بقلم الإعلامي : علي عبد الرحمن
من أهم روافد الهوية ومقومات الشخصية ودلائل الإنتماء هو التمسك باللغه نطقا وكتابة سليمة لاعوج فيها، ومع تراجع روافد الهوية وضعف مظاهر الإنتماء،وتقهقر قوانا الناعمة أضف إلي ذلك غياب دور الأسره التربوي والمدرسه التعليمي والإعلام الإرشادي ضاعت لغة الضاد عند شبابنا، وقديما كنا نردد (قم للمعلم وأوفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا) عندما كنا نحرص على تعلم القرآن واللغه في الكتاتيب ونقدس مدرسينا، وكان المعلم حريصا على تعليمنا، أمينا علي طلابه، ولم تكن الدروس الخصوصيه هى قبلة المعلم وكعبة التلاميذ، تلك الظاهره التي تلتهم دخول المصريين، والتي يقدر اقتصادها السنوي بـ 40 مليار جنيه بعيدا عن رصد ومتناول أجهزة الدوله الرقابيه والضريبية.
ولم يعد للمدرسة وقارها، ولا للمعلم احترامه، ولا للطالب إقباله عليهما، ولأن دور الأسره اختفي في مجال التعليم وتحفيظ القرآن لضمان سلامة اللغة، ومع تحول المدرسة لصالون لعقد صفقات الدروس الخصوصية، ومع غياب دور الاعلام في التعليم والحفاظ على لغتنا سليمة وقورة، ومع اختفاء أي نشاط ثقافي يدعم تعلم اللغة والتمسك بها، ومع حرص الأسر على تعلم أبنائهم اللغات الأجنبيه علي حساب إهمال لغتنا العربية، ومع عدم الرقابه علي مناهج المدارس الحكومية والخاصة وخاصة تعلم اللغه،ومع ازدياد الخلط بين لغتنا ومفردات أجنبيه وألفاظ عصرية لاعلاقة لها بقاموس لغتنا الجميله، ومع فقدان حرص المدرسة على تعليم التلاميذ أصول لغتنا نطقا وكتابة، ومع اختفاء أية فعالية لتنشيط وتدعيم التمسك بلغتنا الجميلة حتي أن اختبارات التقدم لأي عمل تركز على معرفة لغة أجنبية بغض النظر عن معرفة لغتنا الأم.
حتي أن اختبارات المذيعين التي كان أساسها إتقان اللغة تحدثا وكتابة والأبحاث اللغوية التي كان يتم طلبها، ومسابقات الشعر والنثر التي تدعم التمسك باللغة كل ذلك اختفى، ومع لغة الإعلام في الإعلانات والبرامج والدراما التي شوهت مصطلحاتنا وأفرزت ألفاظا لاعلاقة لها بالآداب العامة أو اللغة الراقية، كل ذلك أفرز جيلا لايمت إلى صحيح اللغة بأي شئ، وأصبحنا نجد طلابنا في معظم مراحل التعليم حتي الجامعة يخطأ في اسمه وفي مصطلحات تخصصه دون أدني خصم من درجاته، واختفت قطع الشعر والنثر التي كنا نتسابق قديما فيها، وغابت برامج اللغة ومسابقات الشعر والنثر وكأننا نمحو لغتنا من أذهان شبابنا، ولم نسمع عن إجراء للحفاظ علي لغتنا، لا في مجال تعلمها أو التسابق فيها أو ربطها بالدرجات والتقدم أو حتي المتأعلمين في وسائل إعلامنا بنطقهم الركيك وألفاظهم الدخيلة، كل ذلك ساهم كثيرا في إهمال شبابنا للغته الأم،حتى أننا نفاجأ في لغة الشباب في أوراق امتحاناتهم ورسائلهم عبر وسائل التواصل، نجد مايندي له الجبين خجلا وحسرة على ماوصلت إليه مستويات الشباب في مجال اللغة العربية.
