في عيد ميلاد (فيروز) : هل كان عبدالوهاب وراء منع فريد الأطرش من التلحين لجارة القمر؟!
كتب : أحمد السماحي
خلال الأيام القادمة وبالتحديد يوم 21 نوفمبر الجاري نحتفل بعيد ميلاد أرق وأجمل من غنت، نحتفل بعيد ميلاد جارة القمر فيروز، التى كل ما أكثرت من سماع أغنياتها تكتشف فيها الجديد الذي كان مجهولا عنك من قبل، وكأنك تسمعه لأول مرة، ففيروز ليست صوتا جميلا فحسب بل أداء نورانيا وفنا عظيما متجددا متميزا متنوعا، وسيلته إمتاع الجمهور وإسعاده، وغايته الإنتصار لقيم الحق والخير والجمال.
بمناسبة ميلادها السعيد نكشف أحد أسرارها الفنية، وهو سر عدم تعاونها مع الموسيقار المبدع (فريد الأطرش) على الرغم من أن فيروز في طفولتها كانت متأثرة بصوتين ملأ الشرق نغما جميلا وموسيقى هما (فريدالأطرش واسمهان)، وأعلنت هذا أكثر من مرة، إلا أن الرحبانيه فرضوا سياجا من حديد ضد تلحين أي ملحن آخر لفيروز، فكان من المفترض أن تتعانق حنجرة فيروز مع ألحان فريد الأطرش في نهاية الستينات، أثناء إقامته في بيروت، حيث كتب الشاعر منصور الرحباني مطلع أغنية بعنوان (الحب الأولاني).
وقرر (الأطرش) بعد أن استمع إليها أن تكون باكورة تعاونه مع فيروز، وبالفعل وافقت جارة القمر على أن تغني الأغنية بعد أن استمعت إلي المطلع الذي لحنه الأطرش، وفجأة إختفى منصور ولم يعد يرد على تليفونات الأطرش، وإليكم باقي التفاصيل كما جاءت في مجلة (الموعد) اللبنانية :
فجأة ترك الفنان منصور الرحباني مجلة كانت بين يديه، ولاحظ شقيقه عاصي عبوسا طفيفا يظهر بين حاجبيه، وفتح منصور الخزانة وراح يقلب في الملفات الكثيرة والمقدسة في طبقاتها إلى أن أمسك بأحد هذه الملفات وفتحه، وأخرج منه مجموعة من الأوراق قلبها كلها إلى أن أمسك بورقة صغيرة منها تأكلت أطرافها وعلا الإصفرار بعض من جوانبها، وهتف منصور هذه هي، وبصوت خافت قرأ منصور الكلمات القليلة المخطوطة على الورقة الصغيرة، ثم راح يفكر ويكتب ويدخن، وظل على هذه الحال أكثر من أربع ساعات متواصلة إلى أن رفع رأسه أخيرا وتنهد واتجه إلى التليفون وأمسك السماعة وطلب رقما معينا.
وعلى السماعة الأخرى كان الموسيقار فريد الأطرش يرد قائلا : أيوه يا أفندم أنا فريد الأطرش.
قال منصور : أستاذ فريد أنا منصور الرحباني.
وقبل أن تظهر دهشة الموسيقار المرح على شفتيه كان منصور يستطرد قائلا : عارف كل شيئ بدك تقوله، وأكيد متعجب من تليفوني بعد إنقطاع دام أكثر من سنة ونصف، لكن بالأول أرجوك تسمع وتقولي رأيك بكلمات هالأغنية :
عمري الأولاني، حبي الأولاني
على بوابتنا بالفي، ربيتو ورباني.
وقبل أن يتابع منصور، قاطعه فريد يقول له : دي قديمة يا بيه، أنت نسيت أنني لحنت المقطع ده من سنة ونصف، ولكن منصور ضحك وقال : عارف والله بس أرجوك إسمع، وانتظر فريد أن يسمع كل شيئ إلا بقية كلمات الأغنية، ولكن منصور فاجأة وهو يتابع :
يالفتة خجولة، ويا سهرة طويلة
رجعوا من بعيد صوبد يندهولي
وجهك السعيد قنديل الطفولة
سهرني وبكاني
بكلمة بتعادينا، وكلمة بتراضيا
وإذا بكره الزمان فرق ليالينا
وعلى ورق النسيان إنكتب أسامينا
إنساني ولا تنساني، يا عمري الأولاني
ورد فريد الأطرش: مش معقول ايه ده؟ وبلهفة قال منصور: شو؟ عجبتك؟ فقال فريد ضاحكا: وهو لا يزال غير مصدق أيوه، بس أنا عايز أعرف ايه الحكاية؟ وإزاي انقلبت الدنيا وكملت كلام أغنية كنت حلحنها لفيروز بعد سنة ونصف، وتبسم منصور ومازال ممسكا بسماعة التليفون ويقول: بصدق الحقيقة يا استاذ فريد أن ما جعلني أشعر بالذنب هو قراءتي لمذكراتك في مجلة (الموعد) كنت أتصفح المجلة وأقرأها كالعادة، حتى وقعت عيناي على حكاية لحنك الذي لم يكتمل لـ (فيروز) وتأثرت كثيرا بشعورك الذي أحسسته من خلال السطور.
وبطيبته المعروفة قاطع فريد، منصور قائلا : مافيس لزوم يا أستاذ منصور للكلام ده، أنا مقدر شعورك النبيل ومتشكر جدا إنك افتكرت الغنوة ولو بعد سنة ونصف، وكملتها وغيرك كان نسيها خالص، وضحك الفنانان واقفلا السماعة على وعد من منصور بتكملة باقي الأغنية خلال أسبوغين على الأكثر
وبدأ فريد الأطرش يشتغل على اللحن مجددا، وحجز الأستديو للتسجيل، وأتصل بالموسيقيين، لكن الأستاذ منصوررحبانى أرسل لفريد يقول له أن اللحن أقوى من الكلمات، وأنه يبحث بنفسه عن كلمات أخرى قوية تناسب اللحن، ومرت الأيام والشهور والسنين ورحل الموسيقار فريد الأطرش، ولم تغن فيروز له، ولا أحد يدري مصير لحن أغنية (الحب الأولاني) حتى الآن!
جدير بالذكر أن الكاتب الصحفي اللبناني (محمد بديع سربيه) قال في أحد مقالاته في مجلة الموعد: أن موسيقار الشرق محمد عبدالوهاب هو الذي أوحى لفيروز والرحابنه بأن صوت فيروز لا يناسبه إلا ألحان الرحابنة، وألحانه هو بالذات، ولهذا وبطريقة الإيحاء جعل فيروز توافق وتنشد بعض أغنياته القديمة مثل (يا جارة الوادي، وخايف أقول اللي في قلبي) التى لم تؤخر أو تقدم في شهرة فيروز وشهرة الأغاني.