الدراما الخليجية 2022 .. جرأة الطرح وعزف جيد على أوتار النوستالجية
كتب : محمد حبوشة
للحقيقة أقول: إن الدراما الخليجية تميزت بأنها دراما نظيفة، فهي بعيدة عن الإسفاف والعري والمشاهد الساخنة التي أصبحت سمة العديد من الأعمال الدرامية العربية، دراما تناقش قضايا إجتماعية وتكشف عن أسرار ذلك المجتمع المركب، الذي سواء قدم العمل في البحرين أو المملكة العربية السعودية أو الإمارات أو الكويت، تظل السمة الخليجية مسيطرة عليه وتظل هناك العديد من نقاط التشابه، ربما يرجع ذلم إلى أن الدول الخليجية تحمل روحًا واحدة وسمة واحدة مع وجود بعض الإختلافات البسيطة سواء في اللهجات أو بعض العادات والتقاليد، لكن تظل الخليج دولة كبيرة تضم إمارات درامية صغيرة بداخلها لا تنفصل ولا تبتعد عنها مهما وجدت خلافات.
والمتأمل للمشهد الدرامي الخليجي ربما يدرك أن الجرأة أصبحت كالوشاح الذي يغطي جزءا وليس الكل من جسد الدراما الخليجية، لكنه واضح وظاهر ويضفي عليها روحا جديدة لم تكن موجودة من قبل، فظهرت المخمورة وزنى المحارم وعشق الأخ لإبنة زوجة أبيه، وظهرت الخيانة بصور جديدة لم تكن موجودة من قبل، ولبست الجرأة ثيابا كثيرة وظهرت في العديد من الأعمال بأشكال مختلفة ومتعددة، وتظهر في الأفق أعمال جديدة تطل برأسها يكون فيها العنف الأسري، والقسوة سمة أيضا ليست جديدة في المضمون لكنها جديدة من حيث الطرح الجريء، وربما شاهدنا جوانب مختلفة مه هذه القضايا في عام 2022، فضلا عن أعمال أخرى تجنح نحو (نوستالجيا) الحنين إلى الماضي.
في كعكة الدراما الخليجية لعام 2022 سوف نلحظ تطور في الشكل والمضمون على عدة مستويات، حتى غدا المسلسل الخليجي منافسا قويا للمصري والسوري، وفي موسم رمضان 2022 شاهدنا حوالي 22 مسلسلا تتأرجح بين الجرأة الاجتماعية وغيرها التي تجنح نحو حنين جارف إلى الماضي، ولعل أبرزها جاءت محملة بنضج وجودة فائقة على النحو التالي:
(من شارع الهرم إلى…) يطرح المسلسل الذي أثار جدلا واسعا، مسألة الوصاية التجارية والمادية عن طريق أسرة الدكتورة (عبلة) المؤلفة من (عبلة) وأبنائها الستة وزوجاتهم وأحفادها، حيث ليس هناك أي نوع من أنواع الخصوصية في هذه الأسرة حتى في مكان شغلهم، وتكون البداية عبارة عن عرس أحد أبناء (عبلة) الستة، وحين تأتي راقصة من دولة مصر العربية لإحياء العرس ونكتشف أنها لا تنوي العودة إلى مصر لتحقيق هدف غير معروف، ومن ناحية أخرى يوجد سر هام للغاية لا يعرفه أحد إلا الدكتورة (عبلة) ونعلم أن هذا السر يتمحور حول زواجها وماضيها سينكشف ويسبب الكثير من التبعات، ويعد (من شارع الهرم إلى) أحد أبرز مسلسلات شهر رمضان 2022، بطولة النجمة (هدى حسين) مع عدد كبير من الممثلين الكبار مثل خالد البريكي، ونور الغندور، وليلى عبدالله، ومرام، وناصر الدوسري، وقد عملت على كتابة هذا المسلسل المؤلفة الكبيرة هبة مشاري حمادة، ووقع الإخراج على عاتق المخرج السوري المثنى صبح، أما الإنتاج كان من نصيب شركة (إيجلز فيلم).
