بقلم الأديب الكبير : حجاج أدول
(الكاي بُوى): سمعتها أول مرة من سيدة قريبة لي، فضحكت مندهشا، ثم من العديد من النسوة الشعبيين – يقصدن الإشارة للبنطلونات الجينز الزرقاء – ثم سمعتها شعبيا (الكاي بُوي) والمقصود أفلام الكاوي بُوى Caw Boy، رعاة البقر، فتلك الأفلام اكتسحت كل الطبقات وصارت معلما سينمائيا عند الكل، أفلام منطلقة حيث الوديان الفسيحة وقطعان البقر الألوفية، وعشرات من الشباب والرجال على أحصنتهم، يرعون هذه القطعان الهائلة وهم مسلحون بالمسدسات والبنادق المحشوة بالرصاص، على أهبة أطلاق النار في أية لحظة.
ولا ننسى أن كل القوافل المندفعة غربا، هم أصلا مهاجرون لأسباب شتى، مهاجرون هربا من الفقر، من الظلم، من الاضطهاد.. مهاجرون حانقون من مواطنهم الأصلية التي ضاقت بهم فأتوا لموطن شاسع يأملون أن يتسع لهم وأن يرطب جراحهم، وبعض المهاجرون هاجروا طامحين طامعين في تحقيق الثراء والاقتناء، وكل هؤلاء المهاجرين أيا كانت أسباب هجرتهم، هاجروا معبأين بشعار هاملت الشكسبيري (أكون أو لا أكون)، أتوا لأميركا مستعدين للإطاحة بكل ما يقف أمام إصرارهم أن يكونوا، مستعدون لظلم الآخرين انتقاما من ظلم آخرون لهم.
غريبة!.. ألا يوجد تشابه بالفعل فيما جرى هناك وفيما جرى هنا؟.. أليس هذا ما فعله ويفعله الصهاينة في فلسطين؟.. أليس هذا سبب من أسباب تأييد أمريكا البشع لإسرائيل؟، لاحظ.. أقول إنه سبب من الأسباب.. ربما يكون سببا ثانويا أو هامشيا، لكنه سبب يرصد.
وبما أن هذه أراضي الغرب شاسعة وقطعان أبقارها لا تُحصى، ورعاتها اشتهروا بملبسهم وخيولهم تحتهم، أنتجوا أفلاما عن ملحمة الاندفاع للغرب مركزين على رعاة البقر، فقيل عنها أفلام (الويسترن Western) أفلام الغرب الأميركي، وتلك الأفلام في رأيي فكرة عبقرية نتجت من ذهنية الأميركي المنطلق بدنيا وفكريا وخياليا، الأميركي الذي لا يحد من تفكيره وتجديده حدود، عقلية منطلقة بسرعة الصوت وصوتها الصاروخي بطعم الدولارات!.. إنها الذهنية الفنية / الاقتصادية النفعية الجشعة، إنها انطلاقة الفردية الأمريكية والتي سرعتها سرعة انطلاقة رصاصة مسدس بطل الكاوبوي، العقلية الفردية، أي التي تعتمد على الفرد وطموحه، هذا الطموح الجامح الذي يتسبب في أضرار ليست بالقليلة، ويأتي بمنافع كثيرة.. منافع تحرك العالم كله سواء برضاء هذا العالم، أو رغما عن أنفه.. عقلية حقيقة تعتمد على الفرد، ثم تتحول لتكون عقلية فردية / جماعية، فالأنا للبطل الفرد هي النواة للأنا الأمريكية، والتي عبر عنها رئيسها السابق (أوباما) بقوله: (نعم نحن نستطيع Yes we can) وكأنه يقول بصيغة الفرد: أنا أمريكا أستطيع.. أنا البلد التي ليس مثلها أي آخر.. أنا البلد الأجمل والأقوى والأغنى.. أنا القوة التي إما أن تكون معها، أي تابع لها، فتنال فتات مائدتنا، وأما أن تكون ضدها، وستنال من الوبال ما لا تتخيله أيها الآخر.. أنا البلد الذي يفيد الدنيا كثيرا، ويضرها كثيرا أيضا.. أنا الذي يخترع ما يفيد البشرية وما يضرها، أي أنا كما فيلمي المثير العجيب (الطيب والشرس والقبيح) تماما.. أنا هذه الصفات الثلاثة ويمكن أن نجمع ثلاثة أو ستة أو تسعة إضافية هامشية.. أنا أميركا يا أيها الأقل من أميركا شأنا.
فيلم (الويسترن) هو الانطلاقات الشجاعة نحو المجهول وشبه المجهول.. انطلاقات قوافل العربات ذات الأحصنة عبر الصحراء الخطرة القاحلة، واختراق الجبال وعبور الأنهار، عصر (الويسترن) المبهر المعبر عن أوقات الصراعات القاسية المجيدة، أفلام تقدم ما معناه (العصر الجميل) عصر الاندفاع غربا، حيث كانت مبادئ الشجاعة والإقدام والعدل تواجه بالشر الداخلي من رجال الغرب أنفسهم، فضلا عن الشر الخارجي من الهنود الحمر الهمجيون (من وجهة نظر أمريكا)، عصر الصدور المفتوحة المفتولة والمواجهات بالمسدسات والبنادق واللكم بالقبضات، في وقت (الويسترن) تم وضع أسس المدن.. مدن ما هى إلا بلدات صغيرة خشبية تعج بالفوضى والحوار بالكلمات قليل، وبطلقات الرصاص كثير، رغم قسوة الطبيعة بسخونتها وصقيعها يستمر الاندفاع غربا بلا خوف للخوض والتوغل ومجابهة كل ما يستجد من مخاطر.
ويستمر التوغل ويستمر، من بداية شرق القارة لوسطها لنهايتها في الغرب حيث الإطلالة على المحيط الهادي.. إنها ملحمة فعلية، نتج عنها ملحمة (فيلمية ويسترنية)، البلاتوه الخاص بها التنوع الواقعي في الغرب الأمريكي المذهل، والذي استغلته أفلام (الويسترن) أحسن استغلال، وأبطالها هو الأمريكي الشجاع المتهور، ومثلما جلب الانطلاق الفعلي الواقعي للغرب ثروات هائلة لا تحصى فأفلام الغرب الأميركي جلبت وتجلب مليارات الدولارات وتجعل شبابيك التذاكر في عمل مستمر، وفوق المليارات المستمرة في التدفق، فقد تم استغلال هذه الأفلام بقصد وبدون قصد لتنشر دعاية أمريكية هائلة، فأفلام (الويسترن) مترعة بتراكمات الصور الذهنية النمطية المبهرة، ليس عن الغرب الأميركي تحديدا، بل عن أمريكا كلها، وهي بقصد أو بدون قصد بلورت الشخصية الأمريكية الفردية النفعية، فمفتاح أساسي من مفاتيح الشخصية الأمريكية نجدها في أفلام (الويسترن).
أمريكا (الكاوبوي) تمتطي حصان روبوت، وهى والحصان الروبوت تتناثر عليهما إعلانات أشهر منتجاتها، الطاقية إعلان أي باد، والقميص إعلان الفيس بوك وجوجل، سرج الحصان إعلان (كنتاكي وماكدونالدز)، جبهة الحصان إعلان (بوينج)، أما المسدس، فصاروخ باتريوت حول الكاوبوي وحصانه هالة من النجوم، وكل نجم عليه وجه من نجوم أفلام هوليود.