بقلم : محمود حسونة
تغيرنا، انهدمت القيم، واندثرت الأخلاق، واختلطت المفاهيم، وساد الابتذال، وتجاوزنا الحدود، وانحطت لغة الخطاب، وارتفع صوت الباطل على صوت الحق، وأصبحنا نعيش حالة من الضياع بعد أن تقدم الصفوف المسطحون مهنياً، واحتل الشاشات المحدودون فكرياً، وأصبح بعضنا يبحث عن الشهرة على حساب المبادئ، ويسعى للفت الأنظار إليه من خلال الكلام المدمر لكل ما ربانا عليه الأهل، وما يخالف ما غرسه فينا معلمو الزمن الجميل بعد أن فقد الزمن بسلوكياتهم الشاذة كل جمال، ليتصدر القبح في التريند، ويجذب إليه كل غافل ومستغفل وعاجز عن التمييز بين الغث والثمين ومتقبل لأن يكون مجرد فرد في قطيع يقوده صناع التريند، والمروجون لكل ما يخالف الموروث ويقفز على المعهود ويزعزع الثابت ويكرس ما لم يكن مقبولاً في زمن غادرنا تقويمياً ويكاد أن يغادرنا بغير رجعة قيمياً وسلوكياً.
بعض مشاهيرنا خرجوا عن كل القواعد والمألوف في خطابهم ليتحولوا إلى سيوف مسلطة على موروثنا، وبعض مغمورينا تم استغلالهم ليكونوا سلاحاً في أيدي من يقودون السوشيال ميديا يشهرونه في وجه القيم، ويستخدمونه لإلهاء الناس، والهدف تحويل غالبيتنا إلى غوغاء يقولون ما لا يدركون معناه ويروجون للباطل بلا وعي ويتبنون الدفاع عن مجرمين وينحازون بشكل أعمى لما يمكن أن يدمر المجتمع والأسرة، حتى ننتقل طواعية إلى المكان الذي يريد أن يضعنا فيه أعداؤنا، ونحن مخدرين فكرياً، لا نعي ماذا نقول ولا ندرك عواقب أفعالنا.
خلال الفترة الأخيرة ساد بيننا خطاب مبتذل على مواقع التواصل الاجتماعي، استهلك منا الكثير من الوقت وشغلنا عن المهم والأهم في حياتنا، وروج ما لم يكن مقبولاً النطق به بالأمس، والهدف هو أن نتقبل الاستماع إليه، ثم نهمس به للمقربين منا، ثم نجاهر في مناقشته، وفي النهاية نتبناه.
المروجون يعلمون جيداً ما يفعلون، ويسيرون وفق مخطط قد يستغرق بعض الوقت، هدفهم تحقيق مآربهم ولو بعد حين، أما التابعون والذين يرضون بأن يكونوا قطيعاً فهم يتبعونهم بلا وعي ولا إدراك، يسيرون خلفهم كالعميان الذين يبحثون عن أحد يرشدهم على الطريق، ولكنه أبداً لا يكون طريقاً مستقيماً، بل طريق التخبط والاعوجاج، طريق التلهي بما لا يفيد ولا ينفع، طريق الغوغاء والدهماء الذين يرتضون أن يكونوا وقوداً لغيرهم.
خرج علينا شاب يشكو طرده من (محل كشري) لأنه عامل نظافة، وقامت الدنيا ولم تقعد تعاطفاً معه، وانساق مع القطيع نجوم فن استضافوه وكرموه رفضاً للعنصرية والتنمر الذي ادعى تعرضه له من محل الكشري الشهير، وتبارت قنوات تليفزيونية للفوز باستضافته، وفرض عليهم شروطاً وطلب أموالاً وتحول ما بين عشية وضحاها إلى نجم مجتمع. وإذا كان القائمون على هذه المحطات يدركون أنهم يسكبون بالسعي وراءه زيتاً على النار التي أشعلها شخص محدود في المجتمع فهي مصيبة، وإن كانوا لا يدركون فالمصيبة أكبر وأعظم، بعد أن صفع هذا الشخص المجتمع بفنانيه وإعلامييه وترينداته ومختلف مواقع التواصل فيه، وهو ليس سوى متهم في قضايا مخدرات وقتل.
