بقلم : محمد شمروخ
ربما لو تخيلنا ماذا سيحدث في الغيب لوجدنا الأستاذ (مفيد فوزى) هو أسعد الناس بالصخب الذي خلف وفاته، فما أمتع أن يصير الأستاذ حديث المدينة حيا كان أم ميتا؟!
لكنهم لم يجدوا في سيرته ما يمكن أن يثيروا به الغبار فاخترعوا تلك الخصومة الوهمية التى يشير إليها من يبرر ارتياحه لوفاة (مفيد فوزى) بأنه كان خصما لإمام الدعاة في عصره الشيخ (محمد متولى الشعراوى)!
فمتى هاجم مفيد فوزى الشيخ الشعراوى؟!
ولمن ذكر بأن يوم وفاته كان أسعد يوم في حياته؟!
وكيف رأى أن (الشعراوى) مهد الأرض للتطرف؟!
الإجابة عن الأسئلة السابقة واحدة.. بأن شيئا من ذلك لم يحدث، بل ولم يصدرعن الأستاذ مفيد فوزى أى كلمات أو إشارات مباشرة تفيد بوقوع ذلك!
حتى لو كانت هذه الإشارة مجرد استنطاق لصمت الأستاذ حيال أسئلة أراد سائلوها استفزازه بها ليخرجوا منه بسبق يثير الغبار به حول الشعراوى أو حول مفيد.. لا يهم فالمهم هو إثارة الغبار، فوراء هذا الغبار يمكن إعادة تشكيل الحقائق بما يناسب العوى الذي ثار به ومن أجله كل هذا الهراء الترابي!
لكن لدى سؤال واحد قد يكون مستفزا عل طريقة الأستاذ مفيد نفسه:
وماذا لو هاجم مفيد فوزى الشعراوى؟!
وماذا لو فرح مفيد برحيله؟!
وماذا لو كان (فوزى) يرى أن الشعراوى قد مهد الأرض للتطرف؟!
فبالرغم من أن ذلك لم يحدث من مفيد فوزى تجاه الشيخ الشعراوى، ومع أنه ليس هناك دليل ولا إشارة على وقوع ذلك، إلا أنه كإعلامى وككاتب وكمحاور له الحق أن يكون رأيا أو رؤية تجاه أى شخص، كان زعيما أو مفكرا أو داعية!.
هذا من قبيل المبدأ.. وليس فقط من قبيل الفرض الجدلى!
لكن في النهاية وبرغم الضجيج وبرغم الغبار، فإنه من الثابت بلا جدال أنه لم تنعقد خصومة بين الأستاذ فوزى والشيخ الشعراوى تستحق كل هذا الذي حدث لا في ليل ولا في نهار!.
ودعونى أتهم بالغفلة والسفه والحماقة و(المعيلة) كل من حنق صدره أو فار دمه إثر انتشار نبأ وفاة مفيد فوزى، مع ربط هذا الحنق وهذا الفوران، فيما بعد، بتلك الخصومة الموهومة التى اكتشفت فجأة وبعد 24 سنة من وفاة إمام الدعاة!
لكنها جعلت مناسبة لإثارة الضجيج وافتعال القضايا التى تؤكد هذا الفراغ المميت الذي صار إليه الوعى الجماهيرى الذي من سماته الأساسية اختلاق وقائع والبناء عليها والتعامل مع الأوهام المنتشرة على أنها حقائق ثابتة!
لم يكلف أحد نفسه بالبحث عن مصادر تؤكد هذا الذي ادعوه ولكن متى يبحث أصحاب الهور عما ينفى أهواءهم؟!
ولقد رأيت مقطع فيديو حقق مشاهدات عالية على شبكة الإنترنت، يدعى قيام الزميلة الصحفية الأستاذة (حنان مفيد فوزى)، بطرد الشيخ (عبد الرحيم محمد متولى الشعراوى) من غرفتها بالمستشفى، بعد أن زارها للاطمئنان عليها، كدلالة على بيان طيب أصل ابن الشيخ الإمام حيال جحود ابنة الأستاذ المحاور!
(دعنى استفزك وأكبسك.. بأن (المرحوم) عبد الرحيم الشعراوى قد توفى إلى رحمة الله تعالى في يناير 2012!
ثم جئنا إلى مشهد دفن جثمان الأستاذ مفيد ورغم أنه من الوارد وقوع مثل هذا الذي حدث، ورغم أنه تم معالجة الأمر خلال دقائق، إلا المشهد تم التعامل معه على أنه لعنة سماوية وكأن نارا هبطت من السماء لتحرق نعش الفقيد!
هل كان هذا الانتقام السماوى مناسبا لدرجة الارتياح التى شعر بها البعض يال تسيع فتحة مقبرة الأستاذ مفيد؟!
إذن فقد داعبت السماء مفيد فوزى واكتفت أن يكون العقاب (مجرد توسيع لمدخل المقبرة مع سقوط اللوحة المكتوبة باسمه لحين وضع لوحة أخرى مكانها)!
وما قيل عن اعتراض الأستاذ مفيد فوزى على دعوة الشيخ الشعراوى الفنانات للحجاب، وأنه كان سببا لحجاب فلانة واعتزال علانة، هو محض هراء، فالشيخ الشعراوى لم ينشئ مركزا باسمه لإيواء الفنانات المحجبات، ولم يؤسس معهدا عاليا لدعوة الفنانات للتوبة.
