بقلم : حنان أبو الضياء
*الفيلم تنبأ بوفاة البطلة..
السينما أداة فعالة لانتقاد الواقع السياسي والاجتماعى الذى نعيشه، كلما كانت أدوات التعبير بعيدة عن المباشرة أصبحت القضايا المطروحة بين مشهد وآخر تحتمل العديد من الرؤى، التى تفسر حسب مستوى المتلقى الثقافى، ومن المعروف أن triangle of sadness يشير باللغة الإنجليزية إلى مصطلح يستخدمه جراحوا التجميل للتعبير عن تجاعيد القلق التي تتشكل بين الحاجبين والتي يمكن إصلاحها باستخدام مادة البوتوكس في غضون 15 دقيقة، تم تصوير الفيلم على مسرح صوتي بمضخات هيدروليكية تم استخدامها لتقليد المحيط مما جعل العديد من أفراد الطاقم يشعرون بدوار البحر.
مثلث الحزن triangle of sadness فيلم كوميدي سوداء لعام 2022 كتبه وأخرجه (روبن أوستلوند) ساخرا من ادعاءات عالم الفن، حيث وسع (أوستلوند) الإطار لتشريح صاخب للمجتمع ككل مستهدفًا الهياكل الرأسمالية والأبوية التي تحافظ على سفينتنا الحمقى طافيا، مقدما مواجهة التوترات الأساسية بين من يملكون ومن لا يملكون في وقت تهدد فيه الفوضى بتعطيل النظام العالمي، حتى أفخم اليخوت في العالم لا يمكنها تجنب المياه المتقطعة.
الفيلم من بطولة (هاريس ديكنسون ، تشارلي دين ، دوللي دي ليون ، زلاتكو بوريتش ، هنريك دورسين ، فيكي برلين ، وودي هارلسون)، إنه آخر فيلم قامت به (دين) قبل وفاتها في أغسطس 2022.
ويبدو أن الفيلم تنبأ بمأساة الممثلة الأمريكية (تشارلي دين كريك) التى جعل الفيلم مصيرها نهاية مفتوحة ترمز إلى قتلها، وهذا ماحدث فى الحقيقة فقد ماتت عن عمر يناهز 32 عاما، نتيجة إصابتها بمرض نادر.
عرض مثلث الحزن عرضه العالمي الأول في مهرجان كان السينمائي 2022 في 21 مايو 2022، حيث تلقى ترحيباً حاراً لمدة ثماني دقائق وفاز بالسعفة الذهبية. وأنا أرى الفيلم بمثابة استكمال فلسفى لفيلم (The Square)، فكليهما يتكلم عن العلاقة بين الرجل والمرأة وينتقد المجتمع المعاصر بكل تناقضاته من إعلانات وأرهاب وأفكار سياسية.
فى (مثلث الحزن) نقد عالم الموضة والرأسمالية بدلاً من عالم الفن، لكن كلا الفيلمين لهما مشاهد عشاء لا تنسى.. كلاهما يمتلك لعبة مع بعض اللحظات المضحكة حقًا.
فيلم triangle of sadness هناك (هاريس ديكنسون كارل)، وهو رجل إنجليزي يتكلم بلطف مع مظهر جميل مغرور بشكل متزايد بسبب الأحداث، في حين (تشارلي دين يايا)، أوروبية ساحرة ولكنها ماكرة مع مرح، عارضة أزياء شابة ترتدي ملابس السباحة ونظارات شمسية كبيرة تقف على وسائد بيضاء على متن يخت.
الجزء الأول فيه عن (كارل ويايا) عارضا أزياء يتواعدا، استاء (كارل) من (يايا) لتوقعه أن تدفع ثمن العشاء فى المطعم رغم أنها تكسب أكثر منه ؛ يتشاجران حول المال وأدوار الجنسين، ودخلا معًا في نزاع سلبي عدواني حول الفاتورة إلى أحد تلك المطاعم باهظ الثمن لدرجة أن ربط الأسعار الفعلية بعناصر القائمة يبدو باهظًا للغاية، فعندما تظهر الفاتورة ولا تتحرك (يايا) لدفعها، كما يصر (كارل) على أنها ستفعل ذلك، فإن الجدل حولها يفسد أمسيتهما، لا يمكن لأي منهما أن يعترف بالحقيقة – أنهما يعيشان بما يتجاوز إمكاناتهما – لذلك يتغلبان على المشكلة، وكلاهما يدرك تمامًا أنهما يفتقران إلى المهارات الحياتية للبقاء على قيد الحياة في حالة فقدان مظهرهما أو سقوطهما من عالم الموضة.
