بقلم الفنان التشكيلي الكبير : حسين نوح
يتفق معي الكثيرون أن من أهم إيجابيات كأس العالم في قطر هذا العام هى صحوة قيم العروبة متجلية وبصدق من جماهير الكرة في كل أنحاء العالم العربي.. نعم أثلج قلبي تفاعل كل العرب مع الفرق العربية التي صعدت ثم تألقت في مونديال قطر العملاق.. نعم وبكل موضوعية نجحت قطر أمام العالم و قدمت نسخة متحضرة شديدة الرقي والمهنية لا يستطيع أي عاقل لديه بصر وبصيرة أن يتجاهل عظمة مونديال قطر (قمة الإبداع)، فمن الملاعب التي تجاوزت كثيراً من الملاعب العالمية إلى حسن الضيافة والاستقبال والتنظيم الذي أبهرني وأبهر العالم، فشكراً قطر فقد صنفت تلك البطولة كواحدة من أعظم بطولات كأس العالم.
القيمة الأخرى المضافة في هذا المونديال هى الشعور بمعني كلمة القومية العربية التي قد لا يدركها بعض من الأجيال الجديدة وإنما يعرفها جيلي وكثيرون منذ الخمسينيات والستينيات وحتي السبعينيات، لقد شاهدت تفاعل المصريين ومعظم دول العالم العربي مع الفريق الأخضر السعودي حين انتصر علي الفريق الأرچنتيني الفائز بالبطولة هذا العام، ثم ما حدث مع فريق المغرب الشقيق وهنا أقول (فرقة الأسود) التي أفرغت شوارع القاهرة المزدحمة من المارة وكثير منهم يحملون الأعلام المغربية الحمراء وازدحمت المقاهي والنوادي ولا حديث إلا عن (أسود المغرب) المتألقة، كم كانت سعادتي وأنا أتنقل بين القنوات في كل الدول العربية والكل يقف خلف (فريق الأسود).. هكذا كان العرب دائما وهكذا الشعوب العربية.
أنا يا سادة من الجيل الذي عاش ترابط الأسرة في أعظم صورها، وكذلك تجلي قيم حسن الجوار وحميمية التكاتف من خلال علاقات المودة والمحبة في الأسرة والعائلة وتنتقل للحي والجيران وتتسع لتشمل الوطن، فهل تتذكرون معي كيفية التلاحم في الحارة المصرية وكيف قدمتها السينما والروايات الأدبية من (زينب) لمحمد حسين هيكل الي رواية (الأرض) لعبد الرحمن الشرقاوي و(شيئ من الخوف) لثروت أباظة، وعظمة الحارة المصريه في فيلم (العزيمة) أول فيلم مصري واقعي من إخراج (كمال سليم) وصور أسمى قيم التلاحم في الحارة المصرية، وهو مسجل من أفضل مائة فيلم في السينما المصرية، إنها اعمال قدمت قيم الانتماء الذي أجده في بعض الحالات يتوارى ولم يعد علي سطح المشهد كما اعتاد جيلي، لقد أكد المونديال القطري أن الأمة العربية بخير والشعوب العربية بخير.
وفقط لي ملاحظة: فحين تأهل المغرب الشقيق بفريق من الرجال ويقتربون إلى النهائي ويفرح العرب وأتابع ورغم أني لست من هواة الكرة.. فقط أتابع الخلوق والمشرف (صلاح)، فهو مثال للنجاح والتوازن والانتماء وبكل صدق أعترف أني لم أدخل استاد القاهرة إلا مع (محمد نوح) لنغني في مبارة تونس 1978، ومنها لم أشاهد الكرة إلا مع (صلاح) أو الفريق القومي المصري ومباريات النهايات للفرق العربية، ولكن المزعج بعد تألق الفريق المغربي وسعادتي ومعظم العالم العربي بهذا التألق المشرف.. هالني أن يظهر على السطح الإعلامي المصري وتنتشر على شبكات التباعد الاجتماعي ظاهرة التلاسن مع بعض المغاربة ومحبي (صلاح) فأجد اتهام بعض المغاربة لصلاح أنه لم يفرح ولم يهنئ الفريق المغربي الشقيق!
ويزداد التراشق ويرد بعض المصريين أن العرب لم يدعموا (صلاح) في الترشح لجائزة (الحذاء الذهبي)، ويتحدث أحد نجوم الكورة بسذاجة وضيق أفق وقلة ثقافة ووعي، وتزداد أعداد الخصوم وتتحمس جماهير نجم الكرة ويزداد التراشق وأنا فقط أتابع وأخشي أن يتحول سجال كروي إلى خلاف قد يشتعل بين دولتين شقيقتين، وكما حدث في مبارة الجزائر ومصر، وقد كان لبعض رجال الإعلام الرياضي الساذج دوراً لا يوصف إلا بالعار الإعلامي الساذج.. إنها دعوة للإعلام ومحبي كرة القدم.. إنها رياضه يا سادة، وأذكركم: كنا حين يحتد أحدنا على الآخر نتذكر كلمات الكبار بالعامية المصرية البديعة (خلي روحك رياضية).
نعم فالرياضة من أبجادياتها الغالب والمغلوب، وخير مثال خروج البرازيل ونجم نجوم الكرة (نيمار) مصنف من أقوي لاعبي العالم، لكنها كرة القدم.. لك كامل الحق في الحماس والانفعال إنما عليك أن تدرك أهم سمات الرياضة غالب ومغلوب.. كرة القدم تلعب بالقدم وقد أكون علي صواب حين أقول أنها لعبه بها أكثر من خمسين في المائة حظ، لم أدعي يوما أني خبير أو مدرك لكل قوانين كرة القدم، فأنا طوال حياتي اهتماماتي فنية ثقافية.
هل تتخيل يا سيدي لو تخلينا عن الروح الرياضية وكيف تصبح الكرة قد ينجرف البعض إلى خلافات قد تكون سبب للعداء بين الأخ وأخيه والدولة وجارتها، وهنا علينا باليقظة وعلى الإعلام الرياضي أن يكرس لقيم اللحمة بين الأشقاء العرب، وليجتهد كل فريق مع الوعيأان الرياضه اليوم أنت غالب وغدا مغلوب، لقد أصبح العالم مدركاً لقيم التكتلات الكبرى فالاتحاد الأوروبي مع أمريكا والصين تتجة لعمل تكتلات وتتقرب لمن تجد معه مصالحها والكوريتين، لكل منهما تحالفات وصراعات للتسلح، إنه زمن التحالفات ولا مكان للضعيف أو المنغلق.
أعتقد أن القادة العرب أصبحوا على يقين من قيم الاتحاد والتكتلات والتوافقات، وأتمني أن يؤكد الجميع مقوله (يد الله مع الجماعة) فالعرب قوة كبرى حين يجتمعون ولديهم مقومات التميز والتقدم في كل المناحي من قوي بشرية واقتصادية، وتأكد العالم أننا قادرون ونستطيع حين تتوحد قوانا على قلب رجل واحد، وقد كان المشهد الجماهيري العربي في (مونديال قطر) خير دليل على عظمة العروبه التي يعرفها جيلي ومن عاصر زمن القومية العربية حفظ الله مصر تنطلق وتستحق.