كتب : شهريار النجوم
رحل كالضوء الشارد في عتمة الليل الموحش، وهو صاحب الوجه الذي تعلوه ابتسامة تعد بمثابة عنوان لمراحل كثيرة من حياة أجيال عديدة نشأت على مبادئ أرستها أعماله التى انتقاها بعناية، عرفت هذه الأجيال (الحب وأشياء أخرى)، وضحكت مع (رامى قشوع)، وبكت مع (البريء)، واقتربت من حياة الجنوب وكأنها سافرت إلى (خالتى صفية والدير)، وشاركته الأحزان فى (ليلة القبض على فاطمة)، حيث لفت الأنظار منذ بداياته الفنية بموهبة تعلن عن نفسها قائلة: (سمع هس)، ومزج بين الضعف والقوة والرومانسية حين قدم شخصية (على البدرى) فى (ليالى الحلمية)، ثم رحل فجأة عن عالمنا مثل (الضوء الشارد) قبل 7 سنوات من الآن.
إنه (ممدوح عبدالعليم) الفنان المختلف والمتميز بين أبناء جيله والذى امتلك قدرات خاصة ومتنوعة ورحل قبل أن يفصح عنها جميعها بالرغم من عطائه الفنى المميز، هكذا عاش ومات هذا الفنان الجميل الموهوب والوسيم الذى بدأ حياته بين الكبار وظهر أمامهم فلم يقل عنهم موهبة وحضورا، وكان صاحب مبدأ، ولا يرضى عن فكرة المبالغة فى أجور النجوم، ولم يكن يتقاضى أجرا مرتفعا، ولا تهمه مساحة الدور بقدر أن يكون دورا مؤثرا، وكلما نضج أكثر، كان يرفض أعمالا أكثر ويدقق فى اخياراته، لذلك كانت أعماله كلها علامات فى تاريخ السينما والدراما، وكان مثقفا وقارئا جيدا ومتابعا للسينما العالمية والمسرح الإنجليزى.
حتما يبكيك (ممدوح عبد العليم) حين تراه فى أدوار الطالب الوطنى الحالم فى فيلم (البرىء) وتصدقه وتحيا مشاعره وهو يجسد أدوار الشاب الفنان ابن الطبقة الوسطى الذى يرتبط بطبيبة من عائلة أرستقراطية فى مسلسل (الحب وأشياء أخرى)، تراه الفتى الوسيم الذى يجيد الأدوار الرومانسية، فيبهرك حين يبدع فى أدوار الصعيدى والفلاح، فى رائعة (خالتى صفية والدير) ودوره الخالد (رفيع بك العزايزى) فى مسلسل (الضوء الشارد)، تراه مبدعا فى الأدوار الجادة، فيبهرك بأدائه الكوميدى وهو يؤدى دور (رامى قشوع) فى فيلم (بطل من ورق)، بل تراه يتنوع فى أدائه، حتى فى الدور الواحد وكأنه يحمل ألف وجه ، ويكفيك أن ترى تطور شخصية (على البدرى) فى الملحمة الدرامية (ليالى الحلمية) لتتأكد أنك أمام فنان يستطيع إبهار المشاهد دائما وأن يفاجئه بما لا يتوقعه، حتى أنه أجاد فى الأعمال الاستعراضية حين قدم فيلم (سمع هس) وشارك فى إنتاجه، تدرك أن هذا الموهوب كان فى جعبته الكثير من المواهب والإمكانات التى لم يفصح عنها جميعا، حتى صدمت وفاته الجميع وأحزنتهم.
أبدع الراحل ممدوح عبدالعليم فى أدوار (الرومانسى، والبرىء، والصعلوك، والضابط، والرئيس، والصعيدى، والفلاح)، عشق الفن منذ طفولته ومثل للمرة الأولى وهو طفل فى مسلسل (الجنة العذراء) عام 1969 إخراج نور الدمرداش، ثم التحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وكانت أول بطولة سينمائية مطلقة لممدوح عبد العليم عام 1988 فى فيلم (بطل من ورق) حيث جسد شخصية (رامي قشوع)، وحصل عبد العليم على هذا الدور صدفة حيث كان مرشحا للبطولة الزعيم (عادل إمام) ولكنه اعتذر وكذلك الفنان الكبير (أحمد زكى)، ثم ترشح للدور ممدوح عبد العليم وحقق من خلاله نجاحا كبيرا، وعرف الفنان الراحل دائما بأخلاقه الراقية وثقافته الواسعة، وكان آخر أدواره في مسلسل (السيدة الأولى) وليرحل الفنان الموهوب عن عالمنا فجأة أثناء قيامه بعمل تمرينات رياضية فى (الجيم) بعد إصابته بأزمة قلبية، فى 5 يناير من عام 2016 وترك ميراثا فنيا راقيا وأعمالا لاتنسى وستبقى دائما فى أذهان ووجدان الملايين التي عشقت فنه الأصيل.
في ذكراه السابعة كتبت زوجته ورفيقة دربه الإعلامية الكبيرة (شافكي المنيري) على صفحتها في الفيس بوك قائلة: (غياب.. فقدان.. نعم فقدان كتير علي وجع فقدان إنسان لا يعوض.. سنوات وعدتك فيها وأنا أودعك بدموع المفاجاة وولع الفجيعة أني هاكمل وأحاول وأسند ابنتنا الوحيده.. وعدتك ألا أنكسر وأعافر مع الدنيا من غيرك.. مرت السنوات نعم .. شهور وأيام طويله على قصيره دموع على آهات.. على ضحكات ذكريات حلوة.. كلها مرت .. وعدتك ونجحت أن أبقي إلى هنا حتي التخرج والنجاح والتفوق ووضعها علي طريق الحياة).
وتضيف (شافكي): (قد أكون نجحت ونجحت هى كثيرا، وتفوقت ولكن القلب لم يتخلص من أوجاعه.. باتت عميقه في داخلنا مهما حاولنا.. إننا نفتقدك ونفتقد الإنسانيه كلها.. الرقة.. الاهتمام اليومي.. الخوف علينا وكأننا جواهرك الثمينه .. نعم مرت .. نعيش، أعمل نأكل نخرج نلبس ونضحك ولكن روحك تسكننا هى التي تصون هذه الأسره الصغيرة، دعواتنا لم تنقطع يوما.. بقى أن تعرف أنك في القلب دائما مهما زادت أرقام السنين.. وسأظل أجدد العهد أن نبقى نحاول ونضحك ونعيش الحياة من أجلك ونرضى .. نعم مرت السنوات وتمر ونمر الحمد لله .. وحشتنا يا أغلي وأجمل من جاء إلى هذه الدنيا .. ممدوح عبد العليم).
ونحن من جانبنا في بوابة (شهريار النجوم) نشد من أذر الإعلامية الكبيرة (شافكي المنيري) وابنتها الوحيدة (هنا)، ونقول يكفيكما فخرا أن ممدوح عبد العليم عاش عزيز النفس في حياته وفنه الذي سيظل راسخا في وجدان الشعب المصري لفرط موهبته النادرة وثقافته الموسوعية التي كانت تشع نورا في فضاء الفن الواسع.