بقلم : محمد حبوشة
الممتع في الممثل المجتهد، هو قدرته على عرض وإضافة أفعال بشرية، وتوليد مشاعر إنسانية محددة وواقعية بالتأكيد (سلوك/ فعل)، بواسطة مهاراته الفنية، وضمن ظرف حياتي معطى، والموهوب من الممثلين، هو ذاك الذي يمتلك القدرة على فهم وخلق طبيعة بشرية حقيقية، وتوليد مشاعر وأحاسيس صادقة، وإعادة إنتاج شخصيات وأنماط إنسانية لا حدود لها، ولهذا فعادة ما يبرع الممثل الموهوب في تقمص الشخصيات التي يجسدها في المسرح والسينما والتلفزيون.
وظني أن الفنان الشاب (محمد فراج)، هو واحد من أولئك الممثلين الذي يجيدون فن التقمص، فحين يقبل على دور يتلبس الممثل داخله شخصية مختلفة عن شخصيته، ويعيشها بشكل يقنع المشاهد أن ما يحدث أمامه حقيقيا، تماما، فهو صاحب الأداء (السهل الممتنع)، نجح في ترك بصمته المختلفة في عدد من الأعمال الدرامية التي شارك فيها خلال السنوات الأخيرة، وأصبح أحد نجوم جيله بفضل اختياراته الفنية وأدواره المميزة، وهكذا نستطيع القول بأن (محمد فراج) قد برع في أداء أدواره في كل المسلسلات التي شارك فيها على جناح التنوع، ومن ثم فلابد لك أن تلحظ أنه لم يؤدي دورا يشبه سابقه على مستوى صوته ونبرته وارتفاعه، بملامح وجهه، بحركة جسده، وحتى في بعض الأحيان بالانطباع النفسي الذي يتركه لدى المشاهد، ليؤكد لك أن التمثيل هو أن يستطيع الممثل أن يقنعك بواسطة أدائه الجيد أنه غير الحقيقي هو حقيقي تماما، وممكن على هذا النحو الذي ظهر به.
طوال الوقت لابد أن تلحظ أن (محمد فراج) يعمل على اشتغال الأداء التمثيلي للشخصيات المؤنسنة ومواصفاتها النباتية، الحيوانية، الجمادية، الفنتازية، وأبعادها السيكولوجية – الطبيعية – الإجتماعية، بوصفها شخصيات خيالية تمتلك الصفات الإنسانية في الحركة والصوت، عبر اشتغال الأداء على فعل التقمص واللعب ومحاكاة الأفعال الخارجية للشخصية وهيأتها ومقاربة الممثل لها في تعبيراته الجسدية – الصوتية، مستخدما أدوات الممثل التعبيرية في الحركة والصوت.
برع (محمد فراج)، كواحد من أولئك الممثلين الذي يجيدون فن التقمص للشخصية التي يعيشها بشكل يقنع المشاهد أن ما يحدث أمامه حقيقيا، تماما كما حدث مع شخصيتي (مؤنس) في مسلسل (لعبة نيوتن)، وشخصية (كريم) في مسلسل (ضد الكسر) وفي شخصية (أحمد) في مسلسل (خلي بالك من زيزي)، وحتى في مشهده الوحيد كإرهابي في (الاختيار 2)، وهكذا نستطيع القول بأنه قد نجح في أداء أدواره في كل تلك المسلسلات، ومن خلال مراقبتي لكل أعماله وأنا ألحظ أن (محمد فراج) تجلى في كل مرة مستخدما أدوات الممثل التعبيرية في الحركة والصوت وما تمثله من إيماءات وحركات انتقالية وموضعية تنسجم مع إيقاع الشخصية المؤنسنة الحركي والسمعي والبصري، وأنه فعل في اشتغاله الأدائي على الشخصية المؤنسنة الجوانب الحركية والإيمائية دون مبالغة، وفي فعل المحاكاة الخارجية لشكل الشخصية المؤنسنة، على مستوى الإحساس وطبيعة تلك الشخصية، شريرة – طيبة، عبر التنغيم والنبرة.
