بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
كعادتى كل أسبوع ، توجهت يوم الجمعة قبل الماضى ( 11 نوفمبر ) إلى بيت الأسرة، و خلال الطريق الذى يمر بعدة أحياء سكنية تتوزع ما بين عدة طبقات و شرائح اجتماعية مختلفة لاحظت حالة غريبة : الشوارع قد خلت من السيارات و من المارة بشكل ملحوظ ، حتى حديقة الحيوانات التى أمر بها أسبوعيا و التى تكتظ فى ذلك الوقت كانت شبه خالية على غير المألوف ، و حتى حين عدت مساء كانت الشوارع أيضا شبه خالية !! ، وبدا لى أن الناس قد تعمدت ألا تغادر منازلها فى ذلك اليوم بالتحديد ، و ردا على تلك الدعوات قام الناس برد فعل عكسى تماما و كأنها ضحكة سخرية أطلقها الناس فى وجه محرضيه ، فهل كانت تلك رسالة من الشعب لمن دعوه إلى النزول و التظاهر ضد النظام : أننا تركنا لكم الشارع تماما ، فأرونا أنفسكم ؟
و لا أدرى على وجه التحديد عدد المرات التى دعت فيها جماعة الإخوان – أو المتعاونين معها – شعب مصر إلى النزول من أجل الثورة على النظام الحالى ، هل هى 8 مرات أم عشرة أم أكثر ؟ ، و فى جميع المرات لا يستجيب الشعب لتلك الدعوات ، حتى أن الدعوة الأخيرة بالنزول يوم 11 نوفمبر – الاسبوع الماضى – لم تصدر عن الإخوان بشكل مباشر مما يؤكد أنهم قد ايقنوا أخيرا بأن الشعب لن يستجيب لهم ، و أن حتى خلاياهم سواء المعروفة أو النائمة لم تعد قادرة على الحشد ، برغم أن كل الظروف كانت – من وجهة نظرهم – مواتية ، فهناك أزمة اقتصادية خانقة بسبب الظروف الدولية و ارتفاع غير مسبوق فى سعر الدولار مما سبب فى ارتفاعا فى أسعار معظم السلع – و هى أزمة طالت كل دول العالم و لكنهم علقوا أسبابها فى رقبة الدولة – الإ جانب وجود مؤتمر دولى على أرض مصرية احتشد له معظم قادة العالم ، مما يجعل كل الانظار تتجه إلى مصر و تركز عليها ، و بالتالى ترصد وعلى الفور أى حراك جماهيرى ، و تضخمه و تنقله صوتا و صورة إلى جميع الأرجاء ، كما يكبل وجود كل هذه الأعين أجهزة الأمن عن مواجهة المظاهرات أو استعمال القوة معها.
لا أعتقد أنه كانت هناك فرصة أفضل من تلك لقيام مظاهرات تطالب برحيل النظام ، و لا أعتقد أن الجماهير لا تدرك ذلك ، فما الذى جعل الناس لا تتحرك ؟ ، ذلك هو السؤال الذى يجب أن نسأله لأنفسنا و لا نكتفى بالإجابات التى أطلقها بعض الإعلاميين بأن هذا استفتاء على النظام انتهى لصالحه ، برغم تصديقنا لتلك الإجابة ، و لا يجب أن نقنع أنفسنا أن الناس راضية كل الرضا عن أحوالها ، فمن المؤكد أن لها متاعب و لديها أزمات ، و لكنها تعالت على كل هذا و لذا أعتقد أنه يجب أن نسأل الناس : (انتو ما نزلتوش ليه ؟) لنتعلم من حكمة هذا الشعب .
إن عدم ( نزول الناس ) يعنى اقتناعهم بأن هذه الدعوات ليست فى مصلحة الوطن ولا فى مصلحة المواطن ، و أن أى حراك من هذا النوع هو تخريب و هدم للدولة وتحطيم لكل منجز ، و العودة إلى حالة السيولة السياسية و الأمنية التى تلت 2011 . و لكن يجب أن نبحث بشكل أكثر عمقا عن الأسباب و الدوافع التى استقرت فى وجدانهم و فكرهم و قرروا على أساسها عدم النزول – و تلك مسئولية جهات بحثية متعددة – فالإجابة الدقيقة المتمعنة ستساعد فى فهم هذا الشعب الذى نقول أنه بلا كتالوج ، كما أنها ستضع أمام القيادة السياسية مؤشرا لما تستطيع أن تأخذه من قرارات قد تبدو صعبة ، إنها إجابة عن سؤال لا أعتقد أن أحدا يعرف إجابته : إلى أى حد يحتمل المواطن؟
بالإضافة الى ما هو أهم من وجهة نظرى : إن شعبا بهذا الوعى و القدرة على الفرز ما بين دعوات تستهدف تحقيق مصالحه و دعوات هدامة تستهدف تحقيق مصالح فئة او فريق او جماعة هو شعب يستحق الكثير من التقدير ، و لقد توجه إليه رئيس الجمهورية فى مناسبات عدة بالشكر على احتماله تكلفة الاصلاح الضخمة ، و لكن هذا الشعب يستحق أن تتاح له الفرصة لتكوين أحزاب معارضة حقيقية تعترف بثورة 30 يونيو و تنطلق من مبادئها.. أحزاب تقوم على برامج واقعية و أولويات مختلفة أو باختصار فلسفة مغايرة ، و الغريب أن الدولة تتعامل بمنطقين فى هذا الموضوع، فبينما رأس الدولة يسعى لاقامة حوار وطنى يشارك فيه الجميع و يُطرح فيه كل الموضوعات للنقاش و للجدل ، نجد بعض الأجهزة و الإدارات تخشى من أى مقولة تشتم منها رائحة معارضة !!
ألا يعلم بعض المسئولين أن رئيس الجمهورية وقف فى ختام مؤتمر اقتصادى و طالب بوجود من يعارض ( أو يزعق على حد تعبيره )، و أن ترد عليه الحكومة محاولة شرح وجهة نظرها ؟، ألا يعلم هؤلاء أنه أصبح من المألوف وجود وجوه محسوبة على المعارضة فى مؤتمرات و اجتماعات يحضرها السيد الرئيس؟
يجب أن تتعلم تلك الأجهزة و الادارات و المسئولين أن يفرقوا ما بين الخلاف فى الرأى و الاختلاف على كرسى الحكم ، و أن هناك فارق ضخم ما بين أن تعارض وأنت تحافظ على هذا الوطن و بين أن تعارض لكى تسعى إلى هدمه ، و أعتقد أنه لو ترك الأمر لهؤلاء المسئولين و تلك الإدارات لما رأينا فى (قمة المناخ) كل تلك الوجوه المتنوعة و المختلفة فى التوجهات و الأغراض فى المؤتمر ، تناقش و تختلف و أحيانا تعارض و أيضا تهاجم و تتعدى الحدود ، و أعتقد أن الأمر لو كان فى أيدى هؤلاء المسئولين لما كانوا سمحوا لهم بالتواجد و ساعتها كانت ( الفضيحة هتبقى بجلاجل ) ، و لكن أعتقد أن ماتم كان بتوجيهات من الرئيس ، و كيف لا و قد ناقش مراسلين أجانب من قبل فى مؤتمر الشباب عن حالة حقوق الانسان فى مصر ، ولكن يبدو أن ما يسمح به الرئيس لا يسمح به المسئولون !!