بقلم : محمد شمروخ
كم رجوت أن يخرج علينا أحد المحللين الاقتصاديين في أى من البرامج ذات المشاهدات العالية ليكشف لنا عن أحد أسباب فوران الدولار بوصوله إلى سعر لم يكن متوقعا منذ عدة شهور.
حقا كنت أتمنى سماع كلام مقنع لكن ما سمعته حتى الآن خاصة من الأستاذ عمرو أديب كان مجرد تبرير، أما الأستاذ رامي رضوان فالأدب فضلوه عن العلم والأستاذ يوسف الحسينيي فالرجل مكسوف من ساعتها، وبالنسبة للأستاذ إبراهيم عيسى وهو الأجرأ فيهم، فلا أظن أنه الوحيد فيهم الذي يقبض بالجنيه المصرى، فى النهاية كلهم (وكأن شيئاً لم يكن وبراءة الأطفال في عينيه)!
كلهم ربما تحدثوا عن موجة الارتفاع، لكن لا اقتراب من أهم أسبابه الحقيقية التى لا أدعى معرفتها ولا فهمها، لأنى ببساطة ليست لدى أية خبرات اقتصادية مثلهم هم وضيوفهم تمكننى من استيعاب ما حدث، ولكن كمواطن مطحون أصبح بين يوم وليلة من شبه معدوم الدخل بسبب تهاوى القيمة الشرائية للجنيه المصري وما أدى لفقدان ثلث الدخل الشهرى على الأقل كمثل بقية المصريين الذين انحدروا من أوساط الطبقة الوسطى إلى القاعدة العريضة من الكادحين، كان لابد لى من أن ألجأ للحدس والتخمين مادمت افتقدت البوصلة الإعلامية وليس لدى اتصال بأى من الخبراء الصرحاء.
ومادام الإعلام الرسمي وشبه الرسمي والخاص وشبه الخاص، قد وقف عاجزا متخاذلا ومبرراً لموجة الفقر الكاسحة التى اجتاحت وتحتاج البلاد بنجاح منقطع النظير خلال الربع الأخير من هذه السنة العجفاء الموشكة على الرحيل، وجدتنى ارتاح لنتيجة أظن أن لها نصيب الأسد في تفسير هذا الارتفاع الجنونى للدولار وتوابعه المأساوية على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
إذ أنى قررت الاعتماد على قدراتى الخاصة، فضربت بعينى متفخصا فئات المجتمع المصرى فوجدت فئات لا تخفى سعادتها العارمة بارتفاع الدولار مع إظهار نوع من (الصعبنة على حال الناس) أمام اكتساح موجات من العجز أمام أرفف السلع الضرورية عند البقال وفي السوبر ماركت والهايبر من تلك التى لا يمكن الاستغناء عنها.
هذه الفئات التى أصر على تسميتها (الفئات الدولارية) هى المتحكمة في مفاصل الاقتصاد والتجارة والتى تسيطر سيطرة كاملة على مقدرات الأسواق.
فهم بالرغم من أنهم مصريون خلص وإن تباهى عدد منهم بحمل جنسيات أمريكية وأوروبية، وكذلك على الرغم من أنهم يقيمون في مصر بجوار مؤسساتهم ومصالحهم ولإحكام السيطرة والمتابعة، إلا أنهم لا يعرفون عملة تسمى (الجنيه المصري) ولا يكاد كثير منهم يذكر ملامحه لا في صورته الورقية ولا المعدنية ولا فئاته المتعددة من ورقة الخمسة جنيه إلى ورقة المائتين.
فهؤلاء كل مرتباتهم ومعاملاتهم وأرصدتهم وصفقاتهم وتقييم ممتلكاتهم ومدخراتهم، كل ذلك بالدولار الأمريكي في الداخل والخارج، حتى في مشتروات وتسوقات حياتهم اليومية تكون كذلك المعاملة بالدولار ولو في قلب السوق المصرية سواء كانت أم بيضاء.
فهناك في مصر فئات من هذا القبيل يعيشون في قصورهم ومنتجعاتهم القاهرية أو الساحلية لا يهتمون بمعاناة الملايين اليومية مع انخفاض قيمة الجنيه، بل إن هذا الانخفاض في حقيقته بشكل مكاسب فلكية لهم، فكل خسارة في جنيهنا مكسب لدولارهم.