فضلا عن استحضاره الصوت الحقيقي للشخصية المؤنسنة، ومن هنا استطاع (فراج) أن يقنعنا بأن الممثل الجيد هو الذي يقنعك أن ما تشاهده هو حقيقة واقعة، ولطا الممثلون المحترفون متعبون، غالباً، احترافهم واختباراتهم الجمة تقف حائلا دون العفوية، لكن الأمر اختلف كثيرا عند محمد فراج مع شخصية (مؤنس) في (لعبة نيوتن) فكان مدهشا بعفويته وبساطته، بتصرفه العادي والسلس، لا يتصنع أداء، لا يبالغ في سلوك، يحافظ على هدوئه، يريد الظهور، ومع ذلك فالأنانية والتعجرف لا يزالان غائبين عن ذهنه تماما، ورغم أن الانكشاف العاطفي يعد من أصعب المهارات المتوقعة من الممثل، والمقصود بها القدرة على (التعري العاطفي)، أي استعداد الممثل لعرض مشاعره الإنسانية بشكلها الحقيقي في موقف درامي ما ضمن القصة التي يمثلها، إذ يكمن سبب ضعف الأداء لدى العديد من الأشخاص في هذه النقطة.
لكني أقول أن الأمر اختلف مع (فراج) وربما هذا لم يدفعه كممثل إلى تزييف ردود فعله واختلاق مشاعر غير حقيقية وتقديمها للجمهور، مما يضع حاجزا بين الشخصية التي يؤديها والمشاهد، عوضا عن التأثير به وسحبه إلى عالم القصة، فهو صاحب مقولة (أبقى زي الفراشة بتنقل من وردة لوردة، آخد منها الريحة والعسل وأروح وردة تانية)، تلك الجملة سبق أن قالها (محمد فراج) في مقابلة مع النجمة إسعاد يونس ضمن برنامجها (صاحبة السعادة)، في إطار تأكيده على أن سحر الممثل يظهر عند اختلاف أدواره، يومها، شدد الفنان المجتهد على أنه لا يحب حصر نفسه في أدوار معينة، وأنّه يرغب في أن يكون مؤثرا في مهنته عن طريق تحقيق المتعة لنفسه وللمشاهد الذي يصدق الشخصية التي يلبسها.
طريق (محمد فراج) لم يكن مفروشاً بالورود، بل هو صاحب مشوار من التعب والشقاء والمثابرة والاشتغال على النفس، فبعد الثانوية العامة، قرر مشجع النادي (الأهلي) لكرة القدم الالتحاق بمعهد السينما، ما شكل صدمة لأسرته، لذا لم يبق هناك طويلا، قبل أن يلتحق بكلية التجارة ويشارك في أعمال على المسرح الجامعي، ثم انضم إلى ورشة (مركز الإبداع) في دار الأوبرا ليتخرج ضمن مجموعة من الشباب، والبداية كانت على الخشبة في عام 2000، ليسلك بعد ثلاث سنوات طريق السينما من خلال فيلم (إوعى وشك)، ولأنه بداخله ممثل موهوب فقد آثر أن يؤدي فروضه جيدا، بحيث يبدو قادر على إقناع المشاهد بكل الأدوار التي يؤدّيها.
صحيح أنه قد يوحي بأنه لا يبذل الكثير من الجهد لفعل ذلك، غير أن الواقع مغاير تماما، وهذه نقطة تسجل لمصلحته طبعا!، فمحمد فراج فنان يطوع كل أدواته (الجسدية والتقنية) في سبيل الشخصية، متسلحا بحضور قوي وعزيمة على التطور والتجديد، ناهيك عن الملامح الطبيعية والقريبة من الناس العاديين في قلب الشارع المصري، البعيدة كل البعد عن (لوكات) بعض أبطال الأعمال الهجينة الذين حولهم مبضع طبيب التجميل إلى أشباه (كين)، زوج (باربي)!، لذا تجده يتنقل مثل فراشة رشيقة بين التراجيديا والكوميديا والأكشن والمغامرة، ويحرص على أن يكون انتقاله بمزاج عال وبثقة كبيرة وإيمان عميق بأن لكل مجتهد نصيب، سواء على المسرح الذي بدأت موهبته تتفجر على خشبته، أو على الشاشة الصغيرة أو الكبيرة.
