كتب : محمد حبوشة
أعجبني جدا طريقة تناول الإعلامي الكبير (إبراهيم عيسى) بالتحليل والنقد للقرار الصادر عن البرلمان الأوروبي بتاريخ 24/11/2022، بشأن حالة حقوق الإنسان بمصر، لكونه يحتوى على حزمة من المغالطات والادعاءات الباطلة التى لا تمت للواقع بصلة، ولا يعكس سوى نظرة متحيزة غير موضوعية إزاء حقيقة الأوضاع فى مصر، حيث قال: إن تقرير البرلمان الأوروبي حول حقوق الإنسان في مصر ليس بجديد، وأضاف عيسى، خلال برنامجه (حديث القاهرة) على فضائية (القاهرة والناس) مساء الجمعة 25 نوفمبر، أن رد مجلس النواب على بيان البرلمان الأوروبي يؤكد أننا أمام لحظة هامة جدا، موضحا أن نقاشات البرلمان الأوروبي بشأن حالة حقوق الإنسان في مصر اعتمدت على تقارير منظمات حقوق الإنسان المصرية والدولية وتبني للرأي الناقد للملف في مصر.
وما أعجبني أكثر في كلام (عيسى) – وليت كل إعلامي مصر يتعلمون منه – أنه أكد أن ملف حقوق الإنسان في مصر يظل النقطة والثغرة ونقطة الضعف، مشيرا إلى أن ملف حقوق الإنسان ستظل نقطة ضعف تجمع حولها المتربصون بمصر، بما فيهم من شخصيات معتبرة أو صعاليك الاتحاد الأوروبي، وتساءل الإعلامي الكبير: لماذا تترك الدولة نفسها كذلك رغم ارتكاز الدولة على أعمدة مستقرة وتوافق عام من كل المؤسسات الوطنية واختبرنا نفسنا كلنا كحكومة وشعب في دعوات تخريب الإخوان؟، وكان الشعب المصري واع ولابد من مكافأته على هذا الوعي لإحباط الدعوات للفوضى، ومن ثم كان على أجهزة الدولة وعلى رأسها الحكومة وسفارتنا في الخارج أن تتصدى لمحاولات الإخوان الدائبة على إثارة الجدل حول حقوق الإنسان في ظل اعتبار أوروبا أن الإسلام السياسي بفعل الإخوان هو الذي يمثل الإسلام من وجهة نظرهم.
صحيح أن البرلمان المصري أعرب عن رفضه واستيائه الكامل من هذا القرار الذى جاء مخيبا للآمال، ومدللا على إصرار البرلمان الأوروبى – غير المبرر – فى استمرار نهجه الاستعلائي والوصائى تجاه مصر، إذ نصب نفسه – استنادا إلى وقائع كاذبة – حكما وقيما على تطوارات الأحداث فى الدولة المصرية؛ وهو ما يعد تدخلا صارخا فى الشئون الداخلية لدولة تتمتع بالسيادة، بالمخالفة لمواثيق الأمم المتحدة، وهو ما لا يمكن تجاوزه أو غض الطرف عنه؛ فهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا.
وتابع البيان: (بالرغم من أن مجلس النواب لديه القدرة الكاملة والحقيقية؛ في الرد على كل ما ورد بالقرار المشار إليه، والذى لا يتسم جميعه – أبدا – بالمصداقية أو الحيادية، وانتهاجه سياسة الوصم والتشهير غير البناءة والمرفوضة والتي ثبت فشلها عبر التاريخ، إضافة إلى صدوره دون استجلاء رأي البرلمان المصري – وهو حق كامل له – فيما ورد به من ادعاءات لا أساس لها من الصحة، والتي لا تستوجب الالتفات لها؛ فهي محض أحاديث مرسلة تستند إلى معلومات غير دقيقة، تعبر فقط عن توجه سياسي غير محمود، إلا أن ضمير مجلس النواب المصري يستوجب الإشارة إلى بعض ما ورد بالقرار؛ لأن فيه إجلاء للحقيقة وبيانا للأمر، فبالأخص قد ورد بالقرار أن حالة الطوارئ مطبقة في مصر منذ عام 2017 وحتى الآن؛ والحقيقة أن حالة الطوارئ تم إيقاف العمل بها في أكتوبر 2021، ولم يتم تجديدها منذ ذلك الحين.
