الدراما المصرية 2022 .. معادلة التأرجح بين الإبداع والتردي !
كتب : محمد حبوشة
تشير الحقائق إلى أنه على الرغم من أن وجود هذا الكم الكبير من الأعمال الدرامية يعد شيئا إيجابيا وجيدا، ولكنه يجب أن يقدم رسالة للمشاهد فيما يخص قضاياه وواقعه، إلا أن التنافس بين صناع الدراما تحول إلى نوع من المنافسة الشرسة دون مراعاة المضمون والجودة والمتعة التي يقدمها العمل من إنتاج أكبر كم من الأعمال الدرامية بشكل عشوائي، من أجل الاستحواذ على نصيب من (التخمة) على الفضائيات دون أن يكون للعمل أي رسالة أو هدف، ورغم أن تلك القاعدة لا تنطبق على كل شركات الإنتاج، نجد أن هناك شركات تسعى لإنتاج موضوعات جيدة تسمح لها بالانفراد والتميز وتقديم قضايا مهمة، إلا أن السؤال بصورة دائمة حول الدراما التي يتم إنتاجها كل عام: هل هى تساهم في التأثير في تشكيل وعي الجمهور اجتماعيا وأخلاقيا، خاصة أنها مادة تدخل البيوت بلا استئذان، ويشاهدها كافة الفئات العمرية؟
الإجابة تبدأ بالجيد في أعمال دراما 2022، من خلال مسلسل (الاختيار – الجزء الثالث): والذي يؤرخ هذا الجزء لفترة حكم الإخوان المسلمين في مصر، وقد عرض الجزء الثالث من المسلسل هذا العام تحت عنوان (القرار) وشارك في بطولته عدد كبير من نجوم الفن في مصر، وهو من تأليف هاني سرحان، وإخراج بيتر ميمي وإنتاج شركة (سينرجي)، واستطاع (ياسر جلال) أن يجسد بحرفية عالية شخصية رجل الأقدار (عبد الفتاح السيسى)، وعبر جيدا عن ذلك الرجل العسكري ذى المسحة الإنسانية، والمشاعر الدافئة التى تطغى فوق صرامة الجندي، كما يبدو من عوالمه الروحية الظاهر منها والباطن عبر لغة خطابه التي جعلت المصريين يلتفون من حوله، وحول (ياسر جلال) في أدائه، وهذا ليس فضل لأحد عليه، فالرجل استطاع أن يتربع على عرش قلوب المصريين فى فترة وجيزة، بعدما أعاد ضخ دماء الوطنية من جديد فى شرايين مصر والمصريين البسطاء، وأعاد نبض الحيوية لوطن وشعب من جديد، بعدما كان المصير المحتوم هو النهاية المأساوية والضياع والانهيار، بل الخروج من بوابة التاريخ الخلفية بلا عودة.
غاص مسلسل (العائدون) باستفاضة فى توصيف (الإرهاب)، وكيف وضع المواطن العربى والمسلم فى خانة الدفاع عن النفس دائما، مشيرا إلى أن المتطرف دائما يتولى أمره ما يسمى بـ (المسئول الشرعي) والإرهابى يحارب بالوكالة ويموت بالوكالة دون مقابل، مؤكدا أن الإرهاب له صناع و(سماسرة)، ومن هنا تأتى كل تلك الأحداث المشحونة بالمعلومات والحقائق والوثائق التى حظى بها مسلسل (العائدون)، وتتضح لنا الغاية والأهداف الخفية جراء تلك المؤامرة الكبرى على مصر، فضلا عن كشف اللثام عن هذا العالم الخفى المليء بالغموض والأسرار، وربط خيوط المؤامرة، ويبدو لافتا أيضا تناول (العائدون) للجانب الاجتماعى فى حياة رجل المخابرات الذى يعيش حياة عادية مثله مثل كل مواطن يحيا على تراب هذا الوطن المقدس، حتى يمكننا القول براحة تامة أن تلك الملحمة الوطنية استطاعت أن تسطر بحروف من نور قصة أسطورة (الصقر) الذى تتخذ منه المخابرات العامة العامة المصرية شعارا لها.
