بقلم : علا السنجري
العديد من الأعمال الأدبية المكتوبة تحولت إلى أعمال درامية مرئية، نجح منها الكثير وربما فشل القليل منها، وذلك بسبب المقارنة بين العمل الأدبي والعمل المرئي، وربما بفعل معالجة السيناريو للعمل الأدبي، ولكننا هنا في الغرفة 207 نجد السيناريست تامر إبراهيم، الطبيب الذي يكتب أدب الرعب و شارك (أحمد خالد توفيق) في كتابة (قوس قزح) ينجح في رسم خلفيات الشخصيات و تقديم علاقتها الاجتماعية المتشابكة، وتوضيح الربط بين خيوط الأحداث بشكل سلس للمشاهد.
تدور الأحداث من خلال غرفة في فندق ترعب كل من يدخلها، وعن ذلك قام الراحل (أحمد خالد توفيق) بتقديم روايته بالإشارة إلى مقولة الكاتب الأميركي (ستيفن كينغ) بالإضافة إلى قصص دفن الأحياء: (على كل كاتب رعب أن يقدم قصة واحدة على الأقل في غرف الفنادق المسكونة، لأن غرف الفنادق أماكن مخيفة بطبعها.. تخيل كم من الناس نام على الفراش قبلك)، وأشار إلى قصة (ستيفن كينغ – 1408)، نافيا أن يكون قد قرأها قبل أن يكتب (الغرفة 207) على الرغم من أن الروايتين تدوران عن غرفة فندق غريبة الأطوار.
كل القصص في المسلسل تبدأ وتنتهي في (الغرفة 207)، دراما نفسية وغرفة ربما ترمز للنفس البشرية وما تخبئه بداخلها من أسرار وكوابيس، وذلك من خلال التنقل في السرد بين ماضي الأبطال أو ضيوف الغرفة الجدد الذين نتعرف عليهم في كل حلقة.
الغرفة تختار ضحاياها بدقة، وتتلاعب بمصيرهم لتغير حياتهم المختلفة بل يمتد تأثيرها إلى موظفي الفندق أنفسهم وعلى رأسهم موظف الاستقبال نفسه (جمال الصواف) الذي يعتبر محرك الأحداث بمحاولة فك طلاسم الغرفة كما قالت له شيرين أحد أكبر رموز الغموض للغرفة.
لن أتحدث هنا عن أحداث المسلسل فما زال يعرض ولم ينتهي، ولن أعكس توقعاتي من قراءة الرواية على العمل الدرامي، فقد تفوق (تامر إبراهيم) في جعلك لا تفكر في العمل الأدبي وأنت تشاهد المسلسل، لكني سأتحدث عن أداء الممثلين الرائع لكل واحد في فريق العمل، (كامل الباشا) .. كل حركة له ونظراته وهدوئه لما يحدث حوله والسر الذي يخفيه في درج مكتبه، قدم (عم مينا) مدمن الخمور سابقا بعد وفاة زوجته، حاولت الغرفة خداعه بأن ابنته توفيت في حادث سيارة، أدائه يعبر عن فنان تعتبره مدرسة في فن التمثيل، التحدث بالعامية المصرية كان جيد جدا في لهجته رغم أنه من اصل فلسطيني، ينتمي للمدرسة التلقائية واعتماده على لغة العين والصوت و الجسد دون افتعال في الأداء.
(محمد فراج).. موهبة متطورة في كل عمل يذهلك في أدائه، يتفوق في تجسيد الشخصيات باندماجه فيها وتقديم الانفعالات ببساطة وعفوية وكأنه لا يمثل، يختار أدوار متنوعة بعناية خاصة، فلا يستسهل النمطية في الأداء.
(ريهام عبد الغفور).. في كل عمل لها تثبت أن مازال لديها الكثير لتقدمه، تزداد روعة في الأداء وإتقان في أدوار الشر كما تتقن أدوار الضعف والرومانسية، تستطيع تغيير جلدها حسب طبيعة الدور الذي تقدمه.