إنّه المدمن المتعافي (آدم) في (قابيل)، الموسيقي الحساس (علي بحر) في (أهو ده اللي صار)، العسكري (هلال) في (الممر)، المجرم (سيد) في (الصندوق الأسود)، كما أنه مهووس بالتجسس من خلال الموبايل والكمبيوتر (سوني) في (هذا المساء)، وهو (رجب الفرخ) في (بدون ذكر أسماء) والأخيرين حملا توقيع المخرج (تامر محسن) الذي اتضح من خلال تعاونه معه أن بينه وبين (فراج) كيمياء خاصة، فضلا عن انسجام مهني كبير وجلي، ترجم في سلسلة من الأعمال، منها: (تحت السيطرة، قط وفار)، وصولا إلى (لعبة نيوتن) التي ظهر فيه بشكل أكثر نضجا وأداء ويبرهن على أن الموهبة الحقيقية تتجلى من ورق محكم ومخرج يملك القدرة على التحكم في كافة عناصر العمل الفني، كما بدا لنا من خلال شخصية (جمال الصواف) في مسلسل (الغرفة 207).
بدأ (محمد فراج) مشواره في مجال السينما والتلفزيون بأدوار بسيطة مثل دوره في فيلم (إوعى وشك عام 2003)، و فيلم (الرهينة – 2006)، وشارك عام 2009 في حلقة من سيت كوم (تامر وشوقية – الجزء الثالث)، وقدم فيه أداءا متميزا مما شجع المخرج على توسيع مساحة شخصيته في العمل فأكمل الموسم مع أحمد الفيشاوي ومي كساب، وفي نفس العام شارك في مسرحية (نص ساعة هاملت)، كما شارك في مسرحية الكوميديا السوداء الناجحة (قهوة سادة)، والتي حضر أحد عروضها الفنان أحمد حلمي ومجموعة من الفنانين، لفت أداء محمد فراج نظر أحمد حلمي فعرض عليه المشاركة في فيلم (1000 مبروك) وهذا ما حصل.
بعد ظهوره المميز في مسلسل (الجماعة) شارك محمد فراج عام 2011، في مسلسل (المواطن إكس)، بطولة (عمرو يوسف وأمير كرارة)، وإخراج محمد بكير وعثمان أبو اللبن، كما شارك في نفس العام في فيلم (فاصل ونعود) مع كريم عبد العزيز وأحمد راتب ومن إخراج أحمد نادر جلال، أما عام 2012، فقد شهد مشاركته في فيلمي (تيتة الرهيبة، والمصلحة)، ومسلسلي (شربات لوز، وطرف تالت)، وفي عام 2013، شارك في فيلم (هرج ومرج)، كما قدم أول بطولة فردية له في فيلم (القشاش)، وفي عام 2014 كان له مشاركة مميزة في مسلسل (عد تنازلي).
في عام 2015، شارك (فراج) في مسلسل (تحت السيطرة) بدور علي، وفيلم (قط وفار) بدور (حمادة الفار)، وفي عام 2016، شارك في مسلسل (الميزان) بدور (محسن)، وفيلم (هيبتا) بدور (محمود الدرديني)، وفي عام 2017، شارك في مسلسل هذا المساء بدور (سوني) و مسلسل (الحصان الأسود) بدورعمرو جابر، أما في رمضان 2019، قدم محمد فراج مسلسل (قابيل) حيث جسد شخصية (آدم) المدمن المتعافي الذي تم اختطافه وقتله، ليكتشف الجمهور بعدها أنه لم يمت بل هو من خطط لكل ما يحدث، كما قدم في نفس العام مسلسل (أهو ده اللي صار) بدور(علي بحر) المطرب في فترة العشرينيات المتأثر بالفنان سيد درويش، والذي عاش ومات يحب فتاة واحدة وفي هذا المسلس أوصل محمد فراج مشاعر الحبيب الذي يعاني من بعاد حبيبته بأداء مميز وضعه على خطى النجومية بثبات كما أكدها أيضا في (لعبة نيوتن وضد الكسر).
تحية تقدير واحترام لصاحب الموهبة الكبيرة النجم (محمد فراج) الذي أمتعنا في عديد من الأعمال فائقة الجودة، ولذا ألفت نظر شركات الإنتاج والمخرجين إلى ضرورة الانتباه إلى تلك الموهبة الفذة والواعدة لممثل من الوزن الثقيل اسمه (محمد فراج) الذي يحمل موهبة جبارة برعت في تجسيد مختلف الشخصيات التي لعبها على المسرح والسينما والتلفزيون على مستوى لغة الجسد والعيون المعبرة للغاية والتي بموجبها يستحق الاهتمام لهذا الممثل الذي نفخر بأنه صناعة مصرية خالصة، بدلا من الاهتمام بأرباع الممثلين الذين يطلقون على أنفسهم (نمروان، الأسطورة) وغيرها من ألقاب زائفة!.