بقلم : محمد شمروخ
أراهم على حق أولئك الذين صبوا جام غضبهم على الدكتور حسام موافي، سواء في وسائل إعلامية تقليدية أو من خلال نوافذهم الخاصة في حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعى، لأنه يلبس الأمور الطبية العالمية ثوب الدين ويتلمس الحكمة الإيمانية في كل أمر أو نهى حتى لو كان الأمر أو النهى غير متعلق مباشرة بصحة الإنسان.
أؤيدهم وأقف في صفهم، بل وأزيد وأطالب الدكتور موافى بأن يعتزل مهنة الطب ويتفرغ لأمور الدعوة، وألا يدخل العلم عامة أو ما يتعلق بالعلوم الطبية خاصة في خطبه ومواعظه.
سأكون معهم، لكن بشرط واحد هو أن يثبتوا أن الدكتور حسام موافى قد ترك الأساليب العلمية المتبعة في علاج مرضاه وأنه يتخلى عن السماعة وجهاز الضغط ويحول عيادته إلى مركز للعلاج بالقرآن وتقديم وصفات دوائية حسب الوارد في المخطوطات التراثية لا يتعداها لسواها، أو أنه يرى العلاج الحديث نوعا من الغش والتدليس والضحك على المريض للعب بأعصابه واستزاف أمواله!
لكن مادام هذا الشرط لم يتحقق، فاسمحوا لى أن أتراجع عن موقفى السابق، وأزيد عليه بأن أقدم دعوة للأستاذ الدكتور حسام موافى أن يزيد من جرعاته فى هذا المجال ويستمر في استكشاف أسرار الجسم الإنسانى في الصحة والمرض من آيات بينات على القدرة الإلهية!.
آه وكتاب الله المجيد أنا أتكلم بمنتهى الجد، أنا أستمتع بأحاديث الدكتور موافى في الطب وغير الطب، ولست مع أولئك الذين يريدون للجسم الإنسانى أن يكون مجرد تفاعلات بيولوجية تخضع لما تم اكتشافه من قوانين علمية، فأى غربة تلك التى يريدونها تحت مسمى (العلم) هل العلم ينفى الغائية في الخلق الطبيعى؟!
بمعنى آخر، من الذي ألزم العلم بأن يكون في هذا المفهوم الضيق المبهم؟!،
ثم أن لدى سؤال يخرج بنا من نطاق العلم والصحة إلى الفلسفة وهو: هل هذا الجسد الذي يشكل الإنسان الذي يأكل ويشرب وينام ويقوم ويجوع ويشبع ويحب ويكره ويلص ويغدر، عبارة عن هيكل عظمى مكسو باللحم، تعمل فيه أجهزة حيوية من قلب ورئة وطحال وكبد، وتسرى فيه طاقة تعمل على تنتظيم حركته وتوجه أفعاله وردود أفعاله تحت تاثير العوارض الداخلية أو الخارجية؟!
يعنى: الإنسان كموجود نوع أو فرد، علميا، لا علاقة له بهذا الجسد الإنسانى، لأنه حسب النظريات العلمية والتجارب المعملية، لا يقدم أى تفسير لحقيقة وجود هذا الـ (أنا) وذلك الـ (أنت) وذاك الـ (هو) وأولئك الـ (نحن).
فالجسر الوحيد الذي يربط ما بين حقيقة هذه التفاعلات البيولوجية الناتجة عن عمل خلايا الجسم الإنسانى وبين إحساس الإنسان بوجوده في هذا الكون ككائن له وضعية خاصة، هو الدين، هو الإيمان، هو العقيدة.
استبدل ذلك كما تشاء، باعتقاد تأثير منظومة أفكار وتقاليد حالية أو موروثات أثتربولوجيا اجتماعية، لكن هل قمت بحل المعضلة بهذا الاستبدال؟!
السؤال الأكثر إلحاحا على الجميع.. ما حاجة الإنسان لكل هذا؟!
أى إجابة لن تكون شافيه لأن الـ (لماذات) في حال التجاهل ستطاردك حتى الجنون أو الجمود ثم ادع كما شئت أنه (العلم).
فأنت وأنت وهو.. حسب الرؤية العلمية التقليدية (مش أنت ولا أنا ولا هو) فنحن مجرد انفعال وقتى خرج عفوا من رحم مجهول إلى مصير معدوم وما بين الاثنين خواء أو عدم أو عبث، هذا ما لم يكن هناك هدف غائي يتحقق في كونك كائن مسئول ومادمت مسئولا فهناك من تقف أمامه لتقدم الكشف النهائي لهذه المسئولية ولن يكون هذا سوى الله.
