في ذكرى رحيله نكشف عن بطولة إحسان عبدالقدوس لفيلمه (لا تطفئ الشمس) !
كتب : أحمد السماحي
احتفل محرك البحث (جوجل)، يوم الأربعاء الماضي، بذكرى مولد الكاتب والروائي المصري (إحسان عبد القدوس)، الذي يصادف الأول من يناير من كل عام، وخلال الأيام القادمة نحيي ذكرى رحيله التى تواكب يوم 12 يناير، وبهذه المناسبة نكشف بالصور عن تجربة (إحسان) في التمثيل من خلال بطولة أحد أفلامه المهمة التى كتب قصتها، ما هو هذا الفيلم؟ وهل خرج للنور؟، هذا ما سنعرفه من خلال سطور التقرير التالي الذي نشر في مجلة (الكواكب) عام 1960، ونعيد نشره لأهميته الشديدة، وعدم معرفة الكثيرين به.
في البداية قال (إحسان عبدالقدوس) لمحرر الكواكب الذي حضر أول يوم تصوير لأديب مصر الكبير: الناس لا يصدقون أبدا أنني لا أستطيع التمثيل، يقولون أمه ممثلة، وأبوه ممثل فكيف لا يمثل هو؟، ومن صغري وأنا أقاوم الرغبة في التحول إلى (أرتيست) أنا شاعر إنني لا استطيع إجادة التمثيل، وخوفي من الفشل يجعلني ابتعد بسرعة عن أي عرض للاشتغال بالتمثيل ورفضه، لكن تحت إلحاح صديقي المخرج صلاح أبوسيف، أحببت خوض التجربة.
وأثناء ذلك نادى مدير التصوير (عبده نصر) على إحسان ليضبط عليه الكاميرا فقال له إحسان: تعرف لو ماجبتوش ألف جواب إعجاب بعد الناس ما يشوفوا الفيلم تبقى مصور فاشل، أنا دلوقتي عندي ألف بنت معجبة، لو نقص منهم واحدة تبقى قاصد تهرب مني المعجبات!.
وضحك الجميع لكن (عبده نصر) لم يضحك وعقد ما بين حاجبيه وقال لإحسان بلهجة جادة : (قبل ما تعمل ماكياج أحلق ذقنك الأول، فيه ممثل في الدنيا يقف قدام الكاميرا بدقنه كده)، ورفع إحسان يده يتحسس ذقنه، لقد نسى فعلا، ولم يحلق ذقنه، ولم تمض دقائق قليلة حتى كان الحلاق في طريقه إلى الاستديو.
وأسلم إحسان ذقنه للحلاق وهو يجلس على مقعد المكياج، وبدأ مصور الكواكب يلتقط له الصور لحظة بلحظة، وبدأت عملية المكياج لوجه إحسان، وكان (ميشو) الماكيير يجري بأصابعه وفرشاته على وجه إحسان وهو مبتسم، وعندما شرع (ميشو) بوضع (الريميل) فوق أهداب إحسان قال ميشو لصحفي الكواكب: بلاش تصوروا حكاية الريميل دي مالهاش لازمة، وضحك إحسان وقال له : (أنت زي اللي بيقول له صور دي والنبي، هو دا الخبر يا ابني في الصحافة، إحسان عبدالقدوس يضع الريميل ويمثل وضحك!)، وصورنا إحسان والريميل يوضع في رموشه، والروج الخفيف على شفتيه أيضا.
أنفق إحسان ساعة كاملة في حجرة المكياج، وتناول المشط فمشط شعره بيده، ثم خرج من الحجرة متجها إلى الدور العلوي من الاستوديو، وكان صلاح أبوسيف قد نقل الكاميرا إلى حجرة من الدور العلوي باستوديو نحاس ليصور إحسان، ونقل إلى الحجرة كل الديكور اللازم، الكتب، الصور، الورد، وعندما عدنا إلى الحجرة قال إحسان لعبده نصر : (هيه يا عبده أعجبك كده؟) وضحك عبده نصر وأجاب : (عريس والنبي يا إحسان، نقسم المعجبات بالنص بعد ما تطلع في السينما).
ومن جديد عاد صلاح أبوسيف يشرح لإحسان اللقطات التى سيمثلها، ويتحرك أمامه، شارحا له الحركات التى سيؤديها واحدة بعد واحدة، تقف هنا، تميل على الكتب دي، تاخد واحد من بينها وتبص في الكاميرا، وأنت تبتسم، تتكلم، ترجع للخلف، تقعد على طرف الكرسي كده، تعال نراجع الحوار بقى، وجلس (صلاح وإحسان) يراجعان الكلام الذي سيقوله إحسان أمام الكاميرا.
وسمع محرر الكواكب إحسان يسأل صلاح مازحا: (إزاي يا صلاح أقول مساء الخير يمكن الفيلم يكون بيتعرض في حفلة الصبح؟) ضحك صلاح على نكتة إحسان وقال: يقول ايه أمال يا إحسان؟ أقول: أهلا وسهلا.
وبدأ إحسان كالتلميذ الذي يقف أمام أستاذه يستمع منه إلى قطعة محفوظات، كان من الواضح أن إحسان يغالب أعصابه، ويبذل جهدا لكي ينفذ تعليمات
المخرج، وبدأت البروفات، بعدها بدأ إحسان يمثل، والحق يقال أنه لم يرهب الكاميرا، ولم يتردد، بدأت جمل الحوار التى يقولها تخرج من فمه سلسة طبيعية، وكأنه يكتب مشهدا في قصة، وكأنه ينطق أحد الأبطال الذين يتحركون في قصصه.
وعبده نصر يحتضن الكاميرا وينظر إلى إحسان بانفعال، خمس ساعات كاملة انفقها إحسان بين حجرة المكياج، والبروفات والتمثيل، وارتدى بيجاما، وارتدى بدلة، وعندما سأل المخرج: (مثلت كتير النهاردة، هو الفيلم مافيش فيه حد غيري)، قال له صلاح أبوسيف: (كل اللي عملناه ده دقيقتين على الشاشة!)
وهنا بهت إحسان وتغير وجه ملامحه، لكنه أخفى غضبه، حتى خرج من الاستوديو، وقرر وهو في طريقه إلى البيت ألا يعود إلى التمثيل مجددا، حيث شعر أن عمره سيضيع بين الاستديوهات لو استمر في عالم التمثيل!
وقرر الامتناع عن تمثيل دور الموسيقار فتحي في رائعته (لا تطفئ الشمس)، وفشلت كل جهود فاتن حمامه بطلة الفيلم، وجهود المخرج صلاح أبوسيف، واكتفى إحسان بصفته ككاتب وكصحفي ولم يضف إليهما صفة الممثل!
وذهب دور الموسيقار فتحي إلى الفنان الكبير عماد حمدي.ستديو نحاس