بقلم : بهاء الدين يوسف
لم أجد أفضل من عنوان أشهر روايات الروائي السوداني الراحل الطيب صالح (موسم الهجرة إلى الشمال) لاستخدامه عنوانا لمقالي هذا الذي يتحدث بداية عن تصريحات المطربة (أصالة) التي اكتشفت فجأة وبعد قضاء أكثر من 30 عاما هى كل مسيرتها الفنية تقريبا في مصر أنها مدينة بشهرتها ونجاحها الفني كله للمملكة العربية السعودية، لكنني لا أنوي التوقف عند ما قالته (أصالة) وإن كان صادما، لكنه لا يمثل في تقديري سوى محاولة للسير في (طريق الحرير) الجديد بالنسبة للفنانين العرب عموما والمصريين خصوصا نحو العاصمة السعودية وما غيرها من مدن المملكة، فيما يبدو معه وكأن موسم الهجرة الى الرياض قد بدأ بالفعل.
(أصالة) لم تكن موفقة نهائيا في تصريحاتها وليس عذرا إنها تفوهت بما قالته في لحظة حماس، إذ أن الحماس الذي ينسيك أصحاب الفضل الحقيقي عليك يكون نوعا من (قلة الأصل)، وهو أمر يحسب على أي إنسان عادي فما بالك إذا كانت فنانة لم يكن يسمع بها أحد إلا عندما حطت رحالها في القاهرة في تسعينات القرن الماضي لتصبح واحدة من أشهر المطربات على الساحة العربية مثلها مثل عشرات من الفنانين والفنانات الذين قضوا في بلادهم أو في بلاد أخرى ما قضوا من سنوات ولم يعرفهم أحد إلا بعد أن حضروا الى مصر.
لكنني في نفس الوقت أتعجب من الهجوم الضاري ضد المطربة السورية في الوقت الذي لم يتوقف فيه الإعلام المصري أمام تصريحات سابقة غير موفقة من الممثل المصري (حسن الرداد) حينما عبر في وقت سابق وبكل فخر عن أمنيته في العيش في السعودية باعتبارها ملتقى للنجوم في العالم كله وليس فقط من العالم العربي، وقد قوبلت تصريحاته باستياء على مواقع التواصل الاجتماعي لكنها سرعان ما ذهبت مع الريح أمام صمت الإعلام والصمت الرسمي لأسباب غير معروفة للعامة.
موسم الهجرة أو لنقل الهرولة نحو الرياض لم يتوقف عند حدود تصريحات الفنانين المتحمسين ولكنه وصل الى مهرجان القاهرة السينمائي الأخير حينما تفتق ذهن الفنان حسين فهمي رئيس المهرجان وهو المدعو الدائم في كل مهرجانات ومناسبات المملكة، عن تنظيم ندوة ضمن الفعاليات الرسمية للمهرجان عن (صعود السينما السعودية)، وهو تصرف أراه غريبا لأكثر من سبب رغم اقتناعي الكامل والكلي بحق الأشقاء في السعودية علينا في دعم تجربتهم السينمائية والفنية الوليدة التي بدأتها مصر قبل أكثر من قرن من الزمان.
السبب الأول أن الإنتاج السينمائي في المملكة لا يزال يخطو خطواته الأولى ولم أسمع حتى الآن عن إنتاج سينمائي سعودي فكيف نتحدث عن صعود من لم يظهر بعد؟!، والسبب الثاني أن (فهمي) لم يكن من حقه استغلال مهرجان يموله دافعوا الضرائب المصريين لرد مجاملات الأشقاء السعوديين له، وحتى في حالة الرغبة في المجاملة كان يمكن اختيار عنوان مختلف للندوة غير (صعود السينما السعودية).
مرة أخيرة: ليس لدى مشكلة في مجاملة المملكة ودعم الحركة الفنية الناشئة هناك وكل الحب للأخوة السعوديين في توجههم المشهود لتغيير شكل الحياة في أنحاء المملكة، لكنني فقط أنبه إلى ضرورة وجود وقفة للفصل بين ما هو شخصي وما هو عام يخص الدولة وشعبها حرصا على ألا يسئ المهرولون للحاق بـ (موسم الهجرة الى الرياض) لروابط الأخوة والصداقة بين الشعبين المصري والسعودي.