في تواز تام بين السيناريو فائق الجودة من جانب المبدع (عبد الرحيم كمال) مع أداء خرافي من جانب طاقم عمل تمثيلي استطاع حسين المنباوي استخراج أفضل ما فيه من طاقة تمثيلية في مسلسل (جزيرة غمام)، بفضل أداء مخيف لكوكبة من النجوم على رأسهم (طارق لطفي) الذي برع في أداء دور الشيطان (خلدون) في تجلياته المرعبة عبر عيون تعرف مواطن الرعب ولغة جسد تقوى على ترجمة ما يدور في رأس الشيطان بسلاسة، فضلا عن فلسفة عميقة حول قضايا الحب والعاطفة من جانب (أحمد أمين) الذي نجح بأداء تراجيدي ناعم أن يأسر قلوبنا وعقولنا التواقة إلى تنقية النفوس ورأب صدع الفكر المتطرف الذي يكمن في نفس (محارب/ فتحي عبد الوهاب) وعناد (البطلان/ محمود البزاوي) وسيطرة (عجمي/ رياض الخولي) الذي يحاول جاهدا السيطرة على مقاليد أمور (الجزيرة) الغارقة في أعمال الغيبيات التي تكسو الحالة العامة عبر أحداث تتسم بالإثارة والتشويق، فضلا عن (محمد جمعة/ الشيخ يسري) في خنوعه ودعته للتفاعل مع ضعف النفس البشرية.
أطلت علينا الفنانة (نيللي كريم) هذا العام بتحفتها الاجتماعية (فاتن أمل حربي) الذي ناقش أزمة امرأة مصرية بعد الطلاق وانتقد تعثر سبل التقاضي أمام النساء بسبب قانون الأحوال الشخصية، رغم الاحتفاء بجرأة العمل (الذي كتبه الصحفي إبراهيم عيسى) لمناقشته أزمة قانونية بشكل صريح في مناخ سياسي صعب، إلا أن المعالجة الدرامية للعمل كانت رائعة للغاية، العنف الأسري، تسير حلقات المسلسل في بناء ثابت يتكرر كل حلقة وهو إظهار مشهد خلفي flash back في البداية يؤطر طبيعة علاقة (فاتن وسيف) وخلافاتهما اليومية التي تصل إلى العنف الجسدي، ثم يعود إلى الحاضر الجحيمي الذي تعيشه فاتن بعد طلاقها، وعلى الرغم من كون (سيف) هو الشخصية الوحيدة التي تستثنى من الحكمة الإيجابية فإنه لا تنقصه البلاغة والتفوه، يضع صناع المسلسل على عاتق (سيف) كل سمات الذكورة المسممة التي يمكن التفكير فيها كما يحملونه كل العيوب الاجتماعية للرجال المصريين، يظهر أحيانا كشخصية واقعية فعلا، فهنالك آلاف الرجال الذين يشبهونه، ويحسب لأداء (نيللي كريم وشريف سلامة) أنهما فتح النقاش حول أحوال يصعب استمرارها أيا كانت درجة صدقه في تناولها، فيسعى العمل لتغيير القوانين الظالمة بتكرار القول إنها ظالمة وكأن ذلك هو أسلوب مناشدة السلطات الواعية تماما بمحتوى العمل.
ليس هنالك من شك في أن كاميرا (كاملة أبو ذكري) لها سحرها وبريقها الأخاذ الذي يلتف النظر إلى أي عمل درامي تتصدي له، بحكم خبرتها وذكاءئها الحاد في القبض على فكرة مغايرة لما هو سائد في الدراما العربية، فعلى الرغم من أن هناك أكثر من مسلسل تعرض لممارسات (داعش) الدموية من قبل، إلا أن كاملة قررت خوض تجربة مختلفة مستندة لقصة (محمد هشام عبية)، الذي ذهب بها ومعها إلى وجهة أخرى تكشف زيف (داعش) في إقامة دولة (الخلافة المزعومة) على جناح الدم والرعب، وفي طيات الأحداث تكشف بالصورة والصوت فساد التنظيم الإرهابي من الداخل فيما يسمى جهاد النكاح والشذوذ والخمر، وغيرها من موبقات لم تتطرق لها الأعمال السابقة على مسلسل (بطلوع الروح)، وأوجدت (كاملة) طريقة خاصة في نقل المشاعر والمعلومات للممثلين (منة شلبي وأحمد صلاح السعدني) اللذين أبدعا بجوار كل فريق العمل التمثيلي، من أجل خروج المشاهد بشكل صادق ومؤثر.