مراد مكرم (الخواجه ).. يقدم دورا مهما بأداء استثنائي وطريقة طبيعية لرجل إيطالي بعكاز ورجل يعرج عليها، ولغة سلسة في النطق، تعبيرات وجهه تظهر ما يخفيه في ألبوم ذكرياته وحوادث الغرفة.
(بيومي فؤاد).. أعتقد أنه أعاد نفسه في دور جيد دراميا من حيث الأداء بدلا من أدوار الكوميديا المعتادة له، خروج عن النمطية والتكرار والأداء التقليدي له، الذي يتضح أنه كان صحفيا يبحث في أمر الغرفة 207، واراد أن يخبر والد الخواجة بما حدث لابنه (ماركو)، إلا أن الغرفة تجعله يفقد الذاكرة إلا لحظة دخوله الغرفة.
(مريم الخشت، وعلي الطيب).. قدما دور الزوجان الذي جاء حظهم مع تليفزيون غامض يذيع أسرارهما ليتم اكتشاف خيانة الزوج وتنتهي علاقتهم بالفراق.
(سلوى عثمان).. تعبيرات وجهها المتنوعة بين الحب والحنان والفزع والخوف، ونظرات عينيها وحركات جسدها في أداء دور (عبير) تؤكد أنها فنانة قديرة بدرجة عظيمة تستحق لقب (الست) عن جدارة.
(يوسف عثمان).. أثبت أنه فنان موهوب كما كان طفل، كذلك (جهاد حسام الدين).. في دور (هدى الفضولية )، (سمر علام و إنجي أبو زيد).. قدما دورهم جيدا، و (ناردين فرج).. التي تحب فك الالغاز وتساعد (جمال) في فك طلاسم الغرفة، الظهور الخاص للفنان عباس أبو الحسن (والد الخواجه )، والفنان احمد خالد صالح (والد جمال) يبدو لافتا للغاية.
في حكاية (لعب عيال) أجادت (دنيا ماهر) دور السيكودراما بصورة مختلفة ودقيقة تجعلك لا تشك فيما سيحدث بعد ذلك، وجاء (هشام اسماعيل) بعدم تكرار نفسه في الأداء ليثبت قدرته على الأداء التراجيدي والكوميدي، الطفل (آدم وهدان).. كان رائعا جدا وعفويا في أدائه.
(محمود حافظ).. استطاع تقديم شخصية مليئة بالانفعالات النفسية، قام بدور الزوج الذي اتفق مع الغرفة أن يذبح زوجة في كل عام في نفس الموعد ليعيش خيال وجود زوجته الأولى معه.
الفنان السوداني (محمد السراج).. قادر على التنوع بسهولة وروعة في دور (الدكتور سليم) الذي دخل الغرفة ليتغير حاله وهو يفحص العظام التي وجدت بجدران الغرفة، ويقوم بقتل العمال ليقدم مع الفنان (حسن العدل) حلقة عن رعب الخواجة من الغرفة ومحاولة هدمها.
لكن ما يؤكد أن العمل رائع جدا من حيث جميع العناصر الفنية هى الحلقة السادسة، والتي أرى من وجهة نظري كمشاهد أنها قطعة فنية متكاملة، أولا من حيث الإخراج نجح (محمد بكير) في بالتعاون مع مدير التصوير (أحمد زيتون) والمونتير (معتز الكاتب) في إدارة الحلقة بتميز في التنقل بين الأحداث، ما بين الحرب والغرفة، مشاهد دمج (محمد فراج) مشاهد من المستقبل على ماضي (نبيل عيسى وأكرم الشرقاوي) وسط خنادق وأنفاق الحرب، الطفلة (هنا زهران) تعتبر حلقة وصل برقصها مع (محمد فراج ونبيل عيسى)، كأنها وتر يجمع بينهم في طلب الانتقام لمقتلها، كذلك في دمج مشهد صراع (محمد فراج) مع (أكرم الشرقاوي) ليسحبه إلى الغرفة، مع مشهد صراع (نبيل عيسى) مع (أكرم الشرقاوي) في مزج متناغم وكأنهما يحدثا معا في ذات الوقت، مشاهد متلاحقة لمزيج من مشاعر الخوف والإثارة والقلق بتصوير مبهر.
