الرئيس السيسي يكرم (ملاك المسرح والسينما وقديس الفن) جورج سيدهم
كتب : مروان محمد
في لفتة إنسانية تدل على نبل أخلاقه وحبه للفن الراقي، كرم الرئيس عبد الفتاح السيسي الفنان (جورج سيدهم) في بلده (سوهاج)، وقد تسلمت أرملته الدكتورة (ليندا مكرم) تكريمه كأحد أبناء جرجا، على هامش تكريم عددا من النماذج المتميزة في سوهاج، وذلك تزامنا مع افتتاح عدد من المشروعات بالمحافظة، وجاء تكريم (جورج) باعتباره من أكثر صناع البهجة في تاريخنا، فملامحه البريئة ووجهه الطفولي صنعت له مكانا كبيرا في قلوب المصريين، فمن منا ينسى اسكتشاته المبهجة مع ثلاثي أضواء المسرح، وعلى الرغم من بهجته على خشبة المسرح وشاشتي السينما والتلفزيون إلا أن حياته حملت الكثير من التفاصيل، وكانت رحلة صعود ونجاح وصمود بحق لشخص من أهل سوهاج استحق أمس الخميس 6 يناير التكريم من الرئيس السيسي الذي يعشق الفن الأصيل ويقدر صناعه الذين رسموا البهجة على وجوهنا جميعا.
يعتبر الفنان الراحل (جورج سيدهم) واحدا من عمالقة الكوميديا والمسرح في مصر والوطن العربي، استطاع من خلال موهبته المميزة أن يقدم العديد من الأفلام السينمائية التي حققت نجاحا لدى الجمهور، امتلك طاقة فنية هائلة جعلته موضع إعجاب كل من حوله، وكان جمهوره ومحبوه أكثر من حساده والحاقدين عليه، امتاز بقدرات تمثيلية هائلة، وكان كوميديانا مقنعا بفطرته الطيبة، قدم أغلب أدواره بشكل كوميدي عدا بعض الأدوار التراجيدية المؤثرة، والتي أداها باحترافية عالية أدهشت المشاهدين لتحوله من الكوميديا للتراجيديا، ويكنني القول بأنه كان فيلسوفا يخطف العقل، قلبه كان مملوءا بالإيمان والصبر، وكان صاحب قصة مرض وابتلاء مثل (سيدنا أيوب)، لذا استحق لقب (أيوب المصري)، إلا أن المرض تمكن منه في أيامه الأخيرة من حياته وفقد النطق إلا بعض الكلمات وكانت تفهمه زوجته الدكتورة ليندا من نظرة عينه.
كان (جورج أبيس سيدهم)، المولود عام 1938 بمدينة جرجا في محافظة سوهاج (جنوب القاهرة) لأبوين قبطيين، واحدا من نجوم الكوميديا الذين تخرجوا من (كلية الزراعة) أمثال (عادل إمام وسمير غانم والضيف أحمد)، فقد التحق جورج بكلية الزراعة بجامعة (عين شمس) بالقاهرة عام 1961، والتقى بزميليه (سمير غانم والضيف أحمد)، ليشكل معهم (فرقة ثلاثي أضواء المسرح) التي كانت واحدة من أنشط الفرق المسرحية الاستعراضية الشبابية في ستينيات القرن العشرين، والتي انفرط عقدها بوفاة أحد أعمدتها الثلاثة وهو (الضيف أحمد) في إبريل من عام 1970، وإن ظل جورج متمسكا بالاسم، يوقع به أعماله المسرحية اللاحقة، حيث عملت هذه الفرقة في المسرح والتلفزيون والسينما، ولمع نجومها جورج وسمير وأحمد في أول فوازير لرمضان من إخراج محمد سالم، كما شارك الثلاثي في بطولة عدد كبير من الأفلام التي كان آخرها فيلم (لسنا ملائكة) الذي أخرجه محمود فريد، وشارك فيه المطرب السوري فهد بلان كضيف شرف.
لقد شكل (جورج سيدهم) بفضل أدائه الفطري بالغ الروعة مدرسة في الأداء الكوميدي النابع من الجدية غير المبالغ فيها، فلم يكن يميل إلى التهريج، ولا استخدام أسلوب المبالغات الأدائية الذي لم ينج منه أبناء جيله، وإنما كان يعمل على بناء الشخصية الكوميدية عبر إبراز تناقضاتها والمفارقات التي تقع فيها، بعيدا عن الافتعال الأسلوبي الشكلاني الذي يستجدي الإضحاك في ظل غياب رؤية تنظم عمل جوهر هذا الإضحاك وتضبط أدواته.
