بقلم : محمد شمروخ
مسرحية عن حياة (الشيخ محمد متولى الشعراوي) التى لم ولن تعرض، ها هى الآن قد شكلت فرصة ماسية للعراك حول شخصية وفكر وآراء (الشعرواى)، فلم يفوتها ذلك الفريق المتخصص في إثارة الغبار حول شخصية (الشعراوى) في كل مناسبة ولو لم تأت هذه المناسبة لافتعلوها.
ثم إن القول بأنه لا يجوز حسب القواعد الحاكمة لمنظومة (الفقه الفنى) أن يتم عمل مسرحى عن داعية موسوم عندهم بالتطرف، ويرى أن الفن حرام.
كما وأن حجتهم بأنه صاحب الدعوة لاعتزال الفن وحجاب الفنانات، لا يمكن أن تنهض كمبرر مقنع يتم بموجبه رفض المسرحية، فإن كانوا يرونه – حسب وصف المرحوم يوسف إدريس – بأنه راسبوتين، فلعلهم تناسوا أن (يوسف بك وهبى) جسد (راسبوتين) نفسه في واحدة من أشهر وأنجح مسرحياته!
فما علاقة مواقف وآراء واتجاهات الشخصية المزمع أن يدور حولها العمل الفنى، بالعمل الفنى نفسه؟!
ألا يمكن تأليف وعرض مسرحيات ولو كانت عن عمر عبد الرحمن أوالظواهرى أو حتى بن لادن أو عن أى شخصية أخرى؟!
ثم إنه من ذا الذي نصب نفسه متحدثا باسم الفن ليرفض نصا مسرحيا لمجرد اختلافه مع الشخصية التى تتناولها المسرحية؟!
العجيب أنه تم رفض (مسرحية الشعراوى) من حيث المبدأ، فقد قرر السادة الرافضون تنصيب أنفسهم كقضاة في محكمة تفتيش تم إنشاؤها بفرمان فورى، وقبلها أعلنوا وصايتهم واستأسدوا على أصحاب المسرحية والمسرح معا، سواء كانوا مؤلفين أو ممثلين أو جهات منتجة!
واستخدم السادة القضاة الأوصياء قوة باطشة تعتمد على أنهم أصحاب السلطة المطلقة في تقييم الناس وتقسيمهم ما بين (مستنير) أو (ظلامى).
لن أخوض في آراء (الشيخ الشعراوى)، وليس هنا مجال مناقشتها وإلا فسوف أنزلق لتلك الهوة التى يريدها أولئك الذين يدعون الاستنارة والعقلانية وصاروا رغم أنوفنا حراسا لهيكل الحرية وكهنة قدس أقداس الفن.
فليس هذا مقصدى هنا، إنما القصد هو التنبيه على هذه الجريمة التى ارتكبها حملة أختام الدفاع عن محراب الفن باسم الفن ذاته، فقد أعمت كراهيتهم للشعراوي عقولهم، فإذا بهم وقد ارتكبوا فعلا لا يمكن وصفه إلا بالظلامى والمتطرف، حسب قواعدهم هم أنفسهم.
هل ناقشوا أو طلبوا مناقشة نص المسرحية؟!
هل عرفوا الزوايا التى ستقدم الشخصية من خلالها؟!
الإجابة عن كلا السؤالين وأى سؤال محتمل ستكون بالسلب!
إذن فالرفض ورد من حيث المبدأ!
إذن فهذا ليس تطرفا فقط، بل إرهاب العقول بقائمة اتهامات مجهزة في حال لو تجرأ أحد معترضا على حملة كشافات التنوير وطلب تفسير كيفية الحكم المسبق على نص مجهول!
إذن لا يعرفون كيف سيتم تقديم الشخصية من الناحية الفنية، لا طلبوا النص لطرحه للنقاش؛ في حال الإذعان لهذا الطرح المضحك لو حدث؛ ولا انتظروا حتى يتم تقدينم المسرحية وساعتها ستتاح لا محالة، ألف حجة وحجة لاختلاق أوجه نقص تبرر لهم هذا النقد.
ففى هذه الحالة لن يلومهم أحد، لأنهم سيبدون آراءهم تجاه نص مسرحى متاح للجميع.
لا أدرى كيف يدعى هؤلاء الحرية؟!
كيف يناصرون الإبداع؟!