لذلك لا تتعجب عندما ترى بعض الإعلاميين المعبرين عنهم (بالداخل والخارج) يخفون فرحة عارمة وهم يصرخون كل مساء محذرين من ارتفاع الدولار والذهب وهم لا يقبضون بالدولار ويدخرون بالذهب.
فمن سواهم هم ومن يمثلون الواجهات الإعلامية لمصالحهم قادر على التعامل بالدولار أو شراء الذهب بهذه الأسعار التي يشير ارتفاعها اليومي إليهم بوضوح دون لبس؟!
فلا أنا ولا أنت نشترى الدولار ولا الذهب.. فمن وراء هذا الارتفاع الجنونى؟!.. ألا ترى أن كلا من سعرى الدولار وجرام الذهب في السوق المصرية لا يرتبطان بالسوق العالمية؟!
حتى أن هبوط أسعار الدولار أو أى من سلة العملات الأجنبية الرئيسية أو قيمة جرام الذهب في الأسواق العالمية لا يعطى أى مؤشر على احتمال انتقال هذا الهبوط إلى مصر، وكأن الاقتصاد المصري يخضع لمؤثرات قادمة من مجرة (أندروميدا).
هل فهمت الدرس كما فهمته؟!
يا صديقى العزيز لا تنتظر أن يقوى الجنيه المصري إلا إذا وجدت هذه الفئات الدولارية مصلحتها في إتمام صفقة ما أن يوقف الجنيه من هبوطه مرحليا أو يرتفع قليلاً مؤقتا، قبل أن يعاود الهبوط المعتاد إلى الحضيض المحتوم!.
احسبها معى.. إلى أي درجة تضاعفت ثروات من تحسب أرصدتهم بالدولار خلال الأيام القليلة الماضية؟!
هل سمعت مرة عن تقييم ثروة ملياردير من حاملى الجنسية المصرية بغير الدولار؟!
هل عرفت الآن كيف تضخمت تلك الأرصدة دون أى مجهود منهم غير دعم هبوط الجنيه المصري؟!
باختصار شديد (غليت علينا بالجنيه ورخصت لهم بالدولار)، لذلك سترى أمام مظاهر الفقر التى اتشح بها المصريون وفاقت كل التوقعات مظاهر مضادة للثراء الفاحش تخرج لنا لسانها كل يوم!
إنه ميزان لا يخطئ الحساب، فالأموال لم تتبدد في الهواء فما نقص من جيوب الملايين من الناس، اكتظت به جيوب آلاف وربما مئات من ناس آخرين.
أبسط شيء انظر إلى أنواع سيارات الفئات الشعبية والمتوسطة التى يزخر بها الشارع المصري وموتوراتها تدخن وتيل فراملها يصرخ بسبب العجز عن توفير قطع الغيار لها بسبب ارتفاع الدولار، في الوقت نفسه ستجد سيارات تسير بملايين الجنيهات تركبها تلك الفئات وتمرح بها في الشوارع، فالسيارة ذات العشرة ملايين جنيه مصرى لو حسبتها بالدولار ستجد أنها عدة آلاف بسيطة.. يعنى مرتب شهر لسكرتير أو سكرتيرة لأى منهم!
قس على ذلك الشقة والفيلا والقصر والشاليه وتكاليف رحلات المالديف والريفيرا.
صدقنى العملية ليست (كيميا) إنما بصراحة هى في الحقيقة فيزياء، لكنها فيزياء اقتصادية لها قوانينها تماما كقوانين الفيزياء الطبيعية مثل قوانين التوازن الذرى والنسبية الخاصة والعامة ونسيج الزمكان والتشابك الكمى، بس أهم اكتشاف حديث هو ما يعرف معمليا بظاهرة (تأثير الملاحظ) أي The Observed effect
(والله لا هى فذلكة ولا تلقيح.. لكن اتضح في النهاية إن الأخ Observed effect ده هو سبب كل المصايب، خاصة بعد ثبوته من الناحية النظرية وبالتجربة المعملية!).
(ولو مش مصدقنى اسأل أي حد بيفهم فيزياء ولو مش قادر ممكن تحضر روح آينشتاين أو ماكس بلانك أو الدكتور زويل الله يرحمه وهو يرسيك ع اللى فيها)
جرب عموما مش هتخسر لأن تحضير الأرواح لا يحتاج لتغيير عملة!.
بس ربنا يسترها ويجعل كلامنا خفيف عليهم.. (حابس حابس يكفينا شر الملابس)!