الفنان (نبيل عيسى) والفنان (أكرم الشرقاوي) قدما أدوار غير معتادة ومختلفة عما قدموه سابقا، (رزان مغربي) أيضا ممثلة جيدة، أما الطفلة (هنا) فكان توظيفها جيدا.
الديكور والمركبات والإكسسوارات خاصة بهذا الزمن، الملابس جاءت متوافقة أيضا مع زمن العمل، بل توافقت أيضا مع الأدوار من حيث الحالة النفسية.
الموسيقى التصويرية لـ (أشرف الزفتاوي) شديدة الذكاء ومكملة للأحداث ومتناغمة معها بحيث تعبر عن الحالة النفسية التي يمر بها الأبطال، وقد استطاعت توضيح الدراما المقدمة من حالات ترقب وتشويق بداية من التتر إلى الموسيقى الداخلية المصاحبة للأحداث.
لا تتوقف الدهشة والتشويق عند (الحلقة السادسة) بل تأتي (الحلقة السابعة) أكثر تشويقا، حيث تكشف أسرار الماضي للأبطال من خلال (الفلاش باك) أثناء التحقيق مع جمال واسترجاع سرد (الصحفي حسن) لقصة والده (رمزي) مع الغرفة، ولقطات علاج الدكتورة شيرين مع والده ودخولها الغرفة لتعرف السر، لكن هنا أيضا تأتي سطوة (ريهام عبد الغفور) في تحريك الأشخاص بالغرفة، فالجميع ضحايا لها حين يتجرأ أحدا منهم و يقترب من عالمها، ويتضح ذلك في الصور التى التقطها المصور لكل ضحية التي تتحول إلى (شبح ريهام) مع نيران مندلعة حولها، وذلك بعد أن قام المحقق بتجميعها بعد كشف نصف الحقيقة الذي يظهر أيضا على وجه (ريهام) المحترق نصفه.
الكشف الآخر للماضي هو التواريخ التي تحمل دلالة تجمع الشخصيات، مثل سنة 1934، تاريخ وجود والد جمال الفندق وبداية بحث رمزي في سر الغرفة، وهو نفس تاريخ عمل الرئيس جمال عبدالناصر محررا صحفيا بمجلة مدرسته (النهضة)، ربما اسم البطل (جمال) رمز من الكاتب.
السرد هنا في هذه الحلقة مختلف عن الرواية، الحلقة أشد قوة ونجاحا، ليظهر إبداع السيناريو بعيدا عن الاستسهال والقوالب المعتادة، والإخراج للحلقة متميز جدا رغم أنه في أماكن ضيقة، لكنه تلاعب بالإضاءة والكاميرا.
الفنان (أحمد الرافعي) تميز في أداء الصحفي وإظهار تعبير الفزع على وجهه عندما أجبرته (ريهام) على معرفة الحقيقة، (أحمد سليم) أجاد دور وكيل النيابة الذي يبحث عن حقيقة الغموض، (هشام الشاذلي) هو أيضا أجاد دور المصور الذي أصابه الرعب في الظلام والتقط صور متعددة متلاحقة للضحايا.
المخرج (محمد بكير) نجح في تكوين عمل باستخدام جيد للممثلين، والكاميرات ونقل الأحداث بشكل سلس للمشاهد.
الغرفة 207 عمل فني يعتبر علامة تحول في الدراما بعيدا عن الاستسهال والاستنساخ، ربما هذا يجعلك تحزن أن الكاتب (أحمد خالد توفيق) لم يرى أعماله تتحول إلى دراما مرئية.