في مسلسل (سنوات الجريش) بطولة أيقونة التمثيل الخليجي (حياة الفهد) وكوكبة أخرى من الممثلين الكبار مثل (علي السبع، حبيب غلوم، حسن البلام، حمد العماني)، ودارت الأحداث في فترة الحرب العالمية الثانية وما ترتب على هذه الفترة من أحداث أثرت على منطقة الخليج، والتي تسببت بها دول المحور من قطع لطرق التجارة البحرية ومنع وصول البضائع من الهند التي كانت تحت سيطرة بريطانيا، مما أدى ذلك إلى مجاعة كبيرة، الأمر الذي جعل الكثير من الناس أن يستعينوا بأكل الجريش لإسكات بطونهم الخاوية، والذي قامت الحكومات الخليجية آنذاك بتوزيعه عبر بطاقات تموينية لحماية الناس من الهلاك، وهو ما مثل نوعا من الحنين إلى الماضي بحلوه ومره ونجح المسلسل في رصد حياة الكويتين التي اتسمت بالقسوة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة قبل الطفرة النفطية.
أثار مسلسل (العاصوف)، لناصر القصبي وعبد الإله السناني بموسمه الثالث، الجدل والنقاش بصورة يومية عبر (تويتر) بخاصة تلك الحلقات التي تناولت سلطة الشرطة الدينية في السعودية خلال تسعينيات القرن الماضي، وأيضاً انتشار الأفكار المتشددة بين بعض الفئات، وهو ما جرى التركيز عليه من خلال مشاهد متعددة، ومن ضمن القضايا التي ناقشها المسلسل الذي أخرجه السوري (المثنى صبح) أيضا تأثر الشباب بأفكار الجماعات التكفيرية وانتشار الرشى في بعض المصالح الحكومية، ويبدوأن هناك انفتاحا واضحا على تناول تجارب وأنواع مختلفة من القصص، ما يفتح الباب خلال الفترة القريبة المقبلة كي تشهد أيضاً طفرة في المسلسلات السعودية، التي ستكون أكثر عمقا ونضجا، بخاصة حينما يتخلى صناع الأعمال الفنية عن فكرة التقليد، وأن يتجهوا لموروثهم وجذورهم، وأيضا الالتفات للأعمال الأدبية القوية التي يمتلكونها، فالمؤكد أن هناك رغبة شديدة في التطوير والمؤكد أيضاً أن مقومات هذا التطوير موجودة وبدأ استغلالها بالفعل.
(الزقوم) عمل إماراتي، بطولة (حبيب غلوم، والنجمة سعاد علي، سعد الفرج، قحطان القحطاني، هيفاء حسين، وقد عمل على كتابة هذا المسلسل المؤلف المشهور (إسماعيل عبدالله)، أما الإخراج كان على عاتق المخرج الضخم أحمد يعقوب المقلة، وفيه تم عرض الماضي نراه ماثلا أمام الأعين بمرآة الحاضر، فأوجاع (سنة الجدري) عايشنا مثلها مع وباء (كورونا) وما شاهدناه على الشاشة في المرحلة التراثية من المسلسل لم يكن تمثيلا فحسب بل تألمنا معه وشعرنا خلاله بوجع الفقد وألمه، كما يرصد العمل حكايا صراعات السلطة والنفوذ بين عائلتين، وجدير بالذكر أن المسلسل شهد أداءات متميزة كانت من أبرز نقاط قوة المسلسل، فالممثل القدير سعد الفرج استطاع الاستحواذ على المشهد الدرامي ككل بسطوة حضوره وانسيابية أدائه، فشخصية (عبدالعزيز اللاهوب) التي أداها تحمل في طياتها الكثير من المشاعر المتضاربة بين الثراء والطيبة والوجاهة واللصوصية ومحاولة التبرؤ من أشباح الماضي، فامتلك خيوط الشخصية بين يديه وكان بمنزلة المحرك للممثلين معه في أي مشهد.