ومن ضمن الأعمال الاجتماعية الهادفة في موسم رمضان 2022 التي تخاطب الأسرة بلغة راقية مسلسل (مين قال؟)، والذي عول على أن الدراما من الأدوات المؤثرة في مخاطبة العقل والوعي والوجدان لكونها تتسلل للمشاهد بشكل غير مباشر وبالتالي تسهم في التنشأة وتكوين السلوكيات والإخلاقيات وتعزيز القيم إلى جانب كثير من الأمور التي تقوم بها الدراما وتؤثر بشكل غير مباشر في تكوين الشخصية المصرية، ولعل نجاح هذه التجربة يرجع بالأساس إلى أداء ناعم من جانب النجم الكبير والعملاق (جمال سليمان) الذي يحرص طوال مشواره على تقديم أعمال فنية تحتوي على التميز والتفرد، وتتناول مواضيع تهم الشارع العربي، سواء أكانت اجتماعية أو تاريخية أو تراجيدية.
ظني أن بطولة (خالد النبوي) ولعبه شخصية (بليغ أبو الهنا)، كانت إحدى نقاط القوة بمسلسل (راجعين يا هوى)، وعلى الرغم من أن خالد قد لا يكون موفور الحظ في النجاح اللحظي لأعماله، لكنه حقق معادلة صعبة ونجح منذ الحلقات الأولى، وقد ساهم في ذلك كون (خالد) هو ممثل ونجم يملك قدرات تمثيلية عظيمة وحقق نجاحات عالمية، وامتاز بحس الدعابة والروح المرحة ليؤكد على شخصية (بليغ أبو الهنا) بأنه من المتصالحين مع أنفسهم ويتقبلون أخطاءهم ومنفتحين عليها، ولا يوجد لديهم مشكلة في أن تكون دعاباتهم ومزاحهم على أنفسهم وعلى تصرفات ومواقف هم من قاموا بها، هذا دليل على تقبل الذات والثقة بالنفس، وتعد هذه الصفات نادرة قل ما تجد أحد يتمتع بها، فهي مفتاح للراحة وللحياة السعيدة البسيطة الخالية من التعقيد.
وظني أيضا أن، مسلسل (ملف سري) بطولة هاني سلامة، هو الأقوى في كعكة رمضان 2022 على المستوى الأكشن الاجتماعي، حيث اتسم حلقاته بالإثارة لاحتوائه على تفاصيل تتصل بجرائم فساد واستغلال نفوذ لبعض الشخصيات المهمة، فالمسلسل يتناول أحداثا وقعت في عام 2013، وقد أجاد (هاني سلامة) في دوره، غير أنه يضم عددا كبيرا من النجوم القدامى، من بينهم محسن محيي الدين وحمدي حافظ اللذين عاد مجددا للظهور على الشاشة الرمضانية في عمل نوعي وفارق من الناحية الفنية والموضوعية، كما أن براعة السيناريو وجودته في مسلسل (ملف يسري) تتلخص في أنه ناقش قضايا اجتماعية وسياسية وإنسانية، بجانب تناوله حال البلاد خلال فترة عام 2013، فضلا عن أن الشخصيات كلها تتسم بـ (الغموض)، لأن تلك الصفة تعد أهم ميزة للشخصية على مستوى النظرات التي جذبت الجمهور حيث دارت أحداثه في إطار اجتماعي أكشن تشويقي حول جريمة قتل تنتج عن تصفية حسابات بين عائلة (المستشار يحيي/ هاني سلامة ) وعائلة المالكي التي ينتمي إليها رجل الأعمال الفاسد (يوسف المالكي) الذي لعب دوره بجدارة مطلقة ماجد المصري، ويحقق هاني في جريمة القتل.