الجزء الثانى حيث تمت دعوتهما في رحلة بحرية فاخرة على متن يخت فاخر مقابل الترويج لها على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن بين الضيوف الأثرياء القلة الروسي (ديميتري) وزوجته (فيرا)، الزوجان المسنين (كليمنتين ووينستون) اللذان جمعا ثروتهما من تصنيع الأسلحة، (تيريز) التي لا تستطيع التحدث إلا بجملة واحدة بالألمانية بعد إصابتها بجلطة دماغية؛ ومليونير التكنولوجيا الوحيد (جارمو). الضيوف يعيشون حياة مرفهة على اليخت غافلين عن الطاقم الذي يعمل على تلبية كل احتياجاتهم ونزواتهم، تطالب رئيسة الموظفين (باولا) بإطاعة طلبات الضيوف السخيفة بما في ذلك جعل كل فرد من أفراد الطاقم يسبح في المسبح.
المحور الكوميدي للفيلم فى ذلك عشاء تم إعداده خلال عاصفة هائلة حيث يقوم الطاقم بقيادة (باولا) المبتهجة بلا هوادة (فيكي برلين) وقبطان اشتراكي مخمور (وودي هارلسون)، يجبر قبطان اليخت (توماس سميث) على حضور عشاء القبطان بينما يمر اليخت عبر عاصفة، يصاب العديد من الضيوف بدوار عنيف وينتشر الذعر.
هناك الكثير من الكنيات الصغيرة في جهل الطبقة العليا التي قد تسمعها في رحلة بحرية أو في عشاء خيري فاخر – تسأل (كارين) الغنية المزعجة بشكل خاص (هارلسون) إذا كان من الممكن تنظيف أشرعة السفينة لأغراض جمالية، فقط لتختلف معه عندما يجيب ذلك السفينة مزودة بمحركات بالكامل وليس بها أشرعة.
يتجادل (توماس وديمتري) المخموران حول الاشتراكية والرأسمالية ويستعرض كل واحد فيهما مقولات مشاهير المعسكر الذى ينتمى له فكريا؛ من أقوال (ماركس ولينين وكينيدى وريجان).
أصيب العديد من الضيوف عندما ألقت العاصفة بالسفينة وانقطع التيار الكهربائي. عند حلول الصباح هاجم القراصنة وقتلوا (كليمنتين ووينستون) بإحدى قنابلهما اليدوية وانقلب اليخت.
تمكنت مجموعة صغيرة من الناجين تتكون من (كارل، يايا، ديميتري، تيريز، باولا، جارمو، ميكانيكي السفن نيلسون، وعاملة النظافة أبيجيل) من الفرار إلى جزيرة ليظهر الفيلم كيف أن الناجين المدللين غير مجديين تمامًا في المهام الأساسية المتمثلة في العثور على الطعام والمأوى.
ما يحدث بين أفراد الطاقم بعد وقوع الكارثة يعكس نظرة (أوستلوند) البائسة إلى حد ما للإنسانية ككل بحلول نهاية الفيلم، من الواضح أنه يعتقد أنه إذا أتيحت الفرصة فإن المظلومين سوف يسقطون أي نظام قائم فقط ليحل محله تسلسل هرمي جديد غير عادل يناسبهم بشكل أفضل.
(أبيجيل) الوحيدة التي لديها مهارات للبقاء على قيد الحياة سرعان ما تتخلى عن وضعها المتواضع كعضو في الطاقم وتغتصب القيادة لأنها كانت في السابق خادمة متواضعة وسرعان ما تتحول إلى عديمة الرحمة عندما يكون عملاؤها السابقون الهشون تحت رحمتها مع ارتباط الناجين مع وضعهم الجديد والتأقلم معه، تكتسب (أبيجيل) المزيد من القوة حيث تحصل على سريرها الخاص داخل قارب النجاة، وتجبر كارل على الدخول في علاقة جنسية مقابل حصول كارل على امتيازات خاصة وطعام، (يايا تغار) ، (وكارل) يفكر في تركه لأبيجيل.
قررت (يايا) المشي لمسافات طويلة إلى الجانب الآخر من الجزيرة، وتتطوع (أبيجيل) للذهاب معها على الرغم من مخاوف (كارل) يكتشفا مصعدًا ويدركون أنهما تقطعت بهم السبل بالقرب من منتجع فاخر.