الأمر لا يقتصر على (الواد بتاع الكشري)، ولكنه امتد إلى نجوم مجتمع، حيث استطاعت (النجمة) شيرين عبدالوهاب أن تشغل الجميع ( وللأسف أنا منهم) بقضاياها ومعاركها وتصريحاتها المتضاربة وعدم توازنها وتعاطيها للمخدرات وعلاجها وخلافاتها مع حسام حبيب، لينتفض الجميع ضد هذا الذي يريد أن يطمس معالم موهبتها ويشوه شخصيتها، وبعد خروجها من المستشفى صفعت الجميع وعادت إلى حبيب الغير حبيب.
المخرجة ايناس الدغيدي، وهى السيدة المحنكة في الحياة وفي مجال الإخراج السينمائي، والتي لا تنطق إلا بما تريد أن تعلنه للناس، فضحت السيناريست تامر حبيب وكشفت أنه مختلف الميول عن باقي الرجال الطبيعيين، متجاوزة بذلك القواعد المألوفة ومعتدية على الخصوصيات، لينشغل الرأي العام بهذا النموذج الذي صدم البعض رغم أن سلوكياته وأساليبه في الكلام والتعامل تكشف عن مستوره ولا يحتاج إلى الكلام الصريح لتأكيد أنه ممن يروج لهن الغرب ويتوقح بعض المشاركين في مونديال قطر برفع شارتهم.
لدينا مذيعتان تعشقان ركوب التريند، وتدركان أن مبدأ (خالف تعرف) هو الوسيلة المثالية لأن تتصدرا التريند وأحاديث المصاطب والمقاهي والأندية، وأقصد (ياسمين عز) التي تنحاز للرجل وتطالب كل امرأة بأن تعامل كل رجل وكأنه هارون الرشيد، وتجعل من نفسها خادمة لديه أو متعبدة في محرابه، أما الثانية فتمثل النقيض، وهى (رضوى الشربيني) التي تنحاز للمرأة ضد الرجل كل الوقت. وكلتاهما تدرك أن الرجل يكمل المرأة والعكس، وأن التعاون والاحترام المتبادل والشراكة في تحمل المسؤوليات والتقدير والحب الحقيقي، الوسيلة لتكوين أسرة سليمة، وبالتبعية مجتمع سليم.
كثيرون يمشون كما العميان وراء التريند، وقليل هم الذين يخشون عواقب ذلك على المجتمع، وينبهون قدر استطاعتهم لمخاطر ذلك.
لدينا الكثير من النماذج المضيئة والأبطال الحقيقيين والشباب صاحب التجارب غير المسبوقة، ورغم ذلك فإن التريند والاعلاميين عبدة الذات مصابون بعمى تجاه هؤلاء، لا يبحثون عنهم ولا يرونهم ولا يلتفتون سوى إلى الشاذ والغريب والمريب.
إذا كنا نريد الحفاظ على رقينا، علينا أن نقاوم موجات التغيير والتسطيح المتعمد، وأن ننتفض على التريند الذي يهدف إلى زعزعة ثوابتنا، وأن لا ننجرف وراء هذا الطوفان اللاأخلاقي، الذي يلفنا و(يزوبعنا) كي نتوه وسط الانحطاط والتفاهة والنميمة الفارغة؛ هل هناك من يريد إلهاءنا عن قضايانا الجوهرية؟ ربما، لكن لماذا نقف عاجزين عن الرفض وإعمال العقل؟ أليس الأجدر والأسلم أن لا نمنح ثقتنا للمدعين سواء كانوا إعلاميين أو فنانين أو صناع تريند أو غيرهم، ونتجاهل تلك الموجات التي ترتفع على السوشيال ميديا والشاشات التائهة في الفضاء، فنحبطها بمجرد إهمالنا لها وعدم نشرهاوت والترويج لها؟!.
mahmoudhassouna2020@gmail.com