بقلم : بهاء الدين يوسف
تابعت مجبرا عبر حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي أخبار إصابة الممثل رامز جلال بالعمى التي تبين لاحقا إنها لم تكن سوى شائعة سخيفة أخرى لا تقل سماجة عن برامج المقالب التي أدمن على تقديمها في رمضان.
لا أعرف ما إذا كان رامز نفسه هو من روج شائعة إصابته بالعمى ليلفت الانتباه له وبالتالي التطرق للكلام عن برنامجه الجديد في رمضان المقبل، أم لا؟!.. لكنني هنا لن أتوقف عند الممثل ولا ما فعله وما يريده لأن هذا أمر يخصه، لكنني أستأذنكم في التوقف أمام ما فعلته وسائل الإعلام.
بمجرد أن تكتب عبارة (إصابة رامز جلال بالعمى) على محرك البحث ستجد مئات وربما آلاف من الأخبار التي تتابع الأمر لحظة بلحظة بدرجة فاقت اهتمام وسائل الإعلام العربية (وبعضها مرموق) لمؤتمر المناخ مثلا الذي استضافته مصر مؤخرا، أو نتائج انتخابات الكونجرس الأمريكي، فهل يهتم الناس بصحة رامز جلال أكثر من اهتمامهم بتلك الأحداث؟!
أكاد أجزم بناء على خبرة سنوات طويلة في مجال الإعلام أن الإجابة ستكون بالنفي، لكن الجمهور هو ضحية مزدوجة في جرائم وسائل الإعلام.. مرة حين يتعرض لعمليات غسيل مخ من أدوات تملك قدرة الوصول إليه وقوة التأثير عليه.. ومرة ثانية حين تحمله تلك الوسائل وزر التفاهة التي تنتجها وتروجها، وأتذكر هنا حوارا جرى قبل فترة بسيطة مع زميل إعلامي كان يحكي لي منبهرا كيف أنه أنتج محتوى مرئي لموقع إلكتروني يعمل به عن قصة بناء مطار دبي من واقع الوثائق السرية البريطانية، وقبله محتوى آخر بمناسبة ذكرى وفاة الشيخ محمود خليل الحصري، وكيف أن المحتويين حظيا بنسب مشاهدة عالية وتلقى الموقع عشرات الاتصالات من أفراد عاديين ومسؤولين يشكرون مثل هذه المحتويات.
إذن فالمشكلة ليست في المتلقين ولكن في منتجي التفاهة وهو نفس الجدال الذي سبق أن عشناه في سبعينات القرن الماضي حين سادت ما كانت تعرف بـ (سينما المقاولات) عبر أفلام لا تحمل أي مضمون ولا قيمة سوى التفاهة، وتزامن ذلك مع بروز نجم عدد من مطربي (الكباريهات) وكانت حجة المنتجين في ذلك الوقت بأن الجمهور عايز كده، لكن سرعان ما أثبت الجمهور إنه سيذهب إلى الأفضل حين يجده، حيث حظيت أعمال الراحل عاطف الطيب مثل (البرئ وسواق الأتوبيس) بترحيب شعبي واسع مثلما أحسن الجمهور استقبال نجوم الغناء الجدد في ذلك الوقت مثل (منير والحجار والحلو) وغيرهم، مما تسبب في تراجع سينما المقاولات ومطربي الكباريهات.
نصل إلى نقطة جدلية أخرى حول ما إذا كان استغراق وسائل الإعلام في صناعة التفاهة بتوجيهات عليا لشغل الناس وصرف أنظارهم عن القضايا الهامة في حياتها؟! أم أن الأمر ينطلق من لهاث تلك الوسائل خلف أي محتوى يجذب القارئ؟!
بحكم تواجدي في (مطبخ الإعلام) لسنوات طويلة أستطيع القول أن الأمر يجمع بعضا من هذا وذاك، لكن المشكلة تتفاقم حين يلجأ القائمون على وسائل الإعلام إلى (التجويد) ويتفننون في إنتاج عشرات القطع من أي محتوى تافه بحثا عن ركوب الترند، وهو ما يحدث لفترة من الوقت كفيلة بإغراء وسائل إعلام منافسة لإنتاج أخبار أكثر تفاهة للمزاحمة على التريند، وهلم جرا حتى نصل الى هوة سحيقة يصعب جدا الخروج منها.