نعم الله.. غاية الدين وغاية العلم وغاية الكون وغاية الوجود الإنسانى!.
فماذا قدمت الرؤية الدعاة بالعلمية والمفروضة فرضا، عن الإنسان، سوى أنه كتلة من المواد الغامضة التى ألقيت في هذا العالم، بلا هدف أو غاية.؟!
إنها مجرد وقوف وتسجيل ملاحظات في كشف واستكشاف لانهائيين.
أعتقد أنه يبدو عملا عبثيا مهما وضع في صيغ علمية أو فلسفية أو عقلية.
إن محاولة مد جسور بين الحقائق العلمية وبين الدين محاولة فلسفية في أساسها، قام بها فلاسفة وعلماء ومفكرون في كل العصور، وسواء صادفت الحق أم لم تصادفه، صائبة أو خاطئة، فمن حقى ومن حقك ومن حق أى إنسان في أى مجال أن يتحسس الحكمة في وجوده أو وجود الكون ذاته.
فما معنى الجسد الإنسانى وما معنى الكون إذن؟!
من حقك أن تعتقد أن الكون يسير كمادة صماء بلا هدف ومن حقك أن تعتقد أن الإنسان مجرد نتاج لتفاعالات طبيعية، فلا خالق ولا خلق ولا غاية.
لكن من الذي سيخول لك إعطاء نفسك الحق في فرض تصورك عن الكون والإنسان؟!
ستقول العلم وهذا الادعاء هو الذي ستقف به رافضا سبيل الدكتور موافى وكل من يتلمس حكمة الخالق في خلقه
حسنا.. وهل سيادتك ممثل رسمى عن العلم في هذا العالم وصاحب الامتياز في الحديث باسم العلم؟!
من ألقى في روعك أن مفهومك عن العلم هو العلم نفسه، أو فكرتك عن الكون هى الكون نفسه أو رؤياك للإنسان هى الإنسان نفسه.
هل عهد إليك العلم بذلك؟!
سيكون الدكتور حسام موافى مخطئا خطأ جسيما هو وكل الذين سبقوه في هذا المضمار، د. مصطفى محمود مثلا، لو ادعوا أنهم تلقوا أفكارهم وحيا وأن ما يدعونه يلزم كل الناس الإيمان به. فالمبدأ أن ما يطرحونه هو نتاج تفكير لهم يمكنك أن ترفضه أو تقبله تتجاهله أو تسفه منه، لكن ليس من حقك أن تنزع منهم حق التفكير وطرح الرؤى.
لكنك ربما لا تعلم أن تلك النظرة الباردة الجافة في التعامل مع الكون والإنسان على أنهما مجرد معادلات وتفاعلات لم تعد تسم العلم كما كانت في المرحلة التى سيطرت فيها المفاهيم النتاتجة عن قوانين نيوتن أو مندل أو داروين، والتى قدمت الحياة الكونية والإنسانية كمجرد وصف بلا هدف أو غاية، هذا مع الوضع في الاعتبر أن كثير من رواد النظرة العلمية، لم يكونوا متسمين بتلك النظرة الصماء.
والإنسان أمام الاكتشافات العلمية نفسها لا يمكن أن يكون بكل هذا البرود الوجودى ويقف سلبيا حيال نفسه جسدا ونفسا وروحا.
اقرأ إن شئت عن نظرية الكم وتطوراتها خلال المائة سنة الماضبة.. صدقنى سترى مثل (الدكتور موافى) ولكن في صيغ ومجالات أخرى.
لقد قالها آينشتاين من قبل (إن الله لا يلعب النرد !).
لقد سمعت الأستاذ الدكتور حسام موافى وهى لا يخجل من إظهار أنه رجل مؤمن، فقد بذلت جهود جبارة داخليا وخارجيا لإلحاق الخجل بإعلان هذه الصفة.
وأحب أن أنوه إلى أن ما يتحدث عنه (الدكتور موافى) أو أى عالم في مجال آخر لا أميل لتسميته بالمعجزات، فالله لم يخلق الكون ليتحدى به الإنسان أو أى كائن ما كان، بل لنتركها كما يسميها القرآن بالآيات لا المعجزات.
فالذي نعرفه أن هناك من يعلمون أنه الحق وهناك من يجادلون فيه.
(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).
من حق (الدكتور حسام) أن يتكلم لو كان مخطئا ومن حقك أن تعترض ولو كنت متعسفا.. المسألة في غاية البساطة وليست في حاجة إلى كل هذا الحنق عليه!
لكن لماذا الحنق من الأساس؟!
في إجابة هذا السؤال يكمن السر، فلو أجبت لاسترحت.. إن كنت تريد أن تصل لما يريحك.