فها هم قد ثارت ثائرتهم لمجرد ذكر اسم الشعراوى، فقامت القيامة ولم تقعد حتى تم إرهاب الجهة التى أزمعت إنتاج المسرحية وإخراجها للعرض فتراجعت تحت هذه الهجمة الإرهابية (الليبرالية!).
ولكنهم بتسرعهم في هذه الهجمة المحمومة وتحت سطوة غرورهم بالنصر لنجاحهم في إرهاب الجهة (التابعة للدولة) قد أضاعوا فرصة ذهبية أتيحت لهم أن يخوضوا معركة أكبر، في حال لو تم عرض المسرحية، فساعتها كانوا سبصبحون أصحاب قضية عندما يفندوا العمل ويثبتوا فشله بكافة وسائل النقد، ولن يتهمهم أحد بإرهاب الدولة وفرض الوصاية على الجمهور والتطرف العلمانى، حيال تناول شخصية كانت تؤدى دورا دعويا!
تطرف علمانى؟!
نعم فمن أشد أنواع الغباء أن نقصر التطرف على الناحية الدينية وحدها، فالتطرف لا يقتصر على الفكرة، بل هو أكثر التصاقا بكيفية اعتناق الفكرة ووسائل الدعاية لها.
فكل دعوة لها متطرفوها في كل زمان ومكان، دينية، طائفية، مذهبية، فكرية، علمانية، يسارية، ليبرالية.
لكن صرف الذهن إلى أن التطرف قرين الدين وحده، ليس سوى نوع من الخداع، خداع الغير والنفس أيضا!
لقد أعقب تلك المسرحية (المفقودة) عن الشيخ الشعراوى، مسرحية كوميدية على أرض الواقع وجدناها على حسابات فيسبوك وتويتر وبرامج الإعلاميين.
وجدنا أبطال المسرحية الواقعية يتخبطون عقب انتشار خبر عن (المسرحية المفقودة) كمن دارت عليهم أفعى سامة عضا ونهشا ولدغا، فأصابتهم بنوبات تشنج وراحوا يعيدون ما يقال في كل مناسبة عن (الشيخ الشعراوى) ودحض آرائه المشهورة عن بيع الأعضاء البشرية أو التبرع بها وعن موقفه من العقائد المخالفة للإسلام وموقفه من النكسة وغير ذلك مما يثار في كل مرة حتى أصبح ما يرددونه محفوظا ومكررا بطريقة تثير الغثيان!
كان يمكن مناقشة ما يقولون بل والاتفاق مع بعضه والاختلاف مع الآخر، لكن في حال لو كان متعلقا بدراسة عن شخصية وفكر الشعراوى أو لصدور كتاب عنه، لكن تناول حياته في مسرحية أو أى عمل تمثيلي، لا يجوز مناقشته بتلك الطريقة الحانقة!
سيقولون إن المسرحية، لا محالة، كانت ستمجد شخص وتاريخ وفكر الشيخ الشعراوى، علما بأنه هناك مسلسلا من 30 حلقة تطرق إلى كل تفاصيل حياته.
لكن حتى لو تم هذا، أليس هناك مؤلف يريد أن يبدع في تناول الشخصية من خلال رؤيته الدرامية، بانتقاء مواقف ما من حياته؟!
أليس هناك ممثل سوف يؤدى ونستطيع أن نراقب أداءه؟!
فبقواعد النقد المسرحى خاصة والفنى عامة، كان من الممكن أن يتم تناول هذا العمل، حتى لو خرج بعض خصوم الشعراوى عن سياق النقد ولو بالهجوم على شخصه وفكره، ساعتها سنقول إنهم أحرار في تناولهم ويتم الرد عليهم بالطريقة نفسها.
لكنهم جيشوا عددهم وأعدوا عدتهم وهجموا هجمة رجل واحد، انتهت بإجهاض (الفكرة) في رحمها قبل مهدها، فعادوا فرحين مهللين لأنهم نجحوا في إرهاب الممثل والمخرج والمنتج، بل والجمهور!.
هل يبعد هذا عن أساليب المتطرفين دينيا؟!
لكن العقول المغلفة لا تدرك أن التطرف بل والإرهاب، يمكن أن يخرج من فريق يدعى (التنوير!).
فخلاصة الأمر: إن حملة مشاعل التنوير في مصر أصابهم الحنق فراحوا ينتهجون طريقا أشد ظلامية من طريق الظلاميين أنفسهم!.