وأسوق إليكم نصا من رغبات طلاب الثانوية العامة (أنا في تلته ثانوي.. نفسي أدخل كولية طب باشري).. هذه لغة طالب في الثانوية العامة التي كان طلابها قديما نوابغ في الشعر والنثر والنطق والمسابقات ذات الصله بلغة الضاد،أعندما كان الاب والأم حريصون على تعلم اللغة وحفظ القرآن، وكانت المدرسه أشد حرصا على إتقان اللغة، وكان الإعلام مدرسا أمينا علي تعلم اللغة ونطقها، وطالما تعليمنا كميا وليس كيفيا، وطالما مناهجنا للحفظ والنسيان، وطالما التعليم أصبح تجارة بين المدرس والأسر، وطالما الإعلام يساهم أكثر في ضياع لغتنا، وطالما لم نستفد من تجارب اليابان وماليزيا ودولا عربيه في التعامل مع المدرس على أنه أمين على مستقبل الأمة، ولا يدخل كليات التربيه إلا من يصلح لمهنة التعلم، ولا يقترب من الإعلام من لايتقن لغتنا الجميلة.
وطالما استمرت منظومة التعليم في إغفال تعلم وإجادة اللغة العربية، وطالما أن اللغة لاحارس لإتقانها، حتي أن مجمع اللغة العربية المسمي بمجمع الخالدين اكتفي بإضافة مصطلح للقاموس من عدمه، وطالما أن كليات التربيه ودار العلوم والآداب تقبل أقل المجاميع دون اختبار في معرفة وحب اللغة العربية فإننا أمام أجيال تسلم بعضها ضياعا من ضياع، حتي تختفي اللغة السليمة من تعاملاتنا وتظهر مكانها الألفاظ الدخيلة والركيكة، ويتضاعف مع ذلك الانتماء والولاء وتضعف مقومات الشخصيه المصرية ونفتقد رافدا أصيلا من روافد هويتنا.
ولأن هذا الأمر غاية في الأهمية، ولأن التعليم موضوعا استراتيجيا أعطته الدول أهمية قصوى بعيدا عن التجريب في كل عام لنمط تعليمي جديد غالبا ما يتم العدول عنه، ولأن اللغة العربية أصبحت شيئا هامشيا في منظومة تعليمنا، ولأن الكل حريص على تعلم اللغات الأجنبية علي حساب لغتنا الأصلية فإننا مقبلين علي جيل لا علاقة له بلغتنا ولا تراثنا الثقافي ولا كتاب الله القويم، جيل تشوهت ملامح شخصيته وضعفت مصادر انتمائه وقصرت روافد هويته.
لقد سبقتنا دولا شقيقه في مجال تجويد التعليم ونقل تجارب الدول الرائدة تعليميا والاعتماد على الكيف وليس الكم في مجال التعلم وأن يعود للكتاب دوره وللأسرة حرصها وللمدرسة دورها وللإعلام حيائه واعتداله،عندها يمكن أن نقول أننا أكرمنا لغة الضاد ولم نهنها وحافظنا على شبابنا وانتمائه ودعمنا شخصيته وهويته،عندها يكون لأجهزة الثقافة دورها ولوسائل الإعلام رسالتها وللأسرة يقظتها وللمدرسة قدسيتها وللطالب شخصيته وولائه وهويته، فهل الحل في عودة الكتاب أم في توعية الأسر أم في يقظة المدرس والمدرسه أم في اعتدال وسائل الاعلام أم في دور لأجهزة الثقافة والمؤسسات الدينية أم دور رقابي نشط لمجمع الخالدين أم في ماذا؟
دعونا نتعامل مع التعليم على أنه أمن قومي، ونقدر المدرس ماديا حتي يعود إليه رشده ووقاره، ونفعل أبحاثا ودرجا لمن ينوي أن يكون طالبا يعرف لغته، وليخرج مجمع الخالدين عن صمته للحفاظ علي سليم اللغة، وليكن لنواب الشعب دورا في عودة الاهتمام بلغتنا حفاظا على شخصية وولاء وهوية شباب مصر القادم، وليكن شعارنا دوما: تحيا مصر وتحيا لغتها السليمة الراقية..ألا هل بلغت..اللهم فاشهد.