وظني أن الأمر لا يتوقف فقط على بيان مجلس النواب المصري بل ينبغي أن تنتبه الأجهزة المعنية بمساندة الإعلام إلى توضيح الحقائق ومحاولة التواصل مع المجتمع المدني الأوربي حتي لا ينظر البرلمان الأوروبي إلى الشق السياسي ويتحدث عن حقوق الإخوان وليس حقوق الإنسان، وخاصة أن مطالباته تنطوي على فصيل واحد دون غيره، ويبدو أن قدرات الإخوان أكبر من قدراتنا على مخاطبة المجتمع المدني الأوربي، فقبل جلسة البرلمان كان هناك نشاط كثيف من الإخوان والحركة مع الغرب في إثارة لقضيتهم تحت بند الإفراج عن سجناء الرأي.
باختصار وحسب قول إبراهيم عيسى فإن بيان البرلمان الأوربي يخدم تيار الإسلام السياسي وليس حقوق الإنسان، وتبدو خطواتنا بطيئة جدا وليس بالنوايا تتحقق الآمال، وعلى حد قوله: (الإرهاب مش رأي والإرهاب مش وجهة نظر دا الإرهاب إرهاب)، وتابع، أن بيان البرلمان الأوروبي حول حالة حقوق الإنسان في مصر لم يشير إلى وقائع جديدة تتعلق بحقوق الإنسان في مصر، ولم يذكر وجود حوالي 146 قضية ازدراء أديان في مصر حتى فبراير 2022 ولا التأكيد على موجات التكفير والإرهاب الموجهة لأصحاب الأفكار المتشددة، وأردف مؤكدا: (نحن مع حرية التعبير وحرية الفكر مع القضايا السياسية والدينية وكل قضايا التعبير ولا نفرق ولا نوزع جهدنا ونخصصه في الدفاع على النشطاء السياسيين فقط).
وفي إطار خلط الحقائق ورد بقرار البرلمان الأوربي تضمن قرار البرلمان بوقاحة غير معهودة حث السلطات المصرية للإفراج الفوري عن مجموعة من المواطنين مشيرا إلى أنه تم اعتقالهم ظلما؛ والحقيقة أن هولاء المواطنون إما مقيدي الحرية تنفيذا لأحكام قضائية صدرت من المحاكم المصرية في محاكمات منصفة، أو محبوسين احتياطيا على ذمة تحقيقات تجريها جهات التحقيق، وذلك كله وفق قوانين إجرائية جنائية متعارف عليها دوليا.
ومن هنا لاحظ مجلس النواب المصري مساس القرار بشكل سافر باستقلال النيابة العامة والقضاء المصري، وهو ما يعد إخلالا بضمانات استقلال القضاء وفق المواثيق الدولية؛ ولذلك فإن المجلس يندد بأشد العبارات محاولة المساس بالسلطة القضائية المصرية، تلك السلطة التي لطالما رفضت على مدار تاريخها أى تدخل في شئونها سواء من جهات داخلية أو خارجية، كما تلاحظ لمجلس النواب المصري عدم إحاطة البرلمان الأوروبي بمستجدات الأوضاع في مصر أو تغافله المقصود لها، لأسباب غير مفهومة، فمن المعلوم أن الدولة المصرية أصدرت استراتيجية وطنية واعدة لحقوق الإنسان، تقوم على تطبيقها جميع مؤسسات وسلطات الدولة بعناية كاملة، ورصدت الدولة لها جميع الإمكانيات اللازمة لوضعها موضع التنفيذ.
هذا فضلا عن أن الدولة المصرية ملتزمه بتعهداتها تجاه الاتفاقيات والمواثيق الدولية فيما يخص ملف حقوق الانسان؛ الأمر الذي يجعل سلطات الدولة ملتزمه بتطبيق المواد المصدق عليها في العهدين الدوليين للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والسياسية، كما تلاحظ لمجلس النواب المصري من قراءته للقرار أنه أغفل عن عمد الإشادة أو الإشارة إلى ما بذلته مصر من جهود لإنجاح المؤتمر السابع والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ المنعقد في شرم الشيخ، بل على العكس حاول الانتقاص من ذلك الأمر من خلال الإشارة إلى وقائع مغلوطة عن تضييق السلطات المصرية على ممثلي المجتمع المدني المصري أثناء المؤتمر.
ياسادة علينا أن ننتبه إلى تلك النوايا الخبيثة سواء من جانب البرلمان الأوروبي أو تلك الدول الكارهة لمصر خاصة أن الأمم المتحدة المنوط بها حماية حقوق الإنسان في العالم لم تصدر قرار واحدا يدين مصر في هذا الملف، وعليه فإننا لاينبغي أن نكتفي بإعراب مجلس النواب المصري عن استيائه البالغ إزاء الاستهداف المكثف الذي تعرضت له مصر من قبل البرلمان الأوروبي، استغلالا لاستضافتها لقمة المناخ (كوب 27)، وأنه على الرغم من ذلك، فقد أثبتت مصر للعالم أجمع نجاحها في استضافة ذلك الحدث العالمي الكبير وتنظيمه علي أعلي مستوى، والذي شهد مشاركة واسعة غير مسبوقة، وخرج بنتائج ملموسة عبرت عن احتياجات ومطالب العالم بأسره من أجل إنقاذ كوكب الأرض.