ومن جديد تثبت حنان مطاوع أنها تصقل موهبتها بمرور الوقت، وأنها تستطيع لعب شخصيات مركبة مختلفة بعضها عن بعض، وفي كل مرة ستبهرنا بمدى بساطة أدائها لشخصيات معقدة تحمل الكثير من الجوانب المختلفة، تماما كما لعبت شخصيتين مختلفتين تماما بمنتهى البساطة من خلال مسلسل (وجوه)، مكون من حكايتين مختلفتين، الأولى بعنوان (وش تالت)، والثانية باسم (ميتافيرس)، ومن الحلقة الأولى إلى الأخيرة استطاعت أن تربط المشاهد بها فهي جاذبة عيونها تنطق قبل لسانها تمثل بكل جزء بوجهها، وتجد جميع المشاعر تؤديها ببراعة في المشهد الواحد فهى تجعلك تبكي معها وتبتسم معها وتعيش معها في أعماق الشخصية.. باختصار تخطفك إلى عالمها بمنتهى السلاسة، لأنها ببساطة لا تبالغ في نبره صوتها ولا تصرخ بصوت عالي ولا تفتعل تعبيرات وجه زائدة وتحترم المشاهد.
ويلاحظ تراجع الممثل محمد رمضان رغم تعاونه لأول مرة دراميا مع المخرج الكبير (محمد ياسين) واستعانته بالنجمة دينا الشربيني، ودرات الأحداث التي اتسمت بالارتباك والمط والتطويل إلى حد الممل في إطار اجتماعي حيث يقدم رمضان شخصيه (ماهر) الذي يقع في غرام (وردة) ويتزوجها والتي تلعب شخصيتها دينا الشربيني، ويدخل رمضان في عدة مشكلات بسبب تورطه في عالم الآثار بشكل أو بآخر، الا أنه يهرب ويطارده رجال الشرطة وعلى رأسهم الفنان أحمد مجدي، ولم تحظى (يسرا) بذات الرونق الذي اعتدنا عليه في تجربتها (أحلام سعيدة) ولاحق الفشل كل من (ريهام حجاج) في مسلسلها (يوتيرن)، وكذلك حسن الرداد في (بابلو)، وعمرو سعد في (توبة) لجنوحه نحو العنف، وروبي ومي عمر عمر في (رانيا وسكينة)، وجمادة هلال في (المداح) الذي وقع في براثن تكرار نجاح الجزء الأول،
وبعد انتهاء موسم رمضان نأتي للمواسم الموازية ولأن صناعة الدراما فى مصر تطورت مؤخرا، كما لاحظت عن قرب من خلال موسم الدراما الشتوية الحالية فى شقها الاجتماعى المثير، بعد أن أثبتت جدارتها ومنافستها لمسلسلات رمضان، وذلك منذ أن بدأت موسمي (الخريف والشتاء) مع بداية أكتوبر الماضي، وذلك بالخروج عن السرب والتغريد بعيدا، وذلك من خلال قضايا اجتماعية بطابع (رومانسى خفيف – نوستالجيا – الأكشن – الرعب، الساسبنس)، وهى في غالبها غاية فى الروعة، ومن ثم فقد أصبح لدينا أعمال درامية جديدة على كافة الفضائيات تناسب أجواء المشاهدين المصرين المتطلعين للتسلية والترفيه فى جو من الأمان فى غالب الأحبان.
مكاسب كثيرة حققها موسمي دراما (الخريف والشتاء) هذا العام، أهمها أنه كشف لنا عن جوانب مهمة فى موهبة النجوم: (صبري عبد المنعم، محسن محيي الدين، خالد الصاوي، صابرين، شريف منير، صلاح عبد الله فتحي عبد الوهاب، داليا مصطفى، خالد النبوى، سليمان عيد، ندى بسيوني، محمد فراج، طارق عبد العزيز، ريم مصطفى، ريهام عبد الغفور، عائشة بن أحمد، ، محمد مهران)، كما أنه فى الوقت ذاته سلط أضواء كاشفة على شباب قادمون على طريق النجومية بجدارة مثل (محمد مهران، محمد على رزق، أحمد جمال سعيد، هاجر الشرنوبى، مها نصار، سمر علام، دنيا ماهر، نور إيهاب، ريهام الشنواني) والذين جميعا يتمتعون بقدرة فائقة على تجسيد الشخصية التى يلعبون أدوارها ببراعة.