بهدوء شديد وبلا ضجيج مفتعل، استطاع مسلسل (بيبي) بطولة (شجون الهاجري، بشار الشطي) أن يصل الى قلوب المشاهدين لتضمنه جميع عناصر النجاح، فالعمل عكس الصورة الحقيقية للمجتمع الكويتي التي غيبتها الكثير من الأعمال الأخرى، ويقدم لنا حياة (الفريج) بما يضمه من أسر وعائلات يتشاركون في كل شيء بالافراح والأحزان بحب حقيقي، من خلال نص مسلسل محكم، كتبه الموهوب أحمد العوضي بشكل رائع، ليضع لنفسه مكانا بارزا بين كتاب الدراما الأساسيين ويكون أحد صناع المتعة في هذا المجال، فقدم من خلال العمل صورة عن قرب لأهل الكويت الحقيقيين، صورة من دون فلاتر للتجميل، ورسم ملامح شخصيات العمل ببراعة شديدة، مع حرصه الدائم على ايجاد رابط درامي يربط بينها بطرق فنية فريدة فضلا عن بناء الأحداث بطريقة مشوقة للغاية، وبالنسبة لمخرج العمل (محمد سمير) فقد استطاع في فترة قصيرة أن يكون واحدا من أهم مخرجي الدراما في الكويت والخليج على مستوى التكنيك والأداء الاخراجي، فيُظهر الكثير من الحرفية العالية كمخرج مهتم بالتفاصيل، ويمتعنا برؤية بصرية جميلة في هذا العمل، حيث ظهرت قدرته في المزج بين التراجيدي والكوميدي.
شكلت مشاهدة الموسم الثاني لمسلسل (محمد علي رود) متعة بصرية لجهة الجوانب الفنية البحتة، فهو عمل متكامل يقدم صورة غنية وعالية القيمة إخراجا وإضاءة ومونتاجا، ويعتبر من الناحية التقنية مفخرة للإنتاج الكويتي، ودليلا على أن الإبداع الكويتي على مستوى جودة الصورة في الدراما التلفزيونية لا يقل عن نظيره في المسرح الأكاديمي الذي تتسيد الكويت من خلاله الساحة العربية، ورغم جنوح النص بشكل جذري وشامل من الواقعية الاجتماعية نحو الفانتازيا شبه المطلقة وعوالم السحر والأوهام والهلاوس، مبتعدا عن روحية انطلاقته وبصمته التي تركها في أذهان المعجبين بالموسم الأول إلا أنه يحسب جودة الأداء لكل من الفنان الكبير (محمد المنصور، سعد الفرج وسعد الفرج) وباقي فريق العمل في ظل نص غير زاوية المعالجة بشكل حاد من قمة المجتمع إلى قاعه مرة واحدة، وينتقل من صراع التجار والنواخذة إلى أجواء (العشيش) والعصابات والنشل والتسيب الأمني والقراصنة والسلابة، ووسط هذه السوداوية، حافظ الكاتب على خطوط تقليدية لتعزيز الاتصال مع أحداث الموسم الأول أبرزها (البحث عن الذهب المفقود) الذي تركه النوخذة عبدالوهاب (سعد الفرج) بعد وفاته لابنته نجلاء (بثينة الرئيسي) حيث تصلها رسالة في شكل وصية تركها لها متضمنة لغزا حول مكان الكنز!
وظني أنه عدا هذه المسلسلات السابق الحديث عنها لا يحسب لايحسب لباقى الـ 22 عملا تفوقا ملحوظا كما بدا في تراجع مسلسلات (الزاهرية – كثبان العطر، دحراش، عين الذيب، نوح العين)، والذين ينتمون جميعا لمسلسلات النوستالجية، لكنهم ليسوا بذات الزخم الموجود (في العاصوف وسنوات الجريش ومحمد على رود)، وكذلك الحال في (أمينة حاف، اسمع وشوف، حبي الباهر، حريم طارق، حضرة الموقف، دبل كليك، زواج إلا ربع، ساعي البريد، سكة سفر، سكر سادة، ستوديو22 – الموسم الثاني، شباب البومب 10، عاشر صفحة، عالي المقام، عائلة عبد الحميد حافظ، كيد الحريم، لغز 1990، مشراق، منهو ولدنا، ناطحة سحاب، نت فلوركس، هيا الروح).
ومع ذلك فقد استمتعنا بعدة مسلسلات في المواسم الموازية مثل (القفص، دافئ الشعور، مرزوقة، فقد، ولد امه، عودة خالتي، سندس، جميل جدا، عند شارع 9، انتقام مشروع، ست الحسن، المكتب) وهى جميعها تنوعت بين الاجتماعي والإثارة والتشويق، ولو أنه غلب على بعضها طابع العنف والرعب)، لكنها تمتعت بأداءات جيدة إلى حدما.