بقلم الإعلامية الكبيرة : هدى العجيمي
اللغة العربية أيضا كانت هى الشغل الشاغل لنجيب محفوظ، أثناء هذا اللقاء في الحلقة الماضية تحدث نجيب محفوظ أديب نوبل الكبير عن تقلص حجم قاعدة القراء في السنوات الأخيرة.
فكان السؤال الذي توجهنا به إليه هو: حضرتك أشدت بمواهب الأجيال الحالية وبأنهم على درجة كبيرة من الثقافة والجودة والفن، لكن لم يستطع احد منهم تحقيق النجومية التي توصله الي قاعدة عريضة من القراء وبعض الأدباء يفسرون ذلك بأن حضرتك وأبناء جيلك تقفون عقبة أمام هؤلاء الشباب؟
يقول نجيب محفوظ: شوفي.. لو كان الجو طيبا لأصبح نشاط الكبار من دواعي نشاط الشباب فأنت عندما تكتب قصة وتجد زميل وزميل آخر ينشرون في نفس الوقت قصصا في مستواها تتحمس للكتابة والنشر، وعندما تجد الكتب تصدر من هنا وهناك يحدث نفس الشيء، لكن المشكلة أننا عندما نصاب بالإحباط نسارع بتعليق هذا على أي شيء.. يعني ننظر إلى أم كلثوم من ناحية الانتشار والنجومية وعبد الحليم حافظ ونتذكر ما كان يقوله المطربو ن وقتها ونجد الآن أن زوالهما هبط بالفن ولم يفتح طريق النجومية لغيرهما.
فنحن بدأنا الظهور في وسط العمالقة بحق وكان كل همنا أن ننال اعترافهم بنا لأن الجو كان جيدا فهو سوف يسعهم ويسعنا ويسع كل الناس.
وماذا كان موقف هؤلاء العمالقة من كتاباتكم؟
طبعا في البداية لم يكن أحد منهم يدري بنا ونحن لانلومهم على ذلك، وكانوا يتعرفون علينا بالصدفة عن طريق مسابقة أدبية في المجمع أو في وزارة التربية والتعليم ويكون أحدهم عضوا بلجنة التحكيم فيها فهم يعرفونا عن هذا الطريق، فمثلا الدكتور طه حسين كتب بعد أن تعرف علينا في نادي القصة.. كتب عن جيلنا كتابة في غاية الجودة.. العقاد لم يكتب لكن وصلت إلينا آراؤه.
أذكر انه في مسابقة أعلن عنها مجمع اللغة العربية وقف العقاد يشيد برواية لي وقيمتها الفنية واعتبرها علامة من علامات الرواية المصرية، وأنا كنت قد تقدمت إلى هذه المسابقة باكثرمن رواية علي ما أظن (خان الخليلي وزقاق المدق، والقاهرة الجديدة).
وعندما كتبت رواية (خان الخليلي) هل كان فن الرواية في ذلك الوقت يعتبر شكلا جديدا في الأدب الحديث؟.
كان قد كتبها من قبل (طه حسين والماز ني والعقاد وتوفيق الحكيم).
يقولون أن الأديب يكتب كثيرا لكن ما سوف يبقى في وجدان الجماهير كتاب واحد أو اتنين فلو سألنا نجيب محفوظ: ماذا سوف يتبقي ويعيش في الوجدان من أعمالك؟
يقول نجيب محفوظ لو سألتني أنا كقارئ لنفسي قد أقول (الثلاثية) وبعض الأصدقاء يقولون (ملحمة الحرافيش) مثلا.
هذا يطرح سؤالا: وهو هل التفت إليك النقاد وكتبوا عنك بعد صدور الثلاثية أم قبلها؟
قبلها بوقت قصير لكن الاهتمام تفجر بعد صدور الثلاثية، لكن أحب أن أقول لك أن الأساس هو القارئ وليس الناقد.. أي القراء والجمهور، فهناك كتاب كتب عنهم النقاد أكثر مني لكن هذا لم ينفعهم، المهم أن يجد هذا الكاتب قراء يقرأون أعماله.. أي أن الشيء الطبيعي هو أن تكتب وتجد قراء لما تكتبه وعندما يكون المناخ طبيعيا يكون للكاتب قراء ونقاد ايضا.
