عبدالغني السيد .. الاستورجي الذي فشل كممثل، وسكن وجدان المصريين كمطرب !
كتب : أحمد السماحي
نحيي هذه الأيام الذكرى الـ 60 لرحيل المطرب الكبير (عبدالغني السيد) الذي رحل عن حياتنا يوم 9 ديسمبر عام 1962، عانى (عبدالغني السيد) في طفولته كثيرا بعدما انفصل والده عن والدته فلقى معاملة قاسية من زوجة أبيه التى كانت تعذبه وتحرق جسده بالمياه المغلية، وفى إحدى المرات دخل والده عليه ليلا فوجده يبكى فرفع الغطاء ليجد ملابسه التصقت بجسده المحترق فطلق زوجته وأعاد زوجته الأولى إلى عصمته، خاصة إنها لم تتزوج وعاشت لابنها الوحيد، لكن يشاء القدر أن يحرم (عبدالغني السيد) من حنان وعطف الأب فيرحل باكرا، ونظرا لضيق ذات اليد اضطرت الأم أن ترسل ابنها للعمل كـ (استورجي موبيليا) فكان يخرج معاناته من خلال (الدندنة)، ورغم أنه كان يتقاضي 60 قرشا يوميا لكنه كان ينفق معظمها على مظهره.
وفي أحد الأيام تصادف وجود الموسيقار (زكي مراد) والد المطربة (ليلى مراد) بجوار الورشة التى يعمل فيها، وسمع صوته وأعجب به وقرر تبنيه فنيا ليترك (عبدالغني السيد) مهنته ويحترف الغناء بالأفراح والصالات، وأقام معظم الوقت في بيت (زكي أفندي مراد) وأخذ يتدرب على الموسيقى والغناء مع أبنائه.
ومن هنا كانت انطلاقته الأول في عالم الغناء، وغني في افتتاح الإذاعة المصرية عام 1934، وكان مرحا يحب الفكاهة ويقلد الفنانيين، وجاء ترتيبه في الثلاثينات في المرتبة الأولى من حيث حب الجماهير إليه، وكان صديقا مقربا من الموسيقار محمد عبدالوهاب.
قدم عبدالغني السيد عبر مشواره العديد من الأغنيات الناجحة التى تعاون فيها مع أساطين الكلمة واللحن مثل (أحمد صدقي، محمود الشريف، محمد عبدالوهاب، رياض السنباطي، بليغ حمدي، حسين حلمي المانسترلي، أحمد شوقي، عبدالوهاب محمد) وغيرهم، ومن هذه الأغنيات (وله يا وله، على الحلوة والمرة، بايعني ولا شاريني، آه من العيون، البيض الأمارة، أنا باستني ميعادك، ايه غير حالي، أنا ماتنسيش) وغيرها من عشرات الأغنيات الناجحة.
قدم (عبدالغني السيد) للسينما المصرية مجموعة قليلة من الأفلام لا تتجاوز أصابع اليدين بدأها عام 1937 بفيلم (وراء الستار)، بعدها توالت أفلامه منها (شيئ من لاشيئ، طاقية الأخفاء، حسن وحسن، شارع محمد علي، ليالي الأنس، كيلو 99).
ومن المعلومات التى لا يعرفها الكثيرين وجاءت على لسان (عبدالغني السيد) في حديث له في مجلة (الكواكب) عام 1954 أنه بدأ مشواره التمثيلي من خلال المسرح مع فرقة الست منيرة المهدية، تعالوا بنا نترك مطربنا الراحل يحكي لنا قصة دخوله عالم التمثيل لأول مرة:
حوالي سنة 1930 اتفقت معي السيدة (منيرة المهدية) على أن أعمل بفرقتها مطربا في رحلة بمدينة الإسكندرية، وكانت الفرقة تعمل بالفعل هناك قبل ذلك بقليل فرأيت أن أسافر إلى الأسكندرية قبل بدء عملي ببضعة أيام للنزهة، وذهبت في أحد الأيام إلى المسرح لأقضي بعض الوقت مع الزملاء لأتعرف عليهم عن قرب قبل أن أبدأ عملي معهم في الفرقة.
وتصادف حينئذ أن وقع خلاف بين الأستاذ (منسى فهمي) وبين السيدة (منيرة المهدية) أصر معه (منسى) على ترك الفرقة فما أن التقت بي (منيرة) حتى عرضت علي إنقاذا للموقف أن أقوم بدوره، وحاولت الاعتذار بأنني لم يسبق لي الظهور على المسرح كممثل ولكنها أصرت وأقنعتني بأن الدور صغير فقبلته على مضض، وفي المساء ألبسوني ملابس (السلطان) وهى عبارة عن عمامة كبيرة تزن أكثر من عشرة أرطال ومرصعة بالجواهر المزيفة ومعطف يشبه (اللحاف)، ورفعت الستارة ودخلت لأجلس على كرسي العرش ومن ورائي الخدم يحملون ذيل (المعطف/ اللحاف).
وتصادف أن كان يجلس في الصفوف الأمامية بعض أصدقائي، فما أن شاهدوني بهذا الشكل حتى أخذوا يضحكون وأصابتني عدوى الضحك لكني تمالكت نفسي واتخذت مجلسي على العرش، ودخل الوزير وألقى بجمله ولكن فمي كان قد امتلأ بضحكة كبيرة فلم أستطع أن أرد عليه بجملتي، ولكن بدلا من ذلك تسربت من فمي ضحكة كبيرة جعلت صالة المسرح تنطلق بالضحكات والنكت والسخرية!
ولما تكرر المشهد اسدل الستار وصاح الجمهور غاضبا من هذه المسخرة وأنا أسبح في بحر من العرق، ووجدت نفسي أقول للسيدة (منيرة) في يأس وهى تحدقني بنظرة غاضبة: (أنا قلت ما بلاش تمثيل ونقلبها مغنى أحسن)، وحتى يمتص الأستاذ (عبدالعزيز خليل) مخرج الفرقة غضب الجمهور ظهر على المسرح واعتذر للجمهور، وشرح لهم ما حدث من اعتذار (منسى فهمي) وطلب منهم أن يجلسوا في أماكنهم ليسمعوا صوت جميل ورائع هو الأستاذ عبدالغني السيد.