لكن الثابت عنه حقا هو أنه لم يتأخر عن تلبية رغبة أى فنانة معتزلة في الاستعانة به في طريق اختارته لنفسها بمحض إرادتها تمضى فيه أو تعود منه!
بل كان المعروف عن الشيخ الشعراوى علاقته الطيبة بكثير من الفنانين والفنانات، لم يغلق بابا في وجه أحد من الوسط الفنى، حتى لو يكن هناك ثمة قرار بالاعتزال أو الحجاب!
كتبت الأستاذة الناقدة الكبيرة (إيريس نظمى) في كتابها عن حياة الفنان (عماد حمدى)، تحكى قصة زيارة مفاجئة للشيخ الشعراوى إلى منزل عماد حمدى في آواخر حياة الفنان، وكان الشيخ الشعرواوى قد قرأ ما يفيد بشكوى فتى الشاشة القديم من أن أحدا لم يعد يهتم به ولا يسأل عن حاله، فتوجه الشعراوى من تلقاء نفسه لزيارته ليخفف عنه، حيث تصادف أن كان في بيت عماد حمدى مجموعة من الفنانين والفنانات ذهبوا للاطمئنان عليه لنفس الغرض، حيث التف الجميع حول الشيخ الشعرواى وتبادلوا معه الحديث وطار عماد عمدى فرحا بزيارة الشعراوى.
وقد وصفت الأستاذة إيريس مدى الحميمية التى اتسمت بها تلك الجلسة الطويلة بين الإمام والفنانين في بيت عماد حمدى!
كما أن الشيخ الشعراوى كان يتلقى اتصالات من ممثلين وممثلات لم يتركوا المجال الفنى وكانوا يستفتونه في كثير من أمور الدين ويحرصون على زيارته والتواصل معه!
نعم.. هناك من أهل الفن – وهم كثر- من لهم حياتهم الدينية الخاصة، مع استمرارهم في مجال التمثيل وربما كان منهم من لا يلتزم ببعض النواهى والأوامر الدينية (مثل كثير من غير أهل الفن)، ولكن البعض يغيظهم سيرة الدين مع الفن تحت أى ظرف، سواء كانوا من مهاويس التطرف الدينى أو من حمقى التطرف العلمانى!
ولتنظر جيدا، فستجد هؤلاء وأولئك هم الذين أقاموا الدنيا بتلك المعركة الغبارية بعد وفاة مفيد فوزى، بجانب قاعدة لا بأس بها من (زيطة مواقع التواصل الاجتماعى وفيديوهات الهبل المتوالى).
ولعل أنسب حوار حول هذا الحدث جاء في برنامج كانت تقدمه المخرجة (إيناس الدغيدى) وكلنا نعرف مواقفها وآرائها “؟؟؟!!!، فقد حاولت بقدر الإمكان أن تستدرج الأستاذ مفيد ليهاجم الشيخ الشعراوى لكنه كان أكثر ذكاءً ودهاءً فلم يتح لها الفرصة وراح يردد عدة مرات على مسامع الأستاذة نصيحة الشيخ الشعراوى له شخصيا (قل الحمد لله) ولم تفلح لجرجرته واستفزازه وكأنها نسيت مع من تتحاور!
وعموما ليس غريبا ما حدث من ضجيج على أثر وفاة محاور محترف و(مستفز عظيم) مثل الأستاذ مفيد فوزى، بل كان الغريب لو مر هذا الحدث صامتا هادئا فاسم مفيد فوزى لا يمكن أن يمضى بلا ضجيج مع أى حدث حتى لو كان وفاته، كيف وهو صاحب الحوارات الصاخبة والوحيد الذي يكفى ظهوره على الشاشة ليملأ الدنيا حركة ونشاطا.
حتى أولئك الذين يصيبهم اسم (مفيد فوزى) بالضيق أو النفور لم يكونوا ليصبروا على تجاهل حواراته وأسئلته.
اشتهر بالمحاور المستفز وكان سر نجاحه في هذا الاستفزاز الذي كان يثرى كل الحوارات، فمفيد فوزى صاحب أسلوب مميز وما أظن أن الخلاف معه أو عليه إلا علامة على نجاحه الذي قصده، فقد كان عن طريق هذا الاستفزاز يخرج مكامن مما خفي في صدور المسئولين أو الجمهور.
وكم كنت تسمع من عبارات السخط على حوارات الأستاذ مفيد والاعتراضات على أسلوبه وطريقة مناقشاته، لنفاجأ أن الجميع قد انتظروا البرنامج وسمعوه ووعوه جيدا وأثار لديهم ما أثار من أسئلة كانت تطرح ما يرتدع كثيرون عن طرحه، فقد كان يفلح في جذب الجميع ويترك المدينة تصخب بالحديث حتى الصباح ثم ينتظر الجميع حديثا آخر من أحاديث الأستاذ مفيد بفارغ الصبر ليثير حنقهم من جديد ويشاركوا في الحديث وإن رغمت أنوفهم، وهذا ما نجح فيه الأستاذ ولم ينافسه فيه أحد ولم يشغل الفراغ الذي تركه أى من هؤلاء الذين لهثوا ليملأوا الأجواء بالغبار الموسمى حيال كل كل حدث أو حديث!