وماذا لاحظت حضرتك في كتابات الجيل الجديد؟
لاحظت أنهم غير تقليديين في كتابة القصة القصيرة والرواية وأنهم يجربون مختلف الأساليب التي تحدث في العالم، ولاحظت أيضا بعضهم أو أغلبهم يعني بالتفاصيل الدقيقة جدا سواء من يكتبون عن الريف أو عن المدينة، لكن هنا مشكلة خطيرة وهى أن بعضهم غير متمكن من اللغة العربية كما يجب.. مشكلة اللغة أصبحت عيبا شائعا في كثير من كتابات الأجيال الشابة.
وهنا يحضر سؤال وهو عن مسألة اللغة لدى الأديب فى الأسلوب والحوار أي اللغة التي هى أداة الكاتب كيف تكون؟
يقول نجيب محفوظ: أنا قلت إنني أؤمن تماما بحر ية الكاتب وما يختاره لنفسه إن أراد أن يكتب بالفصحي فله أن يكتب بالفصحى، وإذا أراد أن يكتب بالعامية أو اللغة الدارجة له أن يكتب بهما وإذا أراد أن يخلط بين الاثنين هو حر، إنما أيا كان الاختيار فيجب أن يكون متقنا وعن علم، فإن كان ينوي أن يكتب بالفصحى فلابد أن يكون قد قرأ التراث وعرف مصادرها الأولي ومصادرها الحديثة، وإن كان يستخدم اللهجة الدارجة أو العامية فيجب أن يكون مرهف الحواس ويعرف جيدا كيف تتحدث الناس وكيف تعبر عن نفسها لكن أيا كانت الحرية، فهى تقتضي العمل والدرا سة والإتقان.
أنا شخصيا أفضل العربية الفصحي لكن لا أستطيع أن أمس أو اقترب من حرية الفنان المبدع، أنا افضل الفصحى لأنها لغة التراث واللغة القومية واللغة التي تجمع العرب من الخليج إلى المحيط، والمهم هو الثقافة والاطلاع.. أي الثقافة والتعرف على الآداب العالمية والثقافات العالمية وليست كتابة الأدب فقط.
هل نستطيع أن نحظى بنصيحة بصفة عامة لأي أديب شاب؟
الأدب الآن لاشك قد وجد منافسا خطيرا في السينما والتلفزيون في العالم كله، وهو قد خسر كثيرا من قاعدته.. أي القراء فالذى يريد أن يكون أديبا يجب أن يختبر نفسه هل يقدر أن يصبر علي الأدب لأن الأدب الآن يحتاج إلى الصبر، سواء في الشهرة أو الجزء المادى أو في سرعة الوصول لأن طريق الأدب صعب في الحقيقة، وهذا يعني أنه إلى جانب الموهبة يحتاج الأديب إلى دراسة وإلمام بالثقافة العامة في شتى العلوم والمعارف، إلى جانب أنه يجب أن يأخذ الأمور بجدية ويحاول الإتقان ما وسعه ذلك ويصبر علي طريق شاق جدا الوصول فيه أصبح صعبا جدا، وكلما تقدم الزمن سوف يصبح أصعب وأصعب أن نعيش.
ثم توجهت بسؤال إلى الأديب الكبير حول موضوعات رواياته وهل هذه الموضوعات هى بعينها التي رسمتها ورسمت شخصياتها بقلمك الرشيق؟
أجاب الأستاذ نجيب محفوظ: من الممكن أن يتأثر الأديب ببعض المعالم ويتحدث عن المكان ويخلقه خلقا جديدا، فمثلا أنا في موضوع الحارة لا أتحدث عن حارة معينة إنما أتحدث عن الحارة التي تفيد روايتي، وقد لاحظت أن كثيرين يأتون إلى ويقولون عاوزين نري (زقاق المدق) وعندما يذهبون ويرونه يصابون بشيء من خيبة الأمل، فهم يتصورون أنهم سيجدون مثلا ملحمة (الحرافيش) بكل دكاكينها وشخصياتهم الحقيقية، فالحكاية سواء كانت الرواية واقعية أو رومانسيه أو فانتازيا فهي أساسها الخيال وإعادة الخلق والتكوين.