* الفن لم يكن في ذهني، ولم أدخل سينما أو مسرح وأنا طفل، ودخولي المجال الفني جاء بالمصادفة البحتة
* اعتذر عمر الحريري عن دوره فى مسرحية (بداية ونهاية) فتم إسناد الدور لي، ورحل صلاح سرحان فقدمت (القضية) و(عيلة الدوغري)
* مسرحية (زهرة الصبار) نقطة تحول في حياتي المسرحية، ورفض بطولتها قبلي (فؤاد المهندس ومدبولي)
المخرجين السينمائين أخذوا عني انطباع وهو إننى يجب أن أترك (البلاتوه) قبل التاسعة مساء، موعد رفع الستار فى المسرح القومي فابتعدوا عنى
* قام الفنان الراحل (محمود الجندي) وهو طالب فى معهد الفنون المسرحية بعمل دراسة عن أسلوب أدائي فى المسرح.
أجرى الحوار : أحمد السماحي
عبدالرحمن أبوزهرة قامة فنية استثانية بكل المقاييس، فعبرمسيرة طويلة ومضيئة حافلة بالمحطات الفنية فى كل المجالات لم يسعى خلال مشواره يوما لفن يخاصم القيمة، ولم يقدم عملا دون المستوى، بل راهن طوال الوقت على احترامه لنفسه باعتباره جزء أساسى من احترام الجمهور له، برع في العزف على أوتار الأحاسيس والمشاعر الإنسانية الدافئة عبر أدواره الفنية، فتولدت لديه مبكرا حرفة التغيير في حالتنا النفسية من تنشيط أو تثبيط، وأتقن صناعة الانشراح المصحوب بالأمل، فجاءت أعماله الفنية لتغمرنا بعواطف الحب والحماسة.
بدأ مشواره الفني عام 1955 من خلال الإذاعة المصرية التى يعتبرها عشقه الأبدي، ومنها انطلق للمسرح والتليفزيون والسينما، فى هذا الحوار قررنا أن نتحدث معه عن أبرز المحطات فى حياته الفنية، وفتح (أبو زهرة) قلبه لنا وكان هذا الحوار، الذى أعرب فيه عن حزنه على ما أصاب اللغة العربية الآن، وصرح أنه يجب طرح كل ما يحمل قيم ومبادئ فى الأعمال الفنية، وبشكل من الإلحاح على الجمهور، لأن الإلحاح في الفن له نتائج إيجابية يجب ألا نغفل عنها، وأشار الفنان الكبير إلى أنه يشعر بالمتعة تصل للتوحد أثناء أدائه لأدواره في أعماله الفنية، وأكد أنه يجب على الفنان أن يثقل موهبته بمهارات أخرى مثل الثقافة والقراءة والمعرفة حتى يحمي موهبته، وإليكم نص الحوار:
* في البداية يهمنا أن نبدأ مع حضرتك وعلى طريقة (الفلاش باك) السينمائي إلى الماضي لنتعرف منك على ظروف دخولك المجال الفني؟
** سرح قليلا وبعد ثواني قال : لم يكن الفن فى ذهني إطلاقا فى طفولتي، لدرجة أننى لم أدخل سينما أو مسرح وأنا طفل، ودخولي المجال الفني جاء بالمصادفة البحتة، ففى الماضي كان يوجد فى المدارس نشاط فني هام، ومسابقات بين المدارس لهذا النشاط، وأنا كنت طالبا خجولا وملتزما جدا، من البيت للمدرسة، والعكس.
وفى أحد الأعوام وكنا فى المرحلة الثانوية جاء أستاذ من معهد الفنون المسرحية يشرف على النشاط المسرحي فى المدرسة، وشاهدني بالمصادفة وأنا (باهرج) وأمازح زملائي، وأقلد أساتذتي، وطلب مني الانضمام للفريق المسرحي فى المدرسة، لكنني رفضت بشدة، لأن أحلامي فى هذه الفترة لم يكن من بينها التمثيل الذى لم يخطر على بالي إطلاقا.
لكن هذا الأستاذ ظل يطاردني، ونظرا لإصراره أحببت أن أجرب، وبالفعل انضممت لفريق التمثيل فى المدرسة، ويشاء السميع العليم أن أحصل على الميدالية الذهبية للمدرسة، وبعد احتفاء أساتذتي والمدرسة بي أحببت التمثيل جدا، وقررت بعد نصيحة أستاذي الذى دربني على التمثيل فى المدرسة أن أتجه للدراسة فى معهد الفنون المسرحية.
وفى هذه الفترة كانت الدراسة فى المعهد ليلية، وكان أخي الأكبر رحمة الله عليه قاضيا، وعندما عرضت عليه الأمر قال لي : (يا عبد الرحمن أنت خجول وترتبك وأنت تتحدث معنا والتمثليل يحتاج إلى جرأة)، لكني أصررت وبالفعل التحقت بالمعهد، وحتى أرضي الأسرة التحقت بكلية الأداب قسم (علم نفس).
* هل تتذكر دفعتك فى معهد الفنون المسرحية؟
** بالتأكيد فكلهم نجوم ملأ السمع والبصر حتى الآن منهم: (حسن يوسف، يوسف شعبان، عزت العلايلي، رشوان توفيق، أحمد توفيق)، كانت دفعتي 15 طالبا، وكلنا اشتغلنا ونحنا طلبة فى الإذاعة والسينما والمسرح، لهذا لم أستطع استكمال دراستي فى كلية الأداب وأضطررت لتركها بعد عامين.
