(مفيد فوزي) يتعلم قيمة الكرامة والكبرياء من سعاد حسني !
كتب : أحمد السماحي
يقام اليوم الاثنين في الساعة السادسة مساء في كنيسة (المرعشلى) بالزمالك عزاء الكاتب الصحفي الكبير (مفيد فوزي)، الذي رحل عن حياتنا أمس الأحد عن عمر يناهز الـ 89 عاما، وقد نعاه كبار نجوم السياسة والثقافة والفن.
كان الراحل كاتبا جريئا أمينا لم يعرف الهوادة في الحق، صاحب قلم نزيه لم يعرف للضعف سبيلا، تعلمنا مع سطوره النبض الصادق والإحساس الجميل، وطار بنا في كتاباته في مثاليات كثيرا ما نفتقدها في حياتنا وسلوكنا، أذكر عندما اتصلت أول مرة بسيدة الشاشة العربية (فاتن حمامه) أطلب منها إجراء حوار لجريدة (الأهرام)، ونظرا لعدم معرفتها بي، قالت لي : إنني لا أجري حوارات يا أستاذ أحمد! وبعد إلحاح مني، طلبت مني أن أعاود الاتصال بها بعد ربع ساعة، وبالفعل اتصلت بها بعد ربع ساعة فوجدتها تقول لي إنها موافقة على إجراء الحوار، وسعدت جدا بهذا الحوار.
ومرت الأعوام وتوطدت علاقتي بالسيدة (فاتن حمامه) وعندما حصلت منها على آخر تصريحات لها في الصحافة المصرية وكانت خاصة عن مهرجان القاهرة السينمائي، ورأيها في الهجوم على الناقد السينمائي (سمير فريد) رئيس المهرجان، يومها وبعد حصولي على التصريحات عرفت منها أنها سألت عني ــ عندما طلبت منها إجراء أول حوار بيننا الكاتب الراحل (مفيد فوزي) وسألته عني، فأشاد بي.
وعندما علمت بذلك اتصلت به أشكره فقال لي ضاحكا: بتشكرني بعد سنين!، فقلت له أن السيدة (فاتن حمامة) لم تصرح لي بالمعلومة إلا الآن، ورحب بي وشكرني على إتصالي وبدأت علاقتي معه.
ومنذ عام اتصل بي مدير أعمال إحدى الشخصيات السعودية المرموقة، يطلب مني ترتيب لقاء مع الكاتب (مفيد فوزي) لصديقه الشخصية المرموقة، واتصلت به ورحب جدا باللقاء، لكن حالت جائحة كورونا دون إتمام اللقاء.
وكان آخر اتصال بيني وبينه عندما صدر كتبه الأخير (كواليس .. حكايات لها معنى، وربما مغزى) في شهر إبريل الماضي، يومها اتصلت به وباركت له صدور الكتاب، وسألته سؤالا بعيدا عن الكتاب كان يحيرني خاص بزوجته الإعلامية الشهيرة الراحلة (آمال العمدة) مذيعة الإذاعة الشهيرة، وسألته: هل أسئلة (آمال العمدة) الرائعة في الإذاعة كانت من بنات أفكارها أم هى لمفيد فوزي؟، فرد ضاحكا: هذا سؤال لم يوجهه لي أحد من قبل، لماذا خطر على بالك هذا السؤال؟!، فقلت له: لأنها أسئلة ذكية مليئة بالثقافة ورشيقة جدا، فقال: هذه الأسئلة من بنات أفكار (آمال العمدة) لأنها كانت مثقفة جدا.
وأضاف: أذكر أنني بعد نشر كتابي (كندا حلم المهاجرين) تلقيت رسالة خاصة من 187 ورقة، عبارة عن كشكول جامعي، وكان هذا الكشكول هو أول رسالة عاطفية عقلانية من (آمال العمدة) وجاء تعقيبا على ما جاء في كتابي، ومن هنا ارتبطت بها ارتباطا شخصيا بحتا، وكانت الخطبة والزواج والسبب كتاب (كندا حلم المهاجرين).
من الحكايات المهمة في كتابه الأخير (كواليس .. حكايات لها معنى، وربما مغزى) الذي أعتبره خلاصة تأملاته في مشواره، هذه الحكاية الخاصة بسندريلا الشاشة العربية (سعاد حسني)، حيث قال: تلقيت تليفونا من سمو الأمير (فيصل بن فهد) يدعونني إلى زيارة جدة، قابلته فعلا وأعطاني مبلغا كبيرا من المال حوالي 40 ألف دولار في صندوق، وقال لي: أستاذ مفيد أرجو أن تسافر غدا أو بعد غد إلى لندن، وسنجهز لك مكان الإقامة وكل شيئ، وسيكون معك مندوبا من طرفنا يساعدك، وهو المسئول الذي يحمل المبلغ ويدخل به لندن، وأرجو أن يصل هذا المبلغ إلى السيدة (سعاد حسني) وتقول لها إن هذا من شخص معجب.
وقال سمو الأمير فيصل: إنه ينبغي أن تذهب (سعاد) إلى طبيب الأسنان وتتلقى العلاج اللازم، وأظن أن هذا المبلغ يغطي كل هذه التكاليف، فقلت له: يا سمو الأمير أنا لن أنجح في هذه المهمة، لأن (سعاد) تعرفني شخصيا وبيني وبينها طرف ثالث وهو الفنان (عبدالحليم حافظ)، وسعاد تخجل خجلا عذريا إذا قلت لها إن هذا المبلغ من شخصية عربية مرموقة وسوف تستحلفني بالإنجيل أن أقول لها من هذا الشخص؟ وسأقول لها!.
قال لي: من تقترح؟ قلت: الأستاذ (نور الشريف)، وبعد ثلاثة أيام جاء النجم (نور الشريف) إلى جدة، وأخذ المبلغ وسافر إلى لندن، وقابل سعاد حسني في الفندق، وقال لها: إنه جاء من بلد شخصية عربية وقدم لها المبلغ ورفضت بشدة أن تقبله، وقالت: آسفة من يعالجني بلدي، ومن يصلح أسناني مصر، وليس معجبا عربيا.
وقالت لنور الشريف: (خذ هذا المبلغ ورجعه تاني لصاحبه وأشكره)، ولأول مرة استشعر قيمة الكرامة والكبرياء، هكذا تكون الكرامة في حياة الإنسان، وكانت (سعاد حسني) تعتقد أن للفنان عزة وكرامة في أمرين: الحب والمال.
هذه هى سعاد حسني التى عرفتها المرأة البسيطة التى تضع البسكويت في الشاي، والتى يحلو لها أن تجلس تأزأز لب عندما تكون حزينة، وتقول إنني أمضغ حزني وغيظي مع اللب.
رحم الله الكاتب والمحاور التليفزيوني الشهير (مفيد فوزي) المكافح الأمين الذي لم يهن أو يتردد أو يجبن، وحسبه أنه لقى مصرعه وهو في وسط الميدان لم يبتعد يوما عن قلمه الجرئ إلا في الأسابيع الأخيرة.