بقلم : بهاء الدين يوسف
تابعت طوال الأيام الماضية النقاشات التي دارت حول مشاركة الفنان الشاب (ويجز) في نهائي كأس العالم بقطر بأغنية (عز العرب) وعدم تقبل الكثيرين لفكرة أن يكون (ويجز) هو من يمثل الفن المصري في المحافل الدولية، بينما رأى البعض ونوه الزملاء هنا في الموقع الى أن اختيار المطربين للغناء في الدول الخليجية يحمل شبهة تعمد الإساءة للفن المصري الذي أنجب (أم كلثوم وعبد الوهاب وسيد درويش وعبد الحليم) وغيرهم من القامات الفنية العملاقة التي لا تزال موسيقاها وأغنياتها تصدح في جميع أنحاء الوطن العربي.
بداية أعترف أنني لست ممن يستمعون إلى الأغاني الحديثة بشكل عام خصوصا من يصطلح على تسميتهم بمطربي المهرجانات، وقد توقفت ذائقتي الموسيقية عند (جيل عمرو دياب) ومن قبله (منير والحجار) وغيرهم ممن كانوا يمثلون جيلنا فنيا في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، وبالتالي لا أستطيع الحكم على جودة ما يقدمه هؤلاء المطربين من عدمه، لكنني أستاذنكم في التوقف أمام نقطتين أخريين قد تصلحان لفتح نقاش عام حولهما.
النقطة الأولى: أننا اعتدنا في سنوات التراجع الثقافي والفني والسياسي على لوم الأشقاء والأصدقاء على اختياراتهم من فنانين وإعلاميين يرى أهل النخبة في مصر أنهم أقل من أن يمثلوا بلد الفن والثقافة، وننسى أن ما يفعله أصدقائنا في الخليج يشبه ما يفعله صاحب الفرح، الذي يختار من يحلو له من المطربين والفنانين وحتى المعازيم لدعوتهم الى المناسبة التي تخصه والتي يدفع تكلفتها من ماله الخاص، وبالتالي يحق
له اختيار من يرى انه يناسب ذوقه أو (يعمر دماغه) دون أن يكون عليه لوم من أحد، علما بأن أبنتي أفهمتني خلال دردشة معها قبل كتابة المقال أن (ويجز) لا يمكن تصنيفه مع مطربي المهرجانات كونه أكثر رقيا في المستوى الثقافي والاجتماعي، كما أنه يقدم أغنيات له مدلول، وإذا كان لابد من تصنيفه فلكن ضمن الموجة الغنائية المتمردة التي تتضمن الفرق الجديدة مثل (كايروكي) وغيرها.
النقطة الثانية: أن كل هؤلاء المطربين الذين يعتبرهم النخب المصرية فقاعات غنائية ظهروا وكسبوا شهرتهم في مصر أولا قبل أن تعرفهم دول الخليج وتدعوهم لاحياء مناسباتها الخاصة، بمعنى آخر أننا في حالتنا هذه نكون مثل الذي قام بتحضير العفاريت ثم أخذ يصيح في جيرانه بغضب شديد مطالبا منهم أن يصرفوهم، وفي هذا السياق لابد من الإشارة الى أن النقاشات التي تابعتها قادتني إلى قناعة بأن هناك انفصال شبه كلي بين أذواق الأجيال الجديدة عن جيل الأباء في مصر، ربما يكون ناتجا عن الطفرة التكنولوجية التي نقلت حياة الشباب الى الواقع الافتراضي بينما لا زلنا نحن الاباء نحبو محاولين اللحاق بهم، أو ربما يكون هذا الانفصال ناتجا عن حالة تمرد ذات مدلول اجتماعي وسياسي يعكس رفض الشباب لقيادة العواجيز الذين صعبوا عليهم الحياة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.