لم يكن عمله بالفن مجرد مصادفة حاول انتهازها للعمل به، ولكنه كان عاشقا ومحبا لهذا الفن منذ صغره، حيث كان يحاول تقليد العديد من الفنانين، ولكنه رغم ذلك رفض وهو فى المدرسة الثانوية بسوهاج (محل ميلاده عندما التحق بالفرقة المسرحية بها) أن يقوم بتقديم دور (نجيب الريحانى) نفسه فى مسرحية (حكم قراقوش) فى الحفل السنوى لها مبررا ذلك بأنه لا يقلد أحدا وظهر على مسرح المدرسة يؤدى (اسكتش دكتور الحقنى) الذى قام بتأليفه وتلحينه وإخراجه لنفسه، ومن وقتها وهو يضع لنفسه شكلا متفردا خاصا به فقط.
بعدها جاءت البداية الحقيقية له عندما تقابل مع المخرج (محمد سالم) الذى شاهده فى أحد البرامج بالتليفزيون وبعدها التقى رفيقى دربه الضيف أحمد وسمير غانم وكونوا معا فرقة (ثلاثى أضواء المسرح) حيث قدموا معا عددا من (الاسكتشات) بداية من (دكتور الحقنى) التى قدموا بها فوازير رمضان وغيرها مثل (بص شوف مين، يا وعدى، لو كانوا سألونا، وكوتو موتو يا حلوة يا بطة)، والتى كانت سببا رئيسيا فى نجاحهم الكبير وانتشارهم السريع واتجاههم بعدها لتقديم عدد من الأفلام السينمائية الناجحة مثل (30 يوم فى السجن، والزواج على الطريقة الحديثة، وشاطئ المرح، والمجانين الثلاثة والعميل 77).
بعد وفاة (الضيف أحمد) – الضلع الثالث في فرقة ثلاثي أضواء المسرح – استمر (جورج) فى العمل مع (سمير غانم) لسنوات، وقدما معا عددا من المسرحيات الناجحة أهمها (موسيقى فى الحي الشرقى، المتزوجون، وأهلا يا دكتور» ثم اتجه جورج إلى العمل فى عدد من الأفلام والمسلسلات بمفرده بعد اتجاه (سمير غانم) للعمل منفردا فى فترة قدم خلالها جورج أفلاما ناجحة مثل (البحث عن فضيحة، الشقة من حق الزوجة، غريب فى بيتى، البعض يذهب للمأذون مرتين، أونكل زيزو حبيبي، عالم عيال عيال، ودخان بلا نار، الجراج) والذى كان آخر أفلامه السينمائية عام 1995.
ورغم موهبته الكوميدية الكبيرة فإنه أراد أن يثبت للجميع أنه يستطيع أيضا تجسيد الأدوار الجادة وأنه أهل لها فقدم مجموعة من أروع أدواره فى عدد من المسلسلات لتكون مرحلة مختلفة تتسم بالنضج الفنى الكبير، حيث شارك بالجزء الثالث فى مسلسل (رأفت الهجان) من خلال دور أحد اليهود فى تل أبيب مع النجم محمود عبد العزيز، وفى مسلسل (بوابة الحلواني) فى الجزأين الثانى والثالث فى دور (نوبار باشا)، وقد لاقى الدوران نجاحا وإشادة من النقاد والجماهير معا.
أما على المستوى الشخصى والإنسانى فقد كان الراحل العظيم يتمتع بحسن الخلق وكرمه واحترامه الصغير قبل الكبير ومحبته للجميع، فلم نسمع عن خصومات له أو عن معارك خاضها طوال مشواره الفنى فقد كان يقدر عمله ويحترم جمهوره، لذلك كانت جميع مسرحياته بعيدة عن أى ابتذال أو ألفاظ خارجة، وهو ما جعل أصدقاؤه وجمهوره يلقبونه بالعديد من الألقاب مثل لقب (ملاك المسرح والسينما وقديس الفن)، فقد كانت (حياة جورج) سيدهم الفنية هادئة مثلما كانت مغادرته للدنيا بهدوء، وسلام وصبر وجلد على المرض الذي لازمه عشرات السنين.
رحم الله الفنان الكبير والكوميديان الذي عشق المسرح فتجلى على خشبته بإبداع وروعة ، ولمعت موهبته في السينما والتلفزيون كنجم كوميدي ساطع، ليترك لنا روائع فنية ستظل خالدة في تاريخ الفن المصرية الأصيل.