ومن الأعمال ذات الطابع الكوميدي مسلسل (طير بينا ياقلبي) الذي أثبت أن للدراما دور مهم في التوعية والتنوير، ولذا يصبح المسلسل التلفزيوني جزءا مهما في حياتنا، خاصة عندما يحكي لنا عن تاريخنا الماضي والحاضر بأسلوب مشوق يعيد لنا الثقة في الآباء الذين صنعوا مجدا تليدا على ضفاف النيل منذ فجر التاريخ وحتي اليوم، صحيح أن مسلسل (طير بينا يا قلبي) تعرض لقضية المدراس الخاصة والدولية، والتي تم معالجتها من قبل، لكنه عالج القضية بوعى أكبر وأشمل وضمنه رسائل إيجابية عن دور الآباء والأمهات في التربية ومساندة المدرسة في دورها التربوي والتعليمي، وقدم لوحات اجتماعية بشكل كوميدي لطيف بأداء مغاير للنجمة (ريم مصطفي) التي أظهرت نضوجا مختلفا عن دورها في (دوبامين) وأدوارها الأخرى، فقد جاءت هذه المرة خفيفة الظل وتحمل طاقة إيجابية تحيل أصعب المشاهد إلى واحة رحبة من الكوميديا اللذيذة.
وفي نهاية موسم الخريف وبداية موسم الشتاء يأتي مسلسل (أعمل ايه؟!) ليؤكد على الموضوع الاجتماعي في إطار كوميدي خفيف، ويركز على مفاهيم التماسك الأسري رغم المشكلات والمطبات التي تواجه الأب (عبد الله الفولاني/ خالد الصاوي)، وزوجته (إيناس/ صابرين) في رحلة الحياة التي تدور في فلك الشر والضغينة التي صدعت جدران البيت الذي يحوي بداخله أسرة كبيرة مكونة من (الأب والأم و4 بنات، والجدة، والأخت) في تناغم تلقائي غير مقصود، بقدر ما يبعث رسائل مهمة للغاية تحرض على التماسك الأسري مهما كانت الظروف والأنواء التي تحاصر هذا البيت القائم على الأفة والتراحم، وهو ما نفتقده في كثير من مسلسلات هذا الزمان، والجميل أن كل تلك المفاهيم جاءت بحس كوميدي خفيف يحد من التوتر والعصبية التي كان لها وجودا مكثفا جراء تلك الحياة المشحونة بالغضب.
أما موسم الشتاء فقد دشنه مسلسل (الضاحك الباكي) والحقيقة أن المشاهد لم يبدي أي نوع من التعاطف مع هذا المسلسل من أول حلقة لأنه متخم بالأخطاء سواء على مستوى السيناريو المهلهل الذي لايرقى لمستوى شخصية الريحاني المرحة والمليئة بالسخرية الممزوجة بالفلسفة، وفضلاعن الأخطاء التاريخية القاتلة في عرض حوداث أو أغان في غير موضعها، ناهيك عن ارتباك واضح منذ البداية في أداء (عمرو عبد الجليل) الذي ظل طوال الوقت يلعب على الإفيه ولم يركز على تجسيد حقيقي للريحاني، وأيضا الفنانة الكبيرة (فردوس عبد الحميد) التي تبدو لي وللمشاهدين أنها نسيت التمثيل، علاوة على عدم لياقتها لدور الأم التي تكبرها بأربعين في إصرار متعمد من زوجها المخرج الكبير(محمد فاضل) الذي دق مسمارا في نعش المسلسل جراء هذا الاختيار السيء، سواء لفردوس وعمرو أو باقي فريق العمل الذي يغرد خارج السرب.
ويأتي بنفس السوء مسلسل (المتهمة) فعلى الرغم من تميز الأداء فيه لكل من (على الطيب، عادل كرم، محمد دياب، رشدي الشامي، مها نصار، محمد عبد العظيم، محمود غريب)، لكنه أكد في الوقت ذاته على أن الفنانة (درة) تخاصم التمثيل تماما، ومع احترامي لكل من أشاد بأدائها في هذا المسلسل، إلا أنني أراها باردة خالية الإحساس، فملامح وجهها لم تتغير مع تطور الأحداث على الإطلاق، مع أن الشخصية تحمل أبعادا كثيرة وعديد من المررات والأزمات التي تدفع إلى التنوع في الأداء، ومن ثم فإنني أعجب حقا من منحها كل تلك الفرص التي تنقلها من فشل لآخر، وكأن هناك من يفرضها بالقوة على الدراما والسينما المصرية لسر لا يعلمه إلا الله.