تقدم (أبيجيل) المشهد الأخير للفيلم المليء بالحيوية في تعليق ملتوي على مناقشة عمل المرء لما نحن كبشر مضطرون أخلاقياً إلى توفيره لبعضنا البعض، يمكن لأي شيء أن يصبح رمزًا للمعاملات: (الجنس، والعمل، ووعود رأس المال المستقبلي).
تستعد (أبيجيل) لمهاجمة (يايا) بحجر لقتلها لمعرفتها طريقا للنجاة، يفقد (أبيجيل) سلطتها وتميزها على الجميع لكنها تتردد عندما تتكلم (يايا) عن فكرة عمل (أبيجيل) كمساعدة لها؛ وينتهى المشهد دون أعطاء إجابة لما سيحدث؛ لنشاهد (كارل) يجري بشكل محموم عبر الغابة بينما وجهه يتعرض لجروح شديدة من أغصان الأشجار.
أما فيلم (The Square) استوحى أوستلوند أيضًا من حادثة سيئة السمعة تورط فيها (أوليج كوليك) وفاز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي 2017، وكلا الفيلمين يركزان على العلاقة بين الرجل والمرأة وخروجها من الإطار الجنسى؛ وفى فيلم (The Square) كريستيان هو أمين متحف X-Royal للفنون في ستوكهولم ، القصر الملكي سابقًا، أجرت الصحفية (آن) مقابلة معه وبعد عدة أحداث و بعد أن يمارس الاثنان الجنس، تعرض (آن) للتخلص من الواقي الذكري المستعمل لكنه يرفض بثبات تسليمه لها.. يتجادلون حول الموقف حيث تعتقد أنه لا يثق بها في التخلص من السائل المنوي بدلاً من أخذه، بعد عدة أيام قابلت (آن كريستيان) في المتحف وصرحت بأنها تبحث عن أكثر من مجرد ممارسة الجنس العرضي، تسأله إذا كان يشعر بالشيء نفسه لكن (كريستيان) مراوغ عندما حاولت (آن) الاتصال به لاحقًا لم يلتقط الهاتف.
في خضم مشاكل عديدة، يتعين على (كريستيان) إدارة الترويج لمعرض جديد يتمحور حول قطعة فنية تسمى The Square التي تم وصفها في بيان الفنان: The Square هى ملاذ للثقة و رعاية فداخلها نتشارك جميعًا في حقوق والتزامات متساوية.
تنص وكالة الإعلان التي كلفها المتحف للترويج لـ The Square على أنهم بحاجة إلى تسخير اهتمام وسائل التواصل الاجتماعي بشيء آخر غير تصريح الفنان اللطيف وغير المثير للجدل، ينظر ممثلو وكالات الإعلان في تصوير العنف الذي يتعارض مع رسالة (The Square)، حيث قاموا بتطوير مقطع ترويجي يظهر فتاة شقراء بيضاء فقيرة تدخل الميدان وتقتل في انفجار، ونشر الفيديو على موقع المتحف وقناة اليوتيوب بعد أن أعطى مسيحي مشتت موافقته دون مشاهدته، ينتشر المقطع بسرعة كبيرة ، حيث وصل بسرعة إلى 300000 مشاهدة على YouTube، لكنه تلقى استجابة معادية للغاية من وسائل الإعلام والزعماء الدينيين وعامة الناس، يرتب المتحف مؤتمرا صحفيا حيث يقول (كريستيان) إنه انتهك البروتوكول ويتنحى عن منصب أمين المتحف بالاتفاق المتبادل مع مجلس الإدارة. ثم هاجمه العديد من الصحفيين لإثارة الجدل الرخيص بمقطع لا طعم له، بينما هاجمه آخرون بسبب الرقابة الذاتية بسبب استقالته.
لقد أعلن المخرج (روبن أوستلوند) عن مثلث الحزن في يونيو 2017، بعد أن فاز فيلمه The Square بالسعفة الذهبية، وأن فيلم Triangle of Sadness، وهو هجاء (جامح) ضد عالم الموضة والأثرياء .
مثلث الحزن هو الفيلم الثالث للكاتب والمخرج السويدي (أوستلوند) بعد فيلم Force Majeure لعام 2014 و The Square لعام 2017، نهج (أوستلوند) ساخر حيث يستغل فكرة واحدة ويتجاوزها إلى نقد العالم، ولكن عندما ينجح هجائه يمكن أن تكون النتيجة مضحكة للغاية، لكن هناك دائما فكرة واحدة أن (أوستلوند) يبدو عازمًا على التعامل بجدية مع فكرة عدم المساواة بين النساء والرجال.