ألبوم رائع لـ (علي الحجار ومحمد الحلو) يذكرنا بعظمة تراثنا الغنائي
كتب : أحمد السماحي
عام 1975 انطلقت دعوة من الإذاعة المصرية عن مشروع علمي عظيم لجمع وتصنيف وتحليل كل التراث الغنائي العربي المسجل على اسطوانات وأشرطة في جميع البلاد العربية ابتداء بمصر، وذلك انطلاقا من سنة 1903 أي عندما سجل أول إنسان عربي صوته على اسطوانة، وبما أن المشروع انطلق من القاهرة، وبما أن مصر هى عاصمة الفن العربي المعاصر، فقد كان طبيعيا أن يبدأ الحصر في الإنتاج الغنائي العربي المصري.
خلاصة المشروع باقتضاب هى إخضاع الإنتاج الموسيقي والغنائي العربي بعد جمعه برمته وتصنيفه تصنيفا تاريخيا وعلميا (حسب المقامات والإيقاعات) إلى تحليل علمي، وكان الهدف من التحليل العلمي التعرف إلى تطور الذوق العربي العام في كل فترة من فترات التطور الغنائي العربي، وذلك ليس بمجرد الاستنتاج العابر أو الاستماع إلى بعض أقوال الأسلاف، بل بدراسة النماذج التى سادت في كل فترة، كذلك فمن أهداف المشروع دراسة العوامل الثابتة في فن الغناء العربي التى بقيت قاسما مشتركا بين كل مراحل تطور هذا الغناء، ولعل من أطرف تفاصيل المشروع وأكثرها إثارة للمستمع دراسة أصوات مشاهير المغنيين والمغنيات العرب.
وتحمس كثيرين لهذا المشروع الذي تم نشره في العديد من المجلات الفنية وقتها، ومثل كل المشاريع العظيمة نام في أحد أدراج المسئولين الذين نطلق عليهم الموظفين البعيدين عن الفن.
كل هذا تذكرته عندما وقع في يدي ألبوم أكثر من رائع يجمع مجموعة من أجمل وأعذب الحناجر التى جاءت في تاريخ الغناء المصري وهم (علي الحجار، ومحمد الحلو، وإجلال المنيلاوي، وعائشة حسن، وتغريد البشبيشي) وهم من الأجيال المثقفة الدارسة التى نمت على استيعاب تجارب الأجيال التى سبقتهم، ثم أضافت إليها بعد أن أنضجتهم التجارب تجربتهم الخاصة وصوتهم الخاص ونبرة عصرهم.
الألبوم الذي بين أيدينا وسنتوقف عنده هذا الأسبوع في باب (غلاف ألبوم) بدون عنوان! كل المكتوب على غلافه الذي يتصدره علي الحجار، ومحمد الحلو، (الحفني للموسيقى العربية)، وعندما اشتريت هذا الألبوم من 20 سنة وأطلعت عليه صديقي المطرب (محمد الحلو) قال لي: أنه لا يعرف عنه شيئا!، وبالتأكيد أنه إنتاج أستاذتي الدكتورة (رتيبة الحفني) لأن الأغنيات الموجودة غنيتها في فرقة الموسيقى العربية، ونفس الكلام ذكره لي أيضا صديقي مطربنا الكبير علي الحجار!.
يتضمن الألبوم مجموعة من الأدوار والموشحات والطقاطيق التراثية التى يعرفها كل عشاق الغناء العربي وهي (ملا الكاسات، ويا نحيف القوام، وقم يا نديمي، ويا من لعبت) غناء المجموعة، دور (كادني الهوى) غناء علي الحجار، (هاتها بالكأس، ويا غصن نقا) غناء محمد الحلو، (أصل الغرام نظرة) غناء عائشة حسن، (يا حليوة يا مسليني) غناء إجلال المنيلاوي، (بكره تحب) تغريد البشبيشي، قاد الفرقة الموسيقية التى عزفت هذه الألحان الموسيقار والمايسترو الشهير حسين جنيد.
ما قدمه (الحجار والحلو) في هذا الألبوم، شيئا رائعا، صعب أن يغنيه أحد المطربين الشباب الموجودين حاليا، لأن كثير منهم لا يعرفه أصلا، حيث أصبح طبيعيا الآن أن تجد مغنيا شهيرا من مطربينا الجدد لا يعرف ولم يسمع بالأغنيات الشهيرة التى صنعت كبار الفنانيين الذين سبقوه، حتى لو اكتفينا بالعودة ثلاثين سنة فقط إلى الوراء، فما بالك لو عدنا إلى إنتاج (محمد عثمان، وسيد درويش، وكامل الخلعي) كما فعل علي الحجار ومحمد الحلو في ألبومهما الذي استعرضناه.