* وماذا عن أول عمل فني شاركت في بطولته؟
** شاركت وأنا طالب فى أدوار كثيرة على خشبة المسرح القومي، وكانت الوقفة على خشبة هذا الصرح أروع تقديم للوسط الفني، وفى هذه الفترة كان مخرجي المسرح القومي الكبار يقومون بعقد امتحان لخريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، ومن ينجح منهم يعمل فى القومي فى أدوار صغيرة فى البداية.
وهكذا بدأت بأدوار صغيرة، حتى خدمنى الحظ وأعتذر الفنان عمر الحريري عن دوره فى مسرحية (بداية ونهاية) للأديب نجيب محفوظ فتم إسناد الدور لي، وبعد فترة رحل الفنان صلاح سرحان الذى كان يقوم ببطولة مسرحيتي (القضية) و(عيلة الدوغري) فتم إسناد دوريه لي، إلى أن قمت ببطولة مسرحية (زهرة الصبار)، وفى السينما كان أول فيلم أشارك فيه (الحقيبة السوداء) مع الفنانة نعيمة عاكف وشكري سرحان، إخراج حسن الصيفي.
* رغم مشوارك الفني الطويل فى المسرح والسينما والتليفزيون والإذاعة إلا أنني أشعر بأن السينما ظلمت موهبتك الفنية؟
** السينما لم تظلمني!، لأنها لم تكن فى بالي ولم أركز فيها، لأن عشقي للمسرح منعنى من البطولات السينمائية!، حيث أخذ المخرجين السينمائين عني انطباع وهو إننى يجب أن أترك (البلاتوه) قبل التاسعة مساء، موعد رفع الستار فى المسرح القومي، وبالتالي ابتعدوا عنى، ورغم هذا قدمت مجموعة كبيرة من الأفلام السينمائية المختلفة التى أعتز بها وبالعمل فيها، حتى لو كان دوري ثانوي أو دور ثاني فى هذه الأفلام التى تعاونت فيها مع أكبر مخرجي السينما المصرية مثل: (يوسف شاهين، صلاح أبوسيف، كمال الشيخ، توفيق صالح، مرورا بسعد عرفه، حسن الصيفي، ووصولا لدواد عبدالسيد، وسامح عبدالعزيز).
* ألم تحلم يوما بأن تكون نجم سينمائي مثل: رشدي أباظة، كمال الشناوي، صلاح ذوالفقار؟
** ضاحكا: كنت نجما مثلهم فى المسرح القومي الذى بدأت فيه بعد تخرجي مباشرة من المعهد العالي للفنون المسرحية بأدوار بسيطة حتى حصلت على البطولة المطلقة من خلال مسرحية (زهرة الصبار) مع الفنانة الكبيرة سناء جميل، والتى تعتبر نقطة تحول في مشواري الفني، ولقد عرض مخرج المسرحية (كمال ياسين) النص على ممثلين كثيرين منهم (فؤاد المهندس، وعبد المنعم مدبولي) رحمة الله عليهم، لكنهم رفضوا لأن المسرحية لا تعتمد على كوميديا الموقف الذي كان منتشرا فى هذا الوقت، فاختارني (ياسين) لبطولة المسرحية، ونجحت نجاحا باهرا، وأعلنت عن مولد نجم مسرحي جديد، وبعدها توالت البطولات المسرحية، وقد قام الفنان الراحل (محمود الجندي) وهو طالب فى معهد الفنون المسرحية بعمل دراسة عن أسلوب أدائي فى المسرح.
وفى النهاية كل شيئ قسمة ونصيب والسينما هى التى خسرتني! بدليل أن كبار المخرجين السينمائين كانوا يسعدون جدا وأنا أعمل معهم، وبعد انتهاء العمل لا يفكر أحد منهم فى العمل معى مرة ثانية!
* لماذا؟!
** الله أعلم هذا سؤال يوجه لهم، ربما يرجع لدقة مواعيدي، فعلى مدى مشواري لم أدخل الاستوديو متأخرا دقيقة واحدة، رغم أن بعض الفنانين والفنانات يحضرون لمكان التصوير بعد ساعة من الموعد المحدد.
* تعاونت مع كبار مخرجي السينما المصرية.. من المخرج الذى أحببت كواليس العمل معه؟
** الحقيقة إننى لا أحب مثل هذه الأسئلة لأن فيها إحراج للمخرجين الذين تعاونت معهم، لكن عموما عشقت كواليس العمل مع (صلاح أبوسيف، وكمال الشيخ)، لهدوئهما الشديد فى البلاتوه، لدرجة أنك لا تشعر بوجودهما، كما إنهما يعاملان أصغر ممثل باحترام وأدب وذوق مثله مثل أفضل نجم سينمائي، لكن هناك مخرجين آخرين (راكبهم ميت عفريت) يصرخون لأتفه سبب، لكن (الشيخ وأبوسيف) تجد فى أيديهما ورقة مكتوب فيها بعض الملاحظات البسيطة الخاصة بالفيلم ككل، ولا يعلو صوتهما إطلاقا.
* هذا عن المخرجين ماذا عن النجمات؟!
** يوجد نجمات (مش طايقين نفسهم!!) بسبب الغرور والتعالي، ويمشون وكأنهن يقلن: (يا أرض إتهدي ما عليك أدي)، رغم إنهن لا يملكن تاريخ فني، أو تاريخهم (مش جامد)، وعلى الجانب الآخر يوجد نجمات فى منتهى الظرف والشياكة واللطف مثل (سعاد حسني، نادية الجندي، نبيلة عبيد) وغيرهن.
………………………………………..
في الحلقة القادمة… نستكمل حوار المفارقات والأسرار في حياة الفنان الكبير والقدير عبد الرحمن أبو زهرة.