ولأن (فتحي عبد الوهاب) ممثل من الطراز الرفيع في أداء السهل الممتع فقد جاء مسلسله (بيت فرح) كأروع أعمال هذا الموسم، فعلي الرغم من أن الأحداث في غالبها تدور داخل عمارة سكنية، إلا أنه عزف على المشاعر الداخلية لشخصيات من لحم ودم تسكن عقارا قديما، لكن تربطهم جميعا المودة والرحمة وإن بدت (الدكتورة عالية/ داليا مصطفي) حادة الطبع ومثيرة للمشاكل مع أستاذ اللغة العربية (فرح/ فتحي عبد الوهاب)، لكن مع تطور الأحداث بدأت الرسائل في التدفق لتؤكد على الجيرة التي افتقدناها أو ربما نسيناها في زحمة الفضائيات والموبايل والسوشيال ميديا التي تطاردنا أينما ذهبنا، ولعل المشاهد شعر مثلي بتلك الأحاسيس الفطرية المتدفقة في رومانسية آسرة من جانب (فرح) الذي ظل وفيا لزوجتها التي تركته وغادرت الدنيا، لكنها تأتيه في أحلام اليقظة لتؤكد له على إنسانيته.
وفي ذات السياق الإجتماعي فائق الجودة يأتي مسلسل (إيجار قديم) ليغرد مع (بيت فرج) على أوتار الشجن المحبب من خلال علاقة الجيران ببعضهم البعض، ولعل أبرز أوجه التناغم بين (شريف منير، وصلاح عبد الله) تبدو واضحة في أحداث تتسم بالتركيز على القيم والأخلاق، ولو أن لي ملاحظة أن عنوان المسلسل (إيجار قديم) كان يوحي لى في البداية بأنه سوف يتعرض لقضية (علاقة المالك بالمستأجر) بوجهيها، وليس انحيازا للمالك والإيحاء للمشاهد بأن (المستأجر) هو الكابوس الذي يجثم على أنفاس المالك المسكين، مع أن هناك قصص لافتراء المالك على المستأجر يندى لها الجبين ويشيب لها الطفل الوليد من فرط مأساويتها، فالمفروض أن المسلسل يتعرض لمشكلة مزمنة تحتاج لحل يرضى الطرفين وليس عرضا لمأساة طرف واحد هو المالك فقط.
ويبقى من المعروض في موسم الشتاء مسلسلات تتأرجح بين الجدية والسوء مثل مسلسلات (النزوة، الغرفة 207، اتزان، العيلة دي، مشوار الونش)، والتي يجنح بعضها إلى الرعب والسيكودراما، بينما الباقي يميلون نحو الكوميديا والخيانات الزوجية ومشاكل الميراث، وغيرها من موضوعات تأتي في ترتيب الجودة في المرتبة الثانية، ولو أنها تميل نحو الإثارة والتشويق في أحداث تتسم بسرعة الإيقاع والتراجيدي والإنساني.
والسؤال الأخير: أليس بإمكان قوة مصر الناعمة أن تقدم أعمالا فنية على قدر كبير من المتعة كما كان من قبل؟
نعم ومن المؤكد أننا إذا ما تأملنا واقعنا وتاريخنا سنجد العديد من الطرق يمكننا السير فيها، فلا يشترط أن نقدم عملا فانتازيا خيالي، أو ليكن ذلك، لا يهم، الأهم هو أن نستغل ما لدينا من إمكانات على مستوى الإنتاج الجيد، خاصة أن لدينا الآن أجيالا جديدة على قدر من الاحترافية فى العمل على مستوى التمثيل والإخراج، فضلا عن كتاب سيناريو على درجة عالية من الوعى الذى يمكنهم من فهم طبيعة الجمهور وتقديم أعمال جيدة تتفق مع السياق العام للمجتمع، وتلعب أدورا مهمة فى التوعية والتنوير التى من شأنها أن تؤدى إلى تطور الأمة المصرية فى تلك اللحظة الراهنة، بل وتملك القدرة على استعادة بريقها الذى كان.