو الحاجة ماسة إلى المسرح، ففي زمن التواصل (اللا إنساني) الذي فرضته التكنولوجيا الحديثة، يغدو المسرح مكان اللقاء الإنساني بامتياز، سواء من حيث التفاعل بين العاملين فيه، أو بينهم وبين الجمهور، أو بين الجمهور نفسه حين يخرج من الصالة مزدحما بالأفكار والأسئلة، وهل ثمة أجمل من حرارة التواصل المباشر بين البشر الذين جعلهم الله شعوبا وقبائل ليتعارفوا، أي ليتلاقوا ويتحاورا ويتناقشوا في كل ما يخص حياتهم المشتركة؟.
وفي زمن جعلته القوى المهيمنة زمن صراعِ الحضارات، تغدو تلك الحاجة (إلى المسرح) ملحة أكثر، لأن عالمنا يتعرض إلى عملية تدمير ممنهجة من خلال فرض ثقافة وحيدة سائدة تحت شعار عولمة متوحشة، جعلت الكوكب كله بمثابة (سوبر ماركت) هائل، والإنسان مجرد زبون تقاس قيمته بقوته الشرائية لا بقوته الفكرية والإبداعية، وفي ظل هذا الواقع الذي تسلع فيه كل شيء، يقف المسرح المنفتح على الفنون جميعها، والقادر على الاستفادة من العلوم جميعها، يقف في خط المواجهة الأمامي، لأنه لا يستطيع أبدا التخلي عن القيم الإنسانية الفكرية والروحية والمعنوية التي تشكل جوهر وجوده وسر استمراره عبر الزمن.
ولأن للمسرح آثار تربوية لا تخفى على مبصر واع يدرك أهمية النشاط المدرسي، الذي يعد المسرح دعامة من دعاماته، وفق برامج هادفة تخطط لها مؤسسات التعليم تخطيطا مدروس الجوانب المتكاملة، أسوة بالعمليات التربوية التي تسعى جاهدة لتكوين شخصية أبناء المدارس بصقل مهاراتهم، عن طريق تنمية ملكاتهم وقدراتهم بشتى وسائل رفع قدراتهم المعنوية، تعزيزا لمبدأ الشجاعة الأدبية، السبيل الأمثل لعلاج الخجل، والانزواء بعيدا عن الآخرين خوفا من تعليقات الأقران السالبة أحيانا، حيث يسود التوجس، والرهبة، والتخوف.
يقولون: المسرح أبو الفنون، ففي داخل حجرات الدراسة أكثر من موقف سلوكي، تعليمي تربوي من خلال المواد الدراسية المختلفة في مقدمتها حصص اللغة العربية بمهاراتها، القراءة، الكتاب، التحدث، الإملاء، الاستماع، وهذه كلها تتكامل عند التعبير الشفهي و التعبير الكتابي كونه النشاط اللغوي الذي يمثل ركيزة التربية عبر مجالات متعددة يلعب المسرح فيها الدور الرئيس، مضمونا مرة، وشكلا مرة أخرى، لذلك جاءت فكرة مبادرة (إحياء المسرح المدرسي) من جانب وزراة التربية والتعليم بدعم قوي من جانب (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية)، وذلك بوضع برامج خاصة تناسب الفئات العمرية من مرحلة لأخرى، مستعينة بخبرات بعض منسوبيها الذين تبعثهم إلى دورات تدريبية لنيل دراسات في المسرح لتفعيل نشاطه بتأسيس فرق مدرسية، ومناطق تعليمية توفر لها جميع المقومات، فتزدهر حركة المسرح خاصة بوجود تربويين ميولهم مسرحية يصنعون من مناهج الدراسة أعمالا تربط طلابهم ببيئتهم المدرسية .
المبادرة جاءت في ضوء تكليفات الرئيس عبد الفتاح السيسي باكتشاف الموهوبين ورعايتهم، تم تخصيص يوم كامل من كل أسبوع لممارسة الأنشطة الرياضية والفنية والثقافية حتى يكتسب كل طالب الذوق العام واللياقة البدنية اللازمة ومنح الفرصة لاكتشاف الموهوبين ورعايتهم بالتعاون مع الوزارات ذات الصلة، وخاصة من جانب وزارة الثقافة ووزارة الشباب والرياضة حتى يكون لدينا فنانين عظام ورياضيين قادرين على المنافسة العالمية.
ومن أهم أهداف مبادرة (إحياء المسرح المدرسي) أنه يعين الطالب على التعليم، فيشعر بالمتعة، وتزداد قابليته لتلقي الدروس، كما أن المسرح يبسط مواد الدراسة عبر (مسرحة المناهج) بأساس تربوي، ومن ثم تنمو حاسة الذوق الفني والجمالي لدى الطالب، يكتسب طالب العلم الشجاعة الأدبية، التي تقوي ثقته بنفسه، كما يغرس المسرح روح الانتماء إلى الجماعة، والتعاون معها، وبالتأكيد ستتوفر في الطالب مهارات التواصل اللغوية، والإسهام في حل مشاكل المجتمع وإصلاحها، فضلا عن تقوية علاقات الطالب ببيئته المدرسية من زملاء، ومعلمين، وتوجيه طاقات الطالب توجيها سليما يكون منه شخصية اجتماعية واعية، بلإضافة إلى تنشيط حواس الطالب السمعية والبصرية، وتربية الطالب على الانضباط والنظام وحسن التصرف.