لابد لنا من تحرك فعال من جانب المجلس القومي لحقوق الإنسان وإيصال تقريره المبنية على حقائق دامغة لكافة الأطراف في أوروبا وباقي دول العالم التي تثير أزمات بين الحين والآخر في إطار دعم الإخوان في مساعيهم الخبيثة لخلط الأوراق والزج بعناصرها الإرهابية في ملف سجناء الرأي، وأن نذكر البرلمان الأوربي بأنه كان بالأجدر به بدلا من الرصد المتزايد، وفق معلومات غير موثقة، لحالة حقوق الإنسان في مصر، أن يوجه أنظاره صوب مواجهة التحديات التي تجابهها دول الاتحاد الأوروبي للارتقاء بحقوق الإنسان، في ظل ما تشهده تلك الدول من انتهاكات صارخة لتلك الحقوق، وفي مقدمتها: المخاطر التي يواجهها المهاجرون واللاجئون والأقليات العرقية، العنصرية الممنهجة ضد بعض الدول الأوروبية، تنامي العديد من الظواهر المقلقة والتي تهدد أمن وسلم المجتمع كالإسلاموفوبيا، وخطاب الحض على الكراهية، والعنف ضد المرأة والجرائم التي ترتكب ضد القصر، وعنف الشوارع.
الحقائق الراسخة في عقيدة الدولة المصرية أن الارتقاء بمنظومة حقوق الإنسان بمصر باتت هدفا وطنيا، منبته الرغبة في تحقيق مصلحة المواطن المصري، وتلبية تطلعاته في الحياة الكريمة وصون حقوقه وحرياته، حيث تتضافر جهود جميع مؤسسات الدولة المعنية لتحقيقه، ولعل ما تجريه الدولة في الوقت الراهن من حوار وطني يشمل جميع القوى السياسية والمدنية باختلاف انتماءاتها وأيديولوجياتها، ووضعها إطارا مؤسسيا لممارسة رئيس الجمهورية لحقه الدستوري في العفو عن بعض المحكوم عليهم ببعض العقوبات من خلال إنشاء لجنة العفو الرئاسي، والتي تمارس عملها في إطار من العلانية والشفافية، ينضويان على دلالة لا تقبل التشكيك في رغبة الدولة في رسم مسارات – تتفق عليها قوى الشعب – في شتى المجالات لاسيما الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وغيرها من المجالات المرتبطة بالحقوق والحريات.
ولقد بات ملحوظا نقل السياسات المصرية إلى مسار جديد يلبى تطلعات الشعب على جميع الأصعدة، وإن مجلس النواب المصري لن يألو جهدا نحو بلوغ هذا الهدف، سواء من خلال سن – أو تعديل – التشريعات اللازمة لذلك، أو ممارسة أدواره الرقابية على أجهزة الدولة المعنية، وذلك كله دون حاجة لأوصياء غير الشعب المصري بحسبانه مصدر السلطات، خاصة أن بيان البرلمان الأوربي يعبر عن أهداف مسيسة، ونهج غير متوازن حمل العديد من المغالطات والكوارث والأكاذيب، وأنه يستخدم ملف حقوق الإنسان كوسيلة هجوم ضد مصر باستناده على تقارير لمنظمات مشبوهة هدفها الإساءة للدولة خاصة عقب نجاح مصر في تنظيم وخروج قمة المناخcop27 بصورة أشاد بها العالم.
تحية تقدير واحترام للإعلامي الكبير (إبراهيم عيسى) على حسه الوطني تجاه الحملات الحالية المشبوهة ضد مصر في الفترة الأخيرة، في محاولة للنيل من القيادة السياسية التي تسعي ليل نهار إلى إحداث التنمية الشاملة التي تستهدف تحسين حياة المواطن المصري، ولعل موقف الشعب المصري من دعوات 11/ 11 تعد إشارة بالغة الدلالة على تكاتف الشعب مع قيادته وحكومته تجاه أية محاولات إلى جرجرتنا إلى سيناريو الفوضى، ذلك السيناريو الهابط الذي تقاتل الجماعة الإرهابية في سبيل تنفيذه على أرض صخرة الواقع المر الذي يأبى الاستجابة لمطالبها، ولهذا فالفشل يظل حليفها في كل مرة.