بقلم : بهاء الدين يوسف
طوال الأيام الماضية لا يوجد في مصر سجال ينافس كأس العالم أو زيادات الأسعار إلا حفل الممثل الكوميدي الأمريكي (كيفن هارت) المقرر إقامته في ستاد القاهرة في فبراير من العام المقبل، ومطالب المصريين على منصات التواصل الاجتماعي بالغائه ومنع الممثل الشهير من دخول مصر، فما هي الحكاية ؟!
الحفل الذي يفترض أن يحييه (كيفن هارت) هو جزء من سلسلة Reality Check يقدم من خلالها (ستاند أب كوميدي) في دول مختلفة، وقد تقرر أن تكون الجولة هذه المرة أفريقية شرق أوسطية حيث يقيم حفلا في (بريتوريا) بجنوب افريقيا أولا، ثم (القاهرة) ومنها إلى (أبوظبي) وأخيرا (البحرين)، وهى الجولة الثالثة لـ (كيفن هارت) ضمن نفس السلسلة، لكنها الأولى له في الشرق الأوسط مثلما أنها ستكون زيارته الأولى إن تمت إلى القاهرة.
لكن لماذا يرفض المصريين أو بعض منهم على الأقل زيارة الممثل الكوميدي المعروف لمصر، وهو الذي تعرض لمصاعب في هوليوود في وقت سابق بتهمة معاداة المثلية الجنسية، وهى تهمة يفترض أن تكسبه تعاطف العرب والأشخاص الطبيعيين الذين يرفضون الشذوذ؟!
الرفض سببه مواقف هارت المتطرفة ضد الحضارة المصرية القديمة وادعائه بأن الأفارقة السود كانوا ملوكا في مصر القديمة، بل إنه انتج مسلسلا عبر منصة (المصائب الناعمة) نتفليكس بعنوان (الدليل إلى تاريخ السود) يكرس فيه نظريته الغريبة بأن ملوك مصر القديمة كانوا من الأفارقة السود، وهو ما يتماشى مع النظرية التي تروج لها حركة الأفرو سنتريك، أو المركزية الأفريقية المنتشرة بأمريكا وأوروبا، والتي يؤمن أفرادها أن الحضارة المصرية أصولها إفريقية.
حتى الآن القصة تبدو عادية.. فطبيعي أن يجري الاهتمام بزيارة وحفل نجم معروف على مستوى العالم الى مصر، وطبيعي أيضا أن يقف بعض المصريين ضد زيارته بسبب آرائه المسيئة لتاريخ المصريين القدماء، لكن ما يستوقفني هنا هو موقف الشركة التي تعاقدت معه لإحياء حفل في القاهرة وحددت أسعارا باهظة للتذاكر (تصل إلى 5000 جنيه) دون أن يكلف أحد من مسؤوليها أو موظفيها نفسه بالبحث في السيرة الذاتية للفنان، وكأننا أصبحنا نتعاطى الغباء الاجتماعي في كبسولات، أو أن هناك أياد خفية تريد إثارة الغضب الشعبي من خلف الستار لأهداف غير واضحة لي حتى الآن، خصوصا أن هذه ليست المرة الأولى التي يجري فيها تنظيم حفلات أو استضافة فنانين أو نجوم اعتادوا إثارة الجدل وليس ببعيد عن أذهاننا حفل (محمد رمضان) الملغي في الإسكندرية.
كما أننا لم ننس بعد المهزلة التي حدثت قبل أعوام قليلة حين استضافت جهة ما الممثل الشهير (مورجان فريمان) وطاقم فيلم (قصة الإله) لتصوير جانب من أحداثه في مصر، دون أن يتكرم السادة المسؤولون في تلك الجهة بقراءة السيناريو أو أنهم قرأوه ولم ينتبهوا لمخالفته عقائد وقناعات المصريين الدينية، رغم أننى أزعم أن طفلا في الابتدائي كان يمكنه اكتشاف ذلك من مجرد قراءة اسم الفيلم، قبل أن تكتمل فصول المهزلة بتقديم الرقابة على المصنفات الفنية بلاغات نيابية لوقف تصوير الفيلم، وبدلا من أن نستغل الحدث في الترويج السياحي لمصر وجدت فيه الصحافة العالمية فرصة للتنكيت على غباء المصريين.