ولنا أن نعرف أن المدارس في الدول المتقدمة تولي اهتماما كبيرا بالأنشطة المسرحية وتختلف مضامين هذه الأنشطة باختلاف المراحل العمرية المؤدية لها، فيتحول المسرح إلى وسيلة تعليمية تعلمية وتربوية أكثر من غاية أدبية وفنية، وعليه لا ينتظر من مسرح المرحلة الابتدائية تخريج ممثلين صغار بقدر تنمية قدراتهم في العملية التعلمية، فالعلاقة بين المسرح والتربية علاقة وثيقة وعميقة وليست أبدا علاقة سطحية أوغير مباشرة، فالمسرح مدرسة للأمة لأنه من الفنون الأدائية التي يستعين بها الفرد للتواصل مع الآخرين لنقل الخبرات وتعليم السلوكيات الأخلاقية والمثل العليا، وفي الغالب تكون هذه الأداءات نشاطات ثقافية يتمرس فيها التلاميذ على إلقاء القصائد والتمرن على الحوار والنقاش، وإنشاد الأناشيد والتدرب على التمثيل المسرحي وغير ذلك من أنواع النشاطات المدرسية.
ومن هذا المنطلق آمنت وزارة التعليم المصرية بالتعاون مع (الشركة المصرية للخدمات الإعلامية) بأهمية (المسرح المدرسي) الذي يلعب دورا كبيرا في نجاح العملية التربوية التعليمية في مختلف المجالات النمائية للطلاب، لهذا أطلقت هذه المباردة التي تتواكب مع (مصر الجديدة) والتي تستحق منا جميعا الدعم والمساندة، فمن أهم الفوائد التي يحققها (المسرح المدرسي) هو العمل على تطوير شخصية الطالب من عدة جوانب، وأهمها ما يأتي: التطور الاجتماعي ينقل المسرح الكثير من القيم الاجتماعية للطلبة، ويحدث التغيير الاجتماعي الإيجابي عن طريق زيادة قدرة الطلاب على فهم وطرح أهم القضايا والمواضيع التي تحتاج للمناقشة والنقد بالنسبة لهم، والتي تُؤثر عليهم اجتماعيا.
كما يشار إلى الدور الفعال للمسرح في زيادة قيمة التسامح لدى الطلبة من خلال طرح نماذج إيجابية لطرق التعامل والتفاعل بين الأشخاص، كما أن التطور العاطفي يزيد المسرح المدرسي نسبة الحماس والاستمتاع لدى الطلاب سواء كانو من المشاهدين أو المشاركين، كما يساعد على تطوير قدرتهم على تنظيم الذات، وفهم المشاعر، والتحكم بها، من خلال تقديم نماذج حيّة انفعالية في مجالات متعددة تُوضح كيفية التعامل العاطفي مع المواقف المختلفة.
تلاميذ المدراس في (مصر الجديدة) يستحقون فرصة للتعبير عن المشاعر، مثل إظهار التعاطف عند مشاهد معينة، مما يزيد من الذكاء العاطفي لدى الطلبة، وأيضا يمكنهم المسرح من ممارسة استراتيجيات التفكير الناقد لتحليل السلوكيات والمشاعر وتقيمها، والذي ينتج عنه فهم أكبر للنفس والمشاعر، ولعل التطور الأكاديمي يطور المسرح قدرة الطلاب اللغوية والمعرفية مما ينعكس على المستوى الأكاديمي، إذ يشار إلى أن الأطفال المنخرطين كأعضاء في المسرح المدرسي يظهرون فهما أوسع للمعاني والجمل خلال القراءة، كما يظهرون التزاما وانخراطا كبيرا في الدوام المدرسي، مما يحقق التطور الأكاديمي في المراحل الدراسية المختلفة، ناهيك عن أن المسرح ينمي (الخيال) لدى الطلاب، ومهارات التفكير والإبداع، من خلال تصور مشاهد معينة في ذهن الطلاب ومحاولة تمثيلها على المسرح بصورة معبرة، كما قد تكون هذه المشاهد اجتماعية، أو ثقافية، أو دينية، حيث أن هذا التنوع يَفسح المجال لخيال أوسع وأكثر إبداعا.
ولأن التجربة تستحق الدعم كما قلت سابقا، فقد بادر الكاتب والشاعر والسيناريست المبدع (مدحت العدل) بتقديم عرض شيق يحمل من العذوبة والمعاني الجميلة والمشرقة بالأمل في غد أفضل الكثير والكثير، وبدعم من نجوم مصر الواعين بأهمية تلك المبادرة، جاء العرض المسرح الاستعراضي الغنائي (تقدر) الذي استمتع به جمهور دار الأوبرا المصرية، والذي يأتي ضمن مبادرة وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع وزارة الثقافة وبالمشاركة مع قنوات مدرستنا، وبرعاية الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، لإحياء المسرح المدرسي، واستمر العرض على مدار يومي السبت والأحد 7 و8 يناير الجارى.
وضم العرض مجموعة من نجوم الفن هم: (يسرا، كارول سماحة، أكرم حسني، حنان مطاوع، محمد فراج، أسماء أبو اليزيد، محمد الشرنوبي، أحمد الرافعي، فريق بلاك تيما، وكورال الشرق)، وهو من تأليف مدحت العدل، ومن إخراج بتول عرفة، والعروض الموسيقية من ألحان إيهاب عبد الواحد وموسيقى ميشيل فاضل، وشارك بالعرض 7 أطفال تم اختيارهم من بين 2300 طفل تقدموا من أصحاب المواهب الفنية من داخل المدارس المصرية، وقامت المخرجة (بتول عرفة) بإدخال الأطفال في ورش فنية استمرت لأشهر من أجل صقل مواهبهم في التمثيل، وتدريبهم على مخارج الألفاظ، وعلى أداء المعارك الحربية التي تضمنها العرض، وناقشت المسرحية عدة قضايا من خلال الاستعراضات المسرحية مثل (رفض التنمر والتعصب وزرع الثقة في نفوس الطلاب للسعي وراء تحقيق أحلامهم).
أجمل مافي هذا العرض أنه يأتي بمثابة رحلة لإلهام الطفل المصري من خلال ماضيه العريق وحاضره المتطور على إيجاد حلمه الخاص والسعي لتحقيقه، ويعتبر العرض المسرحي (تقدر) هو أول عرض قائم من بدايته وحتى نهايته على المؤثرات البصرية والهولوجرام، ونفذ تقنياتها (محمود صبري) أحد أهم الأعلام في مجال السينوغراف والحاصل على جائزة الدولة للإبداع الفني في روما بعد تصنيعه أول جهاز هولوجرام مصري، وقد ظهرت الفنانة (يسرا) في فقرة خاصة مع الأطفال للحديث معهم عن ضرورة الانصات للآخر بجانب حديثها عن تاريخ مصر القديم، عقب ذلك قدم فريق (بلاك تيما) فقرة غنائية مع الأطفال للحديث عن انشغال الكثير بالتريند والهاشتاج وكيف تؤثر السوشيال ميديا على حياة الأطفال.
وخلال العرض الشيق تم تسليط الضوء على بعض من علماء مصر ومنهم المهندس (هاني عازر)، وشهد العرض ظهورا خاصا للأديب (نجيب محفوظ) بخاصية الهولوجرام الذي تحدث مع الأطفال عن أهمية القراءة والأدب، بجانب ظهور خاص للاعب العالمي (محمد صلاح) للحديث مع الأطفال عن ضرورة بذل الجهد للنجاح، وقدمت الفنانة (كارول سماحة) لوحة غنائية راقية، فيما قدم (أكرم حسني) فقرة تحدث فيها مع الأطفال عن تفوق المصريين في كافة المجالات، وقدم (محمد فراج) لوحة للحديث عن بطولات سيدات مصر في كافة المجالات، وقدم (محمد الشرنوبي) أغنية خاصة تتحدث عن الأمنيات والقدرة على تحقيقها، وكان هناك ظهور خاص لكل من (حنان مطاوع وأحمد الرافعي) اللذين تحدثا عن لوحة حياة مصر القديمة، وفي ختام العرض المسرحي قدم النجوم جميعهم لوحة غنائية باسم (تقدر).
ومن جانبنا في بوابة (شهريار النجوم نثمن هذه المبادرة حيث سيساهم (المسرح المدرسي) في فتح مجال ومستقبل فني كبير لكثير من نجوم اليوم، وكان اختفائه سببا في قلة المواهب، وصعوبة إتاحة الفرص لطلاب المدارس والمراهقين، ولا ننسى أن (المسرح المدرسي) هو مصنع المواهب والطاقات الإبداعية، وقناة تربوية مهمة في مجال تكوين شخصية الطفل نفسيا واجتماعيا، وتنمية موهبته في التقليد والتمثيل وصقلها، كما يؤسس جيدا لبناء الشخصية المنشودة، ويأتي ضمن استراتيجية بناء الإنسان المصري وهى من أهم محاور رؤية مصر التنموية 2030 التي تهدف لترسيخ مفاهيم (الجمهورية الجديدة) بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يعبر بمصر نحو مستقبل أكثر أمنا وأمانا.. فتحية تقدير واحترام له في كل مساعيه وجهوده التي يبذلها في تحسين أحوال المواطن المصري.