محمد سليمان .. ممثل يمتلك قدرات فنية من نوعية خاصة
بقلم : محمد حبوشة
لكل ممثل طريقته فى التحضير للدور وإعداد نفسه لتجسيد الشخصية.. ثمة ممثلون لايكتفون بقبول الدور المرسوم كما هو فى النص بل يحللون الشخصية، ويحاولون اكتشاف منبعها، خلفيتها، ثقافتها، أسلوب حياتها، رغباتها، مخاوفها، دوافعها، ماضيها، حياتها العائلية، نوعية الملابس التى ترتديها، الأشياء التى تقتنيها، الأماكن التى ترتادها، حركاتها المميزة، طريقتها فى الكلام، وجهة نظرها فى أمور عديدة، حتى وإن لم يكن هذا متضمنا فى النص أو أنه مطروح عبر إيحاءات وإشارات عرضية، إنهم يقومون بإجراء بحوث فى طبيعة وسلوك وعلاقات الشخصية.
وضيفنا في باب (في دائرة الضوء) الفنان (محمد سليمان) واحد من الممثلين الذي يعنون جيدا بتفاصيل الشخصية عبر حركاتها وطريقتها في الكلام وإيحاءاتها وإشاراتها التي تميزها، فعندما يتطلب الدور منه أن يؤدى كممثل شخصية تاريخية مثلا، فيتعين عليه أن يتعرف على تلك المرحلة من خلال القراءة، ويمتلك معلومات عامة عن البنى الاجتماعية والسياسية والثقافية والعسكرية، لذلك فإن (سليمان) يهتم بدراسة العادات والطباع وملابس الشخصية ويقوم بأن يحلل الصراعات والعلاقات السائدة آنذاك، وفى كل الأحوال لابد أن يثرى المعرفة بتشغيل المخيلة، فالمعرفة وحدها لاتكفى.
التحول خاصية أساسية للتمثيل عند (محمد سليمان)، إنه انسلاخ عن الذات وتقمص للآخر (الشخصية)، ولعله في هذا يتقمص الشخصية بكل سماتها وخصائصها ومميزاتها بحيث يمحو ذاتيته تقريبا، أى لا يكشف ذاته إنما يجسد الشخصية أو يختفى ويتوارى داخلها، كما أنه يلتحم بالشخصية فى مستوى سيكولوجى عميق غير أننا نعى حضوره، ونشعر بأن هذا الحضور يضاعف ويحدد فهمنا للشخصية، وفوق هذا وذاك فهو ممثل يسعى إلى التماهى والتطابق مع الدور، حتى وإن كان متعارضا مع ذاته الحقيقة، إنه يكيف ذاته ويلج الدور ليقطن فى الشخصية، وفي ذلك يقوم (محمد سليمان) بتحويل نفسه ليس جسمانيا، كمظهر وانتحال حركى وصوتى، فحسب، بل أيضا ذهنيا وروحيا، بحيث يبدو مختلفا تماما،
لكن التحول ليس عملية سهلة وسريعة، فالممثل الذي لايملك أداة سحرية يمكن بواسطتها تغيير الشخصيات متى وكيف يشاء يصبح ممثلا تقليديا، ويكشف الممثل الايطالي (فتوريو جاسمان) عن شىء آخر: التحول أو تقمص ذوات أخرى، ليس حالة طبيعية بالنسبة للممثل ولهذا السبب لاينبغى للممثل أن يملك روحا، بل يجب ان يكون قادرا على انتحال هويات مختلفة، إن امتلاكه افكارا ومشاعر ثابتة ودائمة قد تعوق عملية الانتحال، وهذا على مايبدو لي هو منهج وأسلوب (محمد سليمان) في تجسيد شخصياته النابضة بالحيوية.
(محمد سليمان) من الممثلين الذين يجسدون الشخصية بطريقة مباشرة وغير معقدة، ومع ذلك نحس بالصدق فى أدائه، ويظهر قدرة عالية على فهم الشخصية وتوصلها ببراعة وإقناع، دون القيام بتحريات أو عملية استقصاء سيكولوجى بشأن الشخصيات، بل يعتمد على الخبرة والحدس والغريزة، لهذا فإنه يركز على الفعل الداخلي للممثل، ذلك الذي يوجه ويصوغ الحركات الجسمية بقدر الذي يتفاعل في داخله ثم يظهر بعده الجسد في حركه جسميه ذات لون معين تحمل بين ثناياها فكره الفعل والهدف الذي تسعى ورائه، وكأنه في هذا يتبع أسلوب (ستانسلافكسي) الذي يخاطب تلاميذه قائلا: (هدفنا من الفن ليس تجسيد حياة بشرية بل إبرازها في قالب فني، لأن ليس على الممثل أن يعيش في صميم دوره فحسب، ولكن يجب أن يبرزه ويعطيه المظهر الخارجي ويجب أن يفهمه توقف الجسد لاعتماد على الفكر مسألة مهمه لا أهميه خاصه في مدرستنا، إبراز الحياه الداخلية الدقيقة يجب أن تلاحظ ما هو جسماني وصوته معني بعناية خاصة ولابد من دراسة دقيقة، يجب أن تبرز نتيجة ذلك أدق المشاعر بمنتهى الحساسية والأخلاق.
بالتأكيد، فإن (محمد سليمان) يدرك أن العملية تقتضى وعيا فنيا ومعرفة ثقافية وسيكولوجية ومقدرة استثنائية لدى المخرج، فالشخصيات التى يتعين على الممثل أن يجسدها ينبغى معرفة خلفيتها الاجتماعية والتاريخية ودوافعها، والمحركات أو المكونات التى تجعلها تفكر أو تشعر أو تتصرف بطريقة معينة، لكن من جانب آخر يعرف (سليمان) أن على الممثل أن يتحمل مسؤوليته فيما يتصل بعملية السبر، فمقابل تجاهل المخرج عليه كممثل أن يبادر من تلقاء نفسه، ودون أن يملى عليه أحد ذلك، فليجأ إلى الكشف عن مخزون الذاكرة وفحص تجربته الحياتية والثقافية لعله يجد تماثلات مع الشخصية، أو حالات ومواقف تثرى وتعمق الشخصية، وذلك بعد دراستها من جميع جوانبها وعبر مختلف المستويات.
وظني أن (محمد سليمان) من الممثلين الذين يتعين عليه أن يدع الشخصية تتعايش مع ذاته، أن تكون جزءا منه من كيانه، لا أن تكون غريبة وشاذة ومستقلة، إنطلاقا من إيمانه بأن الممثل لايستطيع أن يكون صادقا ومقنعا فى دوره إن شعر بنفور أو كراهية للشخصية التى يؤديها، وحتى لو اتخذ موقفا محايدا إزاءها، ومن ثم فإنه لابد أن يحب الشخصية أيا كانت، ولابد أن يشعر بأنها تمثل جانبا منه الظاهري أو الخفى، ربما لايشعر الممثل (محمد سليمان) بارتياح، أو لنقل بتماثل مع شخصية شريرة – على سبيل المثال – لكن هناك حتما جوانب مشتركة بين ذاته وهذه الشخصية، وربما ليس فى السلوك، لكن فى حركة ما، فكرة ما، طموح ما، اتصال حميمى بشىء ما.
الممثل الخلاق مثل (محمد سليمان) لايحجم عن الأدوار الصعبة والمركبة والعنيفة، حتى وإن اقتضت جهدا وعناية ووقتا، إنه يوجد لنفسه دائما لغة خاصة به، تتشكل مفرداتها من الحركة والإيماءة والنبرة وهو لايعتمد فقط على التقنية، التى هى معرفة مكتسبة من الخبرة ولكن بدرجة أكبر على الحدس والغريزة، ويبقى (الارتجال) عنصرا ضروريا لكنه تلقائى ومدروس فى آن واحد، فهو ليس ممثل دمية يظل حبيس تخوم رؤية ومخيلة المؤلف أو المخرج، بل هو خادم مطيع للدور وينفذ الأوامر وبالنسبة للعمل ككل لايمكن اعتباره قطعة ديكور يحركهما صانع العمل وفق مشيئته أو تصوراته، إن وجوده كممثل تفرضه شروط ومعايير فنية غالبا، وليست انتاجية.. أى تجارية.. كأن يكون نجما محبوبا جماهيرا لوسامته وجاذبيته أو أن يكون رياضيا أو مطربا.
محمد سليمان ممثل مصري، ولد في مدينة القاهرة، درس في (الكونسرفتوار) حتى المرحلة الثانوية، وخلال تلك السنوات كانت له تجارب تمثيلية محدودة، والتحق بعد تخرجه من (الكونسرفتوار) بكلية التجارة، وعمل بعد التخرج في مجالات الإرشاد السياحي والإعلانات، وجاءته الفرصة بعدما ظهر موديلا في إحدى الإعلانات لينال فرصته الأولى في السينما من خلال فيلم (7 ورقات كوتشينة)، ومن بعدها شارك في عدد من الأفلام ، منها: (فتح عينيك، لعبة الحب، عمر وسلمى 1، إحنا اتقابلنا قبل كده، ساحر النساء2021، خط الموت – 2019، مولانا، الأصليين، عمر الأزرق – 2017، الهرم الرابع – 2016، الخلبوص، خطة بديلة 2015 ، كلام جرايد، واحد صعيدي – 2014 القشاش – 2013، متعب وشادية – 2012، بحر النجوم، لحظات أنوثة، ليلة في القمر كمال، احنا اتقابلنا قبل كده – 2008، نقطة رجوع، عمر وسلمى – 2007، لعبة الحب – 2006، فتح عينيك – 2005، إسكندرية – نيويورك – 2004.
ومن أهم المسلسلات التي شارك فيها (محمد سليمان) : (أيام الحب والشقاوة – ورق التوت، فتيات صغيرات – 2009، وعادت القلوب، أيام الرعب والحب، دموع القمر – 2008، من أطلق الرصاص على هند علام – 2007، أسلحة دمار شامل – 2006، أحلام في البوابة، نزار قباني – 2005، بابا نور، أكتوبر الآخر – 2010 إحنا الطلبة، عيلة عجب، مكتوب على الجبين، مشرفة رجل لهذا الزمان – 2011، شربات لوز، زي الورد، طرف ثالث، باب الخلق – 2012، تحت الأرض، كان ياما كان، أرواح أليفة ، تحت الأرض، كان ياما كان، أرواح أليفة – 2013، مملكة يوسف المغربي، المغني، جريمة شغف – 2016، لعبة إبليس – 2015، ابن حلال، دلع بنات، هبة رجل الغراب – 2014، نصيبي وقسمتك، حكايات بنات، هذا المساء، الحساب يجمع – 2017، لعنة كارما، كأنه إمبارح، أمر واقع – 2018، حدوتة مُرة، مملكة الغجر، السر، زلزال – 2019، الضاحك الباكي – 2022.
هو فنان متميز دائما ما يبحث عن الاختلاف فى أدواره، استطاع أن يسير بخطوات ثابتة نحو النجومية سواء فى السينما أو الدراما، ويعتبر نفسه محظوظ للغاية، فقد عمل مع عدد عدد كبير من النجوم وفى مقدمتهم الفنان الراحل محمود عبد العزيز، وهو من رشحه للعمل معه فى مسلسل (باب الخلق)، وترك بصمة كبيرة بداخله وتعلم منه الكثير، وبكل تأكيد، كانت خلفية عن اللغة الإنجليزية والفرنسية قد سهل عليه لعب أدوار كثيرة تحسب له في لوحات السينما والدراما، بجانب حبه في الأساس للغات كثيرا، كما يعتبر تجربته في مجال الإعلانات خطوة مهمة جدا، حيث تعلم منها التكنيك الذي يسير عليه الموضوع، فتفاصيل كثيرة بالإعلانات متواجدة في صناعة السينما.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنان المحترم والذي تألق في أدوار كثيرة مابين الكوميدي والتراجيدي والأكشن الممزوج بالإثارة والتشويق، وتمكن من لفت الأنظار وترك بصمة، حتى لو كان ظهوره مقتصرا على بعض المشاهد أو الحلقات، وذلك لأنه يمتلك قدرات فنية من نوعية خاصة، تؤهله لسرقة الكاميرا وخطف عين المشاهد، ليؤكد على أن جاذبية النجم وشعبيته تتأسس على القيم التى يمثلها والرموز التى يجسدها والإمكانيات التى يستثمرها فى تغذية تخيلات وأحلام المتفرج وهو يحقق هذه الخاصيات ليس بواسطة الطاقة الذاتية والحضور الشخصى، ويقف فى مركز الأشياء تحت الأضواء مباشرة، والذى يستقطب الأنظار والاهتمام، وربما شعوره هذا نابع من إدراكه بقيمته، بموهبته، بأحقيته، خاصة إذا كان قادرا على أن يكون ذا حضور طاغ فى أى مشهد أو فى أى تكوين، و يظل قانعا بدوره، بوضعه حتى ولو لم يصبح بطلا، فقط يهمه أن يكون فى بؤرة